أقلام ثقافية

أندريه جيد و"الكوجيتو الديكارتي"

بقلم: اندريه جيد

ترجمة: عبد الوهاب البراهمي

***

" أفكّر، إذن أنا موجود

أتخلّص من إذن هذه.

أفكّر وأُوجد؛

سيوجد صدق أكثر في:

أحسّ، إذن أنا موجود- أو حتّى: أعتقد، إذن أنا موجود- إذ أن ذلك يعني أننّي:

أفكّر بأنّي موجود

أعتقد بأنّي موجود

أحسّ بأنّي موجود

بيد أنّه يبدو لي أنّ من بين القضايا الثلاث آخرها هي الأكثر صدقا، بل الوحيدة الصادقة؛ إذ في النهاية، قد لا يعني قولي أنا أفكّر بأنّي موجود، أنّني أعرف. ولا أيضا: أعتقد بأنّي موجود.  يوجد تحمّس للمرور من الواحدة إلى الأخرى أكثر من جعل " أعتقد بأنّ الإله موجود"، دليلا على وجود الإله. بينما (في):" أحسّ بأنّي موجود..." –  أكون هنا حَكَمًا وخصما. فكيف سأخطأ هنا؟

أفكّر إذن بأني موجود – أفكّر بأنّي موجود إذن أنا موجود.- إذ لا يمكنني أن أفكّر إلاّ في شيء-

مثال ذلك: أفكّر بأنّ الإله موجود

أو

أفكّر بأنّ زوايا مثلث مساوية لمستقيمين، إذن أنا موجود.- إذن فالأنا هي التي يستحيل تأسيسها؛... إذن فذاك هو – أظلّ في الحياد.

أنا أفّكر: إذن أنا موجود.

كذلك أيضا: أتألّم، أتنفّس، أحسّ: إذن أنا موجود. إذ لو كنّا لا يمكن أن نفكّر دون أن نوجد، أمكن لنا أن نوجد دون أن نفكّر.

ولكن بما أنّي لا أفعل سوى أن أحسّ، أنا موجود دون تفكير بأنّي موجود. وبهذا الفعل المفكّر أعي بكياني؛ ولكن في نفس الوقت، أكفّ عن أكون ببساطة: أنا مُفكّر.

أفكّر إذن أنا موجود مساوية لـ: أنا أفكّر بأنّي موجود وهذه الإذن التي تبدو عاتق الميزان، لا وزن لها. لا يوجد إذن في كل من الطّبَقَين إلاّ ما وضعته فيه، أي نفس الشيء. س= س . لقد قلّبت جيدا الحدود، فلم أحصل على شيء، سوى  بعد فترة من الزمن، صداع شديد ورغبة في أذهب للتجوّل.

إنّ بعض "المشكلات" التي تحيّرنا، ليست دون شكّ بلا معنى فحسب، بل غير قابلة للحلّ- وتعليق الحكم بشأن حلّها، جنون.. لنمرّ إذن إلى شيء آخر."

***

...................

أندري جيد، "أغذية أرضية جديدة" الكتاب الثاني (1935)" Gallimard"

في المثقف اليوم