أقلام ثقافية

عن كوبرين ومقالته حول تولستوي

الكساندر ايفانوفيتش كوبرين (1870 - 1938) – اسم كبير في تاريخ الادب الروسي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ويعرفه القارئ العربي قبل كل شئ باعتباره  مؤلف (سوار العقيق)، الرواية القصيرة التي قام بترجمتها الى العربية المرحوم د. ابو بكر يوسف، وأصدرتها دار النشر السوفيتية في ثمانينيات القرن العشرين، وعلمت ان د. ابراهيم استامبولي  قد أعاد ترجمتها قبل فترة قصيرة، ولكني لم اطّلع عليها مع الاسف، وهناك آراء متنوعة حول اعادة ترجمة النصوص المترجمة سابقا، ولكني أظن، ان اعادة ترجمة اي نص ادبي اجنبي هو عمل ابداعي يضاف الى المكتبة العربية ويجعلها أغنى وأوسع، ويمنحنا امكانية المقارنة بين الترجمتين مع النص الاجنبي الاصلي، وهذا يعني بالتالي، اثراء حركة الترجمة نفسها وتعزيز دورها الحضاري بشكل عام والثقافي بشكل خاص في حياة الشعوب، وأتمنى ان أرى يوما دراسة مقارنة يقوم بها باحث عربي حول الترجمتين لسوار العقيق في اي قسم من أقسام اللغة الروسية وآدابها او اي قسم للترجمة باي جامعة عربية من جامعاتنا العديدة، اذ ان ابو بكر يوسف وابراهيم استامبولي هما من المترجمين المبدعين الكبار في مسيرة الترجمة العربية عن الروسية، وهما يشغلان مكانة متميّزة بالمكتبة العربية  في مجال علم الترجمة، ومن المؤكّد، ان هذه الدراسة ستكون مفيدة وممتعة ايضا.

الا ان الكاتب الروسي الكساندر كوبرين اوسع كثيرا من كونه مؤلف الرواية القصيرة (سوار العقيق) فقط، فهو قاص وروائي وصحافي ومترجم وكاتب مقالة من الطراز الاول ومن النوع الفريد  فعلا، وهذا هو الجانب الابداعي الذي نريد بالذات ان نتوقف عنده هنا، فمقالاته اكبر من مفهوم المقالة الاعتيادية، اذ تنعكس فيها كل موهبته الفنية المتميّزة، ويمكن ان نسميّها – وبحق -  صورة ادبية نابضة بالحياة، او لوحة فنية متكاملة يرسمها فنان تشكيلي بالحروف والكلمات، وفي هذه السطور نتحدث قليلا عن طبيعة المقالة عند كوبرين وخصائصها الفنية، المقالة باعتبارها  شكل من أشكال الابداع الفني، شكل قائم بذاته بين اجناس الآداب المتنوعة، وخصوصا، ان المقالة اخذت ومنذ فترة ليست بالقصيرة (تدقّ بابنا !).

يعرف القارئ العربي مقالة كوبرين عن تشيخوف، اذ انها جاءت بمثابة مقدمة في الجزء الثاني لمؤلفات تشيخوف المختارة باربعة اجزاء ، والتي اصدرتها دار النشر السوفيتية بترجمة د. ابو بكر يوسف، ولازلت لحد الان (اي على مدى اربعين سنة) اسمع من هنا وهناك كلمات الثناء والاعجاب بتلك المقدمة، التي اختارتها دار النشر  للكتاب المذكور، وترجمها بابداع ابو بكر يوسف، ولن نتوقف هنا عند تلك المقالة لكوبرين، اذ يمكن للقارئ العربي الاطلاع عليها هناك، وبالتالي، يمكن ان يكتشف بنفسه ملامحها الجمالية المدهشة، ولكننا نود ان نتحدث قليلا (والتزاما بعنوان مقالتنا) عن مقالة كوبرين حول تولستوي غير المترجمة الى العربية حسب معلوماتنا المتواضعة.

أصل تلك المقالة محاضرة ألقاها كوبرين عام 1908 في احتفالية لتولستوي، وتحدّث فيها، كيف انه رأى تولستوي مرّة على ظهر باخرة روسيّة كانت تبحر من يالطا الى سيفاستوبول،  والمحاضرة كانت بعنوان – كيف اني رأيت تولستوي على باخرة نيقولا المقدس. عنوان المقالة بحد ذاته يقول لنا، ان مقالة كوبرين غير اعتيادية بالمرة، اذ انها تتمحور حول حدث خاطف يضعه الكاتب تحت مجهره الابداعي ويرسمه بكلمات تدهش القارئ، ويذكر هناك وقائع جديدة وطريفة ومهمّة جدا للقارئ عن تولستوي بصيغة رشيقة، وقائع لا يتوقع هذا القارئ ان يجدها في تلك المقالة وهكذا تبدأ مقالة كوبرين عن تولستوي، اذ يقول في السطر الاول رأسا (... انه كان سعيدا  قبل فترة قصيرة لانه تكلم مع الشخص، الذي شاهد في طفولته بوشكين، ولم يبق في ذاكرته اي شئ عنه، سوى انه كان اشقرا، وقصير القامة، وغير جميل.. و كان ممتعضا جدا من الاهتمام الذي كان يوليه له المجتمع...)، وفي سياق مقالته تلك، يورد كوبرين نقطة اخرى غير متوقعة للقارئ ايضا، وهي طرفة رواها تولستوي نفسه مرّة، وتحدّث فيها، كيف زاره وفد من مدينة روسية، وكانت هناك سيّدة في هذا الوفد، والتي قالت لتولستوي، انها تريد ان تشكره على تلك النتاجات الادبية الرائعة، التي أغنى بها الادب الروسي والعالمي، فسألها تولستوي، اي تلك النتاجات بالذات، فلم تستطع هذه السيدة الاجابة، وحاول اعضاء الوفد ان (يسعفوها !) وقالوا لها همسا – اذكري الحرب والسلم، فقالت لتولستوي – روايتكم السلم الحربي مثلا.

تقع مقالة كوبرين عن تولستوي في اربع صفحات من القطع المتوسط ليس الا، ولكنها تعدّ كلمة مبتكرة واصيلة عن (كاتب الارض الروسية)، كلمة جديدة يمكن ان تضيف لنا معلومات صغيرة ولكن مهمة عن حياة تولستوي وابداعه، وكم أتمنى ان أرى يوما كتابا عربيا يضمّ مقالات كوبرين الرشيقة والعميقة عن الادب الروسي وأعلامه.

***

أ. د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم