أقلام ثقافية

استغلال صورة الجسد الأنثوي غلافا لجذب القارئ ومخادعته

تلجأ بعض دور النشر، وبالتواطؤ مع بعض أصحاب العناوين الأدبيّة؛ الشعريّة أو السرديّة إلى استغلال غلاف وعنوانه بشكل فيه الكثير من التحدّي والاستفزاز والمناكفة للقيّم الفكريّة والأخلاقيّة. ولعل الغرض هو الادّعاء بالجرأة والتميّز في اقتحام مواطن الطابوهات الدينيّة وو تحطيم الأعراف الأخلاقيّة والاجتماعيّة الباليّة. وهو ادّعاء باطل من أساسه.

إنّ صورة الغلاف التي يختاره صاحب العمل الأدبي، بالاتّفاق مع دار النشر، التي تجتهد في رسمها وطبعها على الغلاف لها بشكل مميّز ومحترف، هدفها إعطاء المطبوع وجها حسنا وجذابا، وإحداث رجّة نفسيّة لدى القاريء، وتحقيق تواصل شعوري ولا شعوري لدى المتلقي. وهو جزء من الاحترافيّة والعبقريّة الفنيّة. فالصورة، على غلاف الرواية أو الديوان أو المجموعة القصصيّة، لها نكهة خاصة عند القاريء، بشرط أن لا تكون هدفها الإثارة السلبيّة الخادعة أو مخاطبة الجانب الغرائزي، الحيواني وتحريكه وإثارته على حساب الفكر النقيّ والشعور العفيف.

لم تعد صورة الغلاف عنصرا جماليّا فقط، بل أضحت لا تقل مكانة وشأنا عن العنوان. إذ يمكن اعتبارها عتبة للنص الأدبي، من خلالها يستشف المتلقّي كنه المضمون، فقد تحدث جذبا لدى قاريء، أو تحدث نفورا لدى قاريء آخر.

والملفت للنظر، في هذا العصر الحداثي وما بعده والعصر العولمي، أنّ الصورة الجنسيّة الفاضحة أخذت حيّزا واسعا ومعتبرا في مجال السينما التجاريّة الإغرائيّة غير الملتزمة، بسبب شيوع حريّة التعبير ومن أجل الكسب المادي الوفير والسريع. لكن المدهش - فعلا - من غير المقبول أن تنتقل الصورة الفاضحة إلى مجال الغلاف الأدبي، وكأنّ الكاتب والدار معا، بصدد الترويج لمطبوع جنسي مثل مطبوعات " البورنو ". والغرض – طبعا – من وراء هذا السلوك المشين والمخدش للحياء والأخلاق الكريمة، وإيقاع بعض النفوس الضعيفة في فخّ المخالفة، ومخادعة الرأي العام بدعوى التميّز والتجديد والشجاعة الأدبيّة وتحطيم الطابوهات التي تعيق حريّة التعبير والإبداع، واقتحام ما لم يُقتحم من قبل، وتحريك ثوابت المجتمع التقليدي الراكد.

ولم يكتف بعض الكتاب – بالتواطؤ مع بعض دور النشر -  بوضع صورة فاضحة على أغلفة أعمالهم الشعريّة أو السرديّة، بل سوّلت لهم أنفسهم بوضع عناوين غريبة الشكل والمحتوى وشاذة أخلاقيّا وفكريّا واجتماعيّا. كأنّ يضع الكاتب بلال فضل صورة لساقي أنثى مصبوغة الأظافر تحت عنوان روايته (أم ميمي). وهي رواية قيل أنّها من الروايات المرشّحة لجائزة البوكر، (وما أدراك ما جائزة البوكر هذه).

ومثلها أيضا عنوان رواية (أحببتها عاريّة) لرشدي عومار  يقول عنها صاحبها أنّها تحت الطبع، وهو عنوان، أراد الكاتب من ورائه إثارة القارئ، ودغدغة الأحاسيس الجنسيّة. وكأنّ الكاتب – باسم حريّة التعبير - استغلّ مبدأ (خالف تُعرف). دون مراعاة ردّ فعل المتلقي. فالجرأة والشجاعة الأدبيّة لا يعنيان التطاول على قيّم المجتمع، وتجاوز ذوق القاريء وإهماله أو وضعه بين كماشة الأمر الواقع.  ووضع أحد الكتاب عنوانا لنصّه السردي (متابعة الفيلسوف العربي كحل الراس”،). وكأنّه لا يعلم أصل هذا المثل الشعبي، الذي يسيء إلى الشخصيّة العربيّة الإسلاميّة، وإلى الرسول العربي محمد (ص).

يقول ابن تريعة في معرض تقديمة لكتاب " نسيم البادية، شعر وأمثال " للشاعر أحمد تتبيرت :

" الشعر الشعبي والأمثال من الأهمية بمكان، وقد عمل علماء الاجتماع والنفس على دراسة الآداب الشعبية، خصوصا إبان الاحتلال الفرنسي لدراسة المجتمع الجزائري دراسة عميقة ومعرفته من خلال أفكاره وتطلعاته وأحلامه، ولم يتأت لهم هذا إلا في الشعر والقصة والمثل، ومن خلال هذا التراث، استطاع الاحتلال التغلغل إلى العمق المجتمعي، وعمل على احتلال الأفكار وتغريبها -وفي ذات الوقت- تشويه القيم والرموز وتحطيم عزيمة وإرادة المجتمع من خلال التشويه والتزوير، وهذا ما نلاحظه في كثير من الأمثال التي تم غرسها وسط الفئات الشعبية حتى أصبحت متداولة وكأنها سلوك حقيقي في مجتمعنا وهي في حقيقتها من صناعة الاستعمار من أجل التفرقة والاحتقار ورمي مجتمعنا بالكسل والغباء، فكثيرا ما يتداول المثل القائل ''العربي كحل الراس'' وهذا المثل لا ينتبه مستعمله إلى فحواه ولايدرك معناه وبعده، فالعربي في المجتمعات المغاربية وبالأخص المجتمع الجزائري معناه ''المسلم'' وفي بعده الأسمى والأرقى هو اسم للرسول لأنه النبي العربي، وإخواننا في بلاد القبائل يسمون أبناءهم بهذا الاسم ويقصدون به اسم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فنجد اسم العربي يتداول عندهم بكثرة ''سي العربي'' أي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

أما كحل الرأس فلا يقصد المثل به سواد الشعر وإنما يقصدبه غير ذلك، لأن المثل لم يأت للتمليح، بل جيئ به للذم والتقبيح، ولأن المستشرقين درسوا أمثالنا وأساليبنا في الخطاب وضرب الأمثال، استطاعوا أن يزرعوا هذا المثل بيننا فقالوا: ''العربي كحل الرأس'' أي الثعبان الذي في رأسه السم، والسم أسود، والثعبان يسمى بالأسود لأن في رأسه السم."*

و بالعودة إلى موضوعي الغلاف والعنوان لبعض الأعمال الأدبيّة، التي يسعى أصحابها إلى بلوغ مرتبة التميّز والتفرّد والشيوع والإقبال، فإنّ المصنّفات الأدبيّة ؛ القصصية والروائية والشعريّة الناجحة، لا تعتمد في محتوى أغلفتها وعناوينها على الإثارة ودغدغة العواطف الظرفيّة والارتجاليّة، بل تحتاج إلى دراسة مدى آثارها النفسيّة على المتلقّي، وتقييم عناصرها الإيجابيّة والسلبيّة. فقد يقع الكاتب في تناقضات صارخة - سهوا أو عمدا -  بين صورة الغلاف والعنوان وبين المحتوى، تجعل القاريء يشعر بالخدعة والخيبة والتململ. وقد يتسبّب الغلاف، وكذا العنوان في جذب القارئ إلى المحتوى المأمول، ولكنّه يصاب بالصدمة والخيبة حين يطّلع عليه. وقد يكون، الغلاف والعنوان سببان في نفور بعض القراء، وعزوفهم عن اقتناء المصنّف الأدبي ومطالعته.

***

بقلم: الناقد والروائي علي فضيل العربي – الجزائر

.......................

هامش:

* جريدة المساء العدد بتاريخ 25 / 07 / 2011 م.

في المثقف اليوم