أقلام ثقافية

الخوف من السعادة.. هل هو غريزة وما هي أسبابها؟

يعيش المرء لحظات الحزن بكل إتقان بل وبمبالغة مفرطة أحيانا... فيما يعيش لحظات السعادة برقابة داخلية تمنع المبالغة والإفراط فيها.

نتساءل لماذا يعيش الإنسان هذا التناقض؟

لماذا ننسى تفاصيل الذكريات السعيدة في حين نستعيد الذكريات الحزينة بكل حذافيرها مهما مر من وقت؟

يتعلق هذا الأمر بشكل أساسي ببدء تشكل مرحلة الوعي عند الإنسان أو ما أسميه الإدراك الذاتي لكيان الشخص بالارتباط مع كل الكيانات والكائنات حوله.

هذا الإدراك الذي يبدأ باليقين الكلي بحقيقة واحدة كليّة مطلقة، حقيقة تؤلم الروح، وتقهر النفس والجسد، ألا وهي حقيقة الموت.

وباختصار:

- الموت حقيقة مؤلمة

- إدراك الإنسان اليقيني لهذه الحقيقة المطلقة أكثر ألما.

- فالإنسان مذ وجد على هذه الأرض ورغم تطور معارفه بشكل مستمر ومتصاعد لم يستطع قهر هذه الحقيقة.

- الإنسان مذ وجد على سطح الأرض كان هاجسه الأعظم هو مفهوم الخلود (أي: لا موت) وهذا واضح في أغلب الأساطير القديمة لكل شعوب الأرض.

- لذلك فإن السعادة التي يعيشها الإنسان ومهما طالت أيامها ولياليها، يعكر صفوها دوما هذه الحقيقة القاهرة (الموت).

لذلك هناك صراع داخلي دائما يسكن البشر مفاده سؤال وهاجس - وجودي يقول (ما فائدة كل لحظات السعادة ما دامت النهاية بمغادرة الحياة هو أمر يقيني؟)

- غالبا ما ينطبق على سعادتنا المثل القائل( الله يعطينا خير هذا الضحك).. هذا المثل الراسخ في كل الثقافات الإنسانية.

- فالموت المطلق يقود إلى حزن مطلق يرسخ في لاشعور الإنسان، ويحاول الإنسان مقاومته دوما بما يسمى بالتكوين العكسي، وهي الحيلة النفسية التي نلجأ لها للالتفاف على ألم هذه الحقيقة، وإراحة النفس بشكل مؤقت من خلال محاولاتنا أن نعيش لحظات السعادة بكل وجداننا لكن سرعان ما تنهار مقاومتنا لهذه الحيلة ونعود لنرزح تحت هيمنة الاكتئاب والحزن، فلا نعيش تلك اللحظات إلا بشكل جزئي، وكمن ينتظر أمرا غامضا مقلقا لا يعرف ماهيته.

في النهاية لو سألنا سؤالا جدليا افتراضيا: ماذا لو اكتشف البشر عقارا للخلود؟

ألن يساهم ذلك في الاستمتاع بلحظات السعادة بشكل أفضل؟

ألن يساعدنا ذلك على تحمل كل لحظات الحزن والألم على اعتبار أنه ما دام هناك خلود فإنها ستنتهي وسيأتي الفرح؟

***

د.عبد المجيد أحمد المحمود- سورية

في المثقف اليوم