أقلام ثقافية

الذكاء العاطفي سر السعادة والبهجة

لا يمكن للإنسان أن ينجح في حياته إذا سعى فقط وراء الشهادات والإنجازات المادية وهو يفتقد في نفس الوقت أهم مهارات الحياة التي تجعله متوافقا مع نفسه ومحيطه ومنسجما مع ذاته ومع الآخرين وهذه المهارة هي "الذكاء العاطفي".

ويعرف الذكاء العاطفي: بأنه قدرة الإنسان على التعامل الإيجابي مع نفسه والآخرين. وكما يقول ستيفن هيين بأن الذكاء العاطفي هو قدرة الإنسان على التعامل مع عواطفه، بحيث يحقق أكبر قدر ممكن من السعادة لنفسه ولمن حوله.

يحكي لنا الطبيب الجراح والمفكر الإسلامي السوري خالص جلبي هذه القصة فيقول: "يذكر (دانيل جولمان Daniel Goleman) في كتابه (الذكاء العاطفي Emotional Intelligence) أن (تيري روبنسون) كان يركب قطار احدى ضواحي طوكيو، عندما صعد إلى القطار رجل ضخم الجثة مخمورا يترنّح قذر الملابس، هجم على الناس بالبذيء من القول واللّكمات ثم أمسك العمود المعدني وبدأ يزأر، يقول (تيري)، الذي كان قد جاء خصيصاً لليابان في الخمسينات لاتقان المصارعة اليابانية من نوع (الايكيدو Aikido): إن مدربه كان يكرر على سمعه: (إن المصارعة اليابانية هي فن المصالحة، فمن يفكر في القتال ينفصل عن الكون، لأنك لو حاولت السيطرة على غيرك فقد هزمت بالفعل. نحن نتعلم رياضة الايكيدو لكي نعرف كيف ننهي الصراعات لا كيف نبدأها).. ولذا فقد استعد للدفاع عن نفسه فيما لو هاجمه السكير. وكان تيري قد خرج لتوه من تدريب طويل وبإمكانه صرع السكير بضربة واحدة وحينما التفت المخمور إليه صاح: أجنبي قذر. واقتربت ساعة الفصل بينهما، وأنذر الجو بحفلة مصارعة لكن في هذه اللحظة بالذات، جاء صوت عال من ركن المقطورة، ولكن في غاية المرح (هيه.. أنت)، التفت السكير فإذا برجل يبلغ السبعين يلبس الكيمونو يشير إليه بالاقتراب منه، سخر السكير منه وقال متهكماً: عليك اللعنة، ولماذا أتحدث معك؟، قال الرجل العجوز: ماذا كنت تشرب؟، أجاب: كنت أشرب الساكي، ولكن ما شأنك أنت؟، قال: إنه شيء عظيم، هل تعلم أنني أشرب الساكي كل ليلة مع زوجتي وتحت شجرة البريسمون. انفرجت أسارير السكير وانبسطت قبضة يده، وقال دون تفكير: أنا أحب شجرة البريسمون أيضاً رد الرجل العجوز: لا شك أن عندك زوجة رائعة، انفجر السكير باكياً وهو يقول: لقد فقدت زوجتي..

وانطلق يحكي قصة فقد زوجته ووظيفته وبيته، وأنه خجل من نفسه وعندما غادر تيري القطار كان السكير مستلقياً في حضن العجوز مثل القط الأليف وهو يتابع له الحكاية١"..

إن امتلاك هذا الرجل الذكاء العاطفي جعله يعرف كيف يدخل إلى قلب هذا السكير فيحرك فيه الأشجان ويدفعه إلى أن يفرغ ما في قلبه من أحزان وأوجاع فهذا المفتاح "الذكاء العاطفي" نفتح فيه خزائن القلوب القاسية ونجعلها قلوبا تفيض بالحب والرحمة..

* فكيف تنمي ذكاءك العاطفي لتسعد وتسعد من حولك؟

عليك أن تركز على هذه صفات الأربع  للذكاء العاطفي التي ذكرها خبراء التنمية وعلماء النفس و هي:

"الإدارة الذاتية: والتي تُمكنك من التحكم في مشاعرك، والسيطرة على سلوكياتك الاندفاعية، وإدارة عواطفك بطريقة صحيّة، واتخاذ المُبادرات في الوقت المُناسب، ومُتابعة الالتزامات، والتكيّف مع الظروف المُتغيرة.

الوعي الذاتي: بحيث تعرف مشاعرك الخاصة، وتعرف كيف تؤثر في أفكارك وسلوكك تدرك به نقاط قوتك وضعفك، وهو ما يعزز الثقة بالنفس.

الوعي الاجتماعي: يمد الذكاء العاطفي صاحبه بالقدرة على فهم عواطف الآخرين واحتياجاتهم ومخاوفهم. كذلك يُمكّنه من التقاط الإشارات العاطفية الصادرة إليه منهم. يُساعد أيضاً على الشعور بالارتياح الاجتماعي، ويحمي من سوء الفهم الذي يُفسد العلاقات.

وعلى نطاق أوسع، يساعد على فهم ديناميكيات السلطة في مجتمع أو مجموعة أو مُنظمة أو مقر عمل.

القدرة على إدارة العلاقات: إذا حظيت بقدر مُناسب من الذكاء العاطفي، فأنت في هذه الحالة تعرف كيف تُطور علاقات جيدة وتُحافظ عليها، وتُلهم الآخرين وتؤثر فيهم"٢.

عزيزي القارئ مهما كنت أبا، أستاذا..مربيا،سياسيا، أو كنت أما، موظفة..فامتلاك وتعلم هذه المهارة طريق النجاح والفلاح والعلاقات الاجتماعية القوية فليس نجاحك بما تملكه من شهادات و أموال بل بإدارة عواطفك باقتدار مع الآخرين و أن تكون واعيا بمجتمعك ومحيطك و فنانا في إدارة ذاتك تعرف كيف كيف تملك نفسك عند الغضب وكيف تعبر عن مشاعرك تجاه أسرتك و أحبتك فلا تعيش مكبوتا، عدوانيا، منعزلا، ممتلئا بمشاعر الحقد والكراهية.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية شدري:

معمر علي

.........................

هوامش:

١- مقال لخالص جلبي.

٢- نقلا عن موقع العربي بوست..

 

في المثقف اليوم