أقلام ثقافية

ظاهرة الكتاب الجماعي في الأدب.. هل هو بدعة أم ضرورة؟

انتشرت في هذه الأيام، في مواقع التواصل الاجتماعي، إعلانات ومناشير، تدعو الكتاب والمدوّنين إلى المشاركة في تأليف كتاب أدبي جماعي وترغّبهم في ذلك أشدّ الترغيب. وهي – لعمري – ظاهرة لم يعرفها الأدب العربي، قديما وحديثا، اللهم إلا بعض الأعمال الأدبيّة النقدية في مطلع القرن العشرين، مثل الكتاب الأدبي النقدي " الديوان في الأدب والنقد " لمؤلفيه” الأديب والمفكّر اللامع عباس محمود العقاد والأديب الناقد والساخر إبراهيم عبد القادر المازنى.

انتشرت هذه الظاهرة في الجزائر، بعد ظهور دور النشر الخاصة، لدى الكتاب والمدوّنين الشباب. فأضحت، كأنّها (موضة العصر) في مجال التأليف، ولا أقول الكتابة الأدبيّة، لأنّ معظم هذه الكتب الجماعيّة، التي يربو المشتركون في تأليفها،على العشرة أو العشرين. لا يجمعهم موضوع واحد، ولا تيار واحد، ولا هدف واحد.

و حبّذا لو كان ما سمّي بـ (الكتاب الجامع)، يضم بين دفتيه مقالات أو خواطر يجمعها خيط واحد، وتصبّ في هدف معيّن. كأن يتناول المشاركون فيه موضوعا معيّنا، لا يتجاوزونه. مثل” ملف حول هموم شاعر أو روائيّ، أو مقالات حول ظاهرة اجتماعيّة متفشيّة أو ظاهرة في الحقل الثقافي. فلو كان الأمر بهذه الصيغة، لكان مستساغا لدى القاريء.

و من أسباب شيوع هذه الظاهرة لدى دور النشر الخاصة، هو سعيها إلى جمع أكبر عدد ممكن من المخطوطات لطبعها، والاستفادة من عائداتها المالية وريعها.

حيث تقوم تلك الدور الناشرة، بإلزام كل كاتب أو مدوّن مشارك في متن الكتاب الجماعي، بمبلغ معيّن من المال نظير تكاليف الطباعة. وبالمقابل تغريهم بمجانيّة التنسيق الداخلي وتصميم الغلاف بشكل احترافي والتدقيق اللغوي والإشهار والرقم الدولي والإدراج في موقع مشهور (أمازون كيندل أو موقع نيل وفرات كوم).

و هكذا تطلّ علينا بين الفينة والأخرى كتيبات أو شبه كتب مطبوعة، بأغلفة موسومة، بعناوين معيّنة، وتحتها أو فوقها، كُتب " كتاب جامع ". وعندما يحدونا الفضول – كقراء – إلى تصفّح محتواها الفكري والفنّي ومستوى لغتها وأساليبها، تصيبنا الصدمة، وبئس الصدمة.

كتابات لمدّونين، يجهلون فنيّات التدوين، و(لكُتّاب)، وما هم بكتّاب، انتحلوا لقب (كتّاب)، وهم لا يملكون ملكة الكتابة، ولا يفقهون في قواعد الكتابة. ارتكبوا في (كتاباتهم) تلك مجازر نحوية وإملائيّة وبلاغيّة في حق لغة الضاد. وكأنّ (نصوصهم) تلك لم تمر على المدقّق اللغوي المزعوم.

والحقيقة أنّ الكاتب الرشيد والأديب الأريب، لا يحتاج إلى من يدقّق له نصه، سواء أكان رواية أو مسرحيّة أو قصة قصيرة أو مقالة أدبية أو نقديّة. وإنّما يلجأ – أحيانا – إلى صديق يقوم بمراجعة مضمون متنه الأدبي، وإبداء رأي نقدي موضوعيّ حول أفكاره ومعانيه وأسلوبه. وهو أسلوب متّبع بين الأدباء والنقاد، ومعمول به منذ القديم.

و أرجو من القاريء العزيز، أن يطيق معي صبرا، لأستطرد قليلا، وأحدّثه عن قصة كتاب، وهو مجموعة من الخواطر لأديب، صديق - أحسبه في عداد الكتاب الشباب الناشئين - فقد أرسل لي نسخة من مؤلّفه، وطلب – فضلا لا أمرا – مراجعته وإعادة تدقيقه. وكانت المفاجأة، عندما أحصيت، أكثر، من ألف خطأ، موزّع بين ما هو إملائيّ ونحويّ وبلاغيّ. وعاتبت صديقي، على عدم تدقيقه قبل طباعته، فقال لي” لقد أخبر مسؤول دار النشر بأنّها قامت بعمليّة التدقيق، وأوكلت ذلك إلى أستاذين جامعيين. هنا أدركت أن التدقيق اللغوي عند بعض دور النشر سمكة (كذبة) أبريليّة.

و أعود إلى موضوع الكتاب الجامع، لأختتم حديثي، وأقول” إنّ ما يسمّى بالكتاب الجامع، بدعة ابتدعتها بعض دور النشر للكسب المادي، دون مراعاة الجانب الفنّي والفلسفي، وهو أسلوب لا يخدم المنظومة الأدبية والثقافيّة، ولا يشجع الأدباء الشباب على الارتقاء بالإبداع الأصيل.

***

الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

في المثقف اليوم