أقلام ثقافية

شئ عن (القصائد الشرقية) لبوشكين

اكتب هذه السطور لأني اتابع  الترجمات العربية لقصائد بوشكين، واحلم ان أرى يوما بالعربية (الديوان الكامل او مختارات شبه متكاملة في الاقل) لقصائد هذا الشاعر، والذي حاز على تسمية فريدة بين شعراء العالم كافة، وهي (شمس الشعر الروسي)، وبوشكين جدير بهذه التسمية بلا شك، واود ان اتحدث قليلا في هذه السطور عن الترجمات العربية لقصائد هذا الشاعر الروسي الكبير .

شعر بوشكين أكبر من ان يكون له اسم مترجم عربي واحد بارز، كما نقول – مثلا – ان سامي الدروبي مترجم دستويفسكي، او ان ابو بكر يوسف مترجم تشيخوف (رغم العديد من المترجمين العرب الآخرين الذين ترجموا تشيخوف قبله و بعده)، او ان فؤاد مرعي (خصوصا في الفترة الاخيرة) الذي يحاول – وبنجاح - ان يكون المترجم العربي الاول للاعمال القصصية والروائية لبوشكين، ولهذا، فعندما نتكلم عن ترجمات قصائد بوشكين الى العربية يجب (ونؤكد على كلمة يجب) ان نتذكر اسماء كوكبة رائعة من المترجمين المبدعين العرب، مثل - حياة شرارة وحسب الشيخ جعفر وجميل نصيف التكريتي وبرهان  شاوي وابراهيم استنبولي وايمن ابو الشعر و ثائر زين الدين  ونزار محمود كنعان و طارق مردود و مكارم الغمري و رفعت سلام  و..و..و... ومن المؤكد، ان هناك اسماء عربية اخرى من هؤلاء المترجمين المبدعين، اذ ان هذه (المهمّة !) تحتاج حتما الى جهود لجان عربية واسعة متخصصة في الادب الروسي وحركة ترجماته الى العربية  منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر، و طوال القرن العشرين، و القرن الحادي والعشرين  ايضا (رغم اننا في عقده الثالث ليس الا).... ولكن مع ذلك، اود ان اكتب بعض انطباعاتي (الذاتيّة !) عن بعض ترجمات بوشكين الشعرية من قبل بعض هؤلاء المترجمين، واريد ان اتوقف حصرا عند كتاب (القصائد الشرقية) بترجمة طارق مردود.

واسرع بالقول – قبل كل شئ - انه لا يوجد عند بوشكين كتاب بعنوان (القصائد الشرقية)، ولكن المترجم طارق مردود  هو الذي حدد لنا هذا العنوان، لانه جمع فيه قصائد بوشكين عن الشعوب الشرقية في الامبراطورية الروسية، التي كانت (ولازالت) متعددة القوميات و الاعراق والاجناس والاديان (وحسب آخر احصائية رسمية، فقد بلغ عدد القوميات الان في روسيا الاتحادية 194 قومية) . وهذا يعني، ان تسمية (القصائد الشرقية) هي اجتهاد المترجم العربي . اجتهاد المترجم طارق مردود افضل كثيرا من التسميات العديدة الموجودة في الكثير من الدراسات والبحوث العربية حول بوشكين، والتي تتحدث عن التأثيرات والمؤثرات (الدينية !) عند الشاعر الروسي، وخصوصا في السنين الاخيرة، حيث ازداد بشكل واضح (طوفان تلك التيارات !!!) في كل شعاب عالمنا العربي ودهاليزه،  واذكر مرة، ان احد الباحثين (وكان مندوب الجامعة الاسلامية في احدى الجمهوريات ضمن روسيا الاتحادية) قال في احدى المؤتمرات الادبية، ان بوشكين (اكثر الادباء الروس اسلاميّة)، ولم يتقبل المؤتمرون هذا (الاستنتاج !) وابتسموا  ليس الا، ولا مجال في اطار مقالتنا للتوسع اكثر حول هذه النقطة (الملتهبة !) في عالمنا اليوم . المترجم طارق مردود حسم هذه (المشكلة العربية !) بشكل ذكي جدا، وأطلق على تلك القصائد تسمية (القصائد الشرقية)، وترجم لنا قصائد بوشكين المرتبطة (حسب مفاهيمنا نحن العرب) بالشرق، اذ ان الروس لا ينظرون – بتاتا - الى تلك القصائد على انها مرتبطة بالشرق العربي او الاسلامي، فهي بالنسبة لهم انعكاس لثقافة شعوب تقطن بشكل دائمي على الارض الروسية  وتتعايش معا في كل شئ، وخصوصا في المجال الثقافي، ولهذا، فان بوشكين باعتباره (شمس الشعر الروسي) تناول في ابداعه ثقافات كل تلك القوميات، وقد أشار بوشكين نفسه الى هذه الظاهرة في قصيدته (التمثال)، حيث قال، ان تلك القوميات ستبقى تتذكره، وحتى قصيدة  بوشكين الشهيرة (النبي) يعتبرها الروس (... من وحي الاديان كافة...)، ولا يذكرون ابدا انها ترتبط بالدين الاسلامي فقط . ان هؤلاء الباحثين العرب، الذين يطرحون موضوع (قصائد بوشكين ذات الطابع الديني !) يتناسون، ان روسيا كانت ولازالت بلد اوربي وآسيوي معا، والتي تسمى (اورآسيا) حسب المصطلح المعروف، وبالتالي، فان ثقافة روسيا هي مزيج حيوي ومتجانس من ثقافات تلك القارتين معا .

يقع كتاب (القصائد الشرقية) في 266 صفحة، وهو مترجم عن الروسية، مع مقدمة تفصيلية عن ادب بوشكين وحياته، ويضم العديد من قصائد بوشكين الشهيرة، وتأتي في المقدمة طبعا قصيدة (محاكاة القران)، والتي جاءت هناك بعنوانها (المحوّر عربيا !) – قبسات من القران، وقصائد اخرى مثل النبي، وسعدي، و كليوباترا ...الخ، ويضم الكتاب ايضا مجموعة من القصص الشعرية لبوشكين مثل أسير القوقاز، ونافورة بقجة سراي، والغجر .

***

أ.د. ضياء نافع

في المثقف اليوم