أقلام ثقافية

"أبناء وقتلةُ" والانحرافِ عنْ المسارِ في المجتمعِ المصريِ!!

عندما يصبحُ الفنُ رسالةً وتصبح الروايةُ واقعا، وتتجسدَ معَ واقعٍ دونَ روتوجْ ودونِ الزجِ في أيدولوجيةِ العملِ لفكرِ الكاتبِ أوْ الإخراجِ يخرجُ العملُ كاملاً منْ جميعِ الأركانِ. ويبقى في ذاكرةِ السينما المصريةِ منْ الأعمالِ الخالدةِ. وخاضتا معَ نقلِ واقعٍ تاريخيٍ. لتغييراتِ داخلِ المجتمعِ. شخصيةُ شابٍ استغلَ كلُ الظروفِ التي حدثتْ وضابطٌ وامرأةٌ وشقيقانِ. الكلَ لعبَ أدوار معَ التغييراتِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ في حقبةٍ تاريخيةٍ منْ تاريخِ مصرَ ! !

أمسِ الثلاثاءَ الموافقَ / 15 / 11 / 2022 وأثناءُ زيارةٍ لصديقي جاءَ جلوسيٌ أمامَ الشاشةِ الصغيرةِ وكانتْ قناةُ روتانا كلاسيكْ كانَ يعرضُ على شاشتها فيلمَ " أبناءِ وقتلةِ " رغمُ مشاهدتي للفيلمِ أكثرَ من مرةٍ وكأنني اشاهدةِ للمرةِ الأولى وفي اعتقادي أنَ القناةَ كانتْ تعرضَ الفيلمِ بمناسبةِ ذكرى رحيلِ الفنانِ وبطلِ الفيلمِ " محمودْ عبدِ العزيزْ " نجحَ المخرجُ عاطفْ الطيبْ في سردِ أحداثٍ تاريخيةٍ لمصر. القصةُ للكاتبِ " إسماعيلْ ولي الدينْ " تدورُ الأحداثُ. معَ بدايةِ التغييراتِ التي أعقبتْ ثورةَ 1952 م وهجرةِ الأجانبِ المقيمينَ في مصرَ إلى أوطانهمْ الأصليةِ عندما يشتري (شيخونْ) (محمودْ عبدِ العزيزْ) بارُ منْ خواجةٍ هاجرَ معَ فترةِ التأمينِ وكانَ يعملُ بهِ سابقا،. يتزوجَ شيخونْ منْ نبيلة عبيدْ، ولكنهُ يسرقُ ذهبها بعدَ زواجهما بليلةٍ واحدةٍ، وتنجبَ لهُ ولدينِ (أحمدْ سلامة شخصيةِ زهيرْ؛ وشريفْ منيرْ)، ويسجنَ شيخونْ بسببِ تسترهِ على زوجِ أختهِ وكانَ وراءَ الإبلاغِ عنهُ زوجتهُ (نبيلة عبيدْ)، وتتزوجَ في فترةِ سجنِ " شيخونْ " بالضابطِ " مجدي وهبةُ " الذي كانَ سببا في سجنِ " شيخونْ " مما يثيرُ حقدهُ عليها خاصةَ وأنها بهذا تكونُ فضلتْ عليهِ رجلاً آخرَ وهيَ خيانةٌ لا تغتفرُ في شرعِ الرجالِ الشرقيينَ، إظهارُ شخصيةِ السلطةِ في يدِ ضابطِ الشرطةِ وحبِ التملكِ حتى ولوْ كانَ خرابُ منزلِ وتشريدهِ واستغلالِ حبسةِ وطلاقِ زوجةٍ منْ زوجها، وعندما يخرجُ منْ السجنِ. يذهبَ لها ليجدها تريد تركا لهُ أموالاً وأنها قدْ عملتْ كراقصةٍ ويبدأُ في طريقةِ الانتقامِ. ليتفق معَ أحدِ القتلةِ المأجورينَ على قتلها في واحدٍ منْ أكثرِ مشاهدِ الفيلمِ قسوةً. بتعطيلِ سيارتها الخاصةِ بعدَ الانتهاءِ منْ عملها في الملهى (كباريهُ) ويعرضُ عليها المساعدة بركوب معه  بسيارتهِ الخاصةِ حيثُ يستدرجها القاتلُ إلى طريقٍ صحراويٍ ويتعللُ بأنَ السيارةَ تعطلتْ ويطلبُ منها أنْ تنزلَ منْ السيارةِ ويقتلها بالسكينِ ويسرقُ مصوغاتها الذهبيةَ. ولمْ يعلمْ أنَ شيخونْ يدبرُ لهُ إخفاءُ السرِ وراءَ المحرضِ على الجريمةِ ويتخلصُ منةُ وحينَ يعودُ بعدَ الانتهاءِ منْ جريمتهِ يجدُ السيارةَ ليجدها قادمةً إليهِ بسرعةِ ويكونُ شيخونْ هوَ قائدها فيدهسهُ حتى يختفيَ السرُ معهُ ثمَ يأخذُ شيخونْ الأولادَ ويعيشُ وتربيهمْ أختهُ ويتاجرُ في السلاحِ. ليأخذكَ المخرجُ (عاطفْ الطيبْ) بذكاءٍ معَ فترةٍ تاريخيةٍ منْ أصعب فتراتٍ واقعا مرَ منْ تاريخِ مصرَ (النكسةُ / 1967) وظهور شخصيةِ ِ شيخونْ في استغلالِ الهزيمةِ في تجارةِ السلاحِ المفقودِ والمسروقِ أثناءُ هزيمةٍ (5 يونيو "حزيرانَ) فيجمع ثروةً هائلةً. ثمَ ينتقلُ المخرجُ بسرعةِ معَ أحداثِ حربِ أكتوبرَ " تشرينَ " عامَ 1973) وظهورُ طبقةٍ منْ " القططِ السمانْ " في عصرِ الانبطاحِ الاقتصاديِ ويصبحُ أكبرَ تاجرِ سلاحا في مصرَ وموردِ سلاحٍ لوزارةِ الداخليةِ. وينتقلَ إلى ساكني القصورِ وفي لمحةِ ذكاءٍ سريعةٍ منْ المخرجِ يثني على الرئيسْ الساداتْ وهجومٍ على عصرِ عبدِ الناصرْ (أنا قولتْ الراجلَ حاجةً ثانيةً) يقصدُ الساداتْ. وتحدثَ أحداثٌ (18 / 19) منْ ينايرَ عامَ 1977 " الذي أطلقَ عليها الساداتْ " انتفاضةَ الحراميةِ " وصعودِ التيارِ الإسلاميِ منْ رحمِ هذهِ الأحداثِ في تصورِ التيارِ الإسلاميِ بصورةٍ جيدةٍ منْ خلالِ شخصيةِ زهيرْ (أحمدْ سلامة) ابنِ شيخونْ الشابِ المتدينِ المتفوقِ في دراستهِ، والحاصلَ على بكالوريسْ اقتصادٌ وعلومٌ سياسيةٌ والمعيدْ بالكليةِ الرافضِ لسياسةِ الاستغلالِ الاقتصاديِ. والذي اقتربَ منْ التياراتِ الإسلاميةِ النشطةِ داخلَ حرمِ الجامعاتِ المصريةِ التي أطلقَ الساداتْ لهمْ حريةٌ ضدَ تيارِ اليسارِ والناصريينَ في الجامعاتِ. ولمْ تدمْ طويلاً. حيثُ حذرَ أحدُ قادةِ الداخليةِ شيخونْ منْ نشاطِ ابنهِ داخلَ الجامعةِ وإطلاقِ لحيتهِ. والمختلفَ دائما معَ والدهِ في أفكارهِ حاولَ شيخونْ إخفاءِ الماضي عنْ أولادهِ التوأمَ عنْ شخصيةِ أمهمْ وحادثةِ القتلِ وعملها راقصةً والخيانةُ وزواجها منْ ضابطِ المباحثِ الذي كانَ سببا في سجنهِ ولكنَ الماضيَ كانَ يلاحقهُ في ظهورِ فجأةِ شقيقةَ زوجتهِ التي جاءتْ لزيارتهِ وهيَ تستنجدُ بهِ لمساعدتها في تربيةٍ بنتها الوحيدةُ بعد وفاةِ زوجها ويتعرفُ زهيرْ (أحمدْ سلامة) علي خالتهُ وبنتُ خالتهُ لأولِ مرةِ ورغمَ قسوةِ شيخونْ حاولتْ شقيقتهُ " أنْ تلينَ قلبَ شيخونْ في مساعدتها كلَ شهرٍ على أنْ تأتيَ لهُ كلِ شهرٍ في المحلِ السلاحِ لتأخذَ شهريةً منةً ولكنَ الماضيَ يكشفُ للشقيقِ الآخرِ شريفْ منيرْ " خالتهِ التي أخفيَ أبوةَ السرِ الابن الذي عملَ معَ أبيهِ في البزنسْ حملَ كلِ مراحلِ التغيرِ المخدراتِ والنهبَ والحرامَ ولمْ يرحمْ بنتَ خالتهِ وارتكبَ جريمةَ الزنةِ معها وحملتْ طفلَ حرامٍ ولمْ يرحمْ ضعفها. ويتزوجها بعدَ إصرارِ عمتهِ وأبوةِ الذي رفضَ في البدايةِ وفي مشهدٍ يبينُ شخصيةً الابناءِ زهيرْ يلقي محاضرةً عنْ الاقتصادِ الإسلاميِ ومشهدَ للأخِ شريفْ منيرْ وهوَ يشربُ الخمرَ ويرقصُ في ملاهي ليليٍ استطاعَ المخرجُ عاطفْ الطيبْ أنْ يظهرَ بيولوجياٌ الجنسِ والشهوةِ عندَ زوجةِ شريفْ منيرْ الذي كانَ لا يهتمُ بها عاطفيا وجسديا في مشهدٍ مثيرٍ عندما خرجتْ ليلاً إلى غرفةِ شقيقهِ زهيرْ وهيَ بملابسِ النومِ. وتقتربَ منهُ كانَ الردُ صادمْ لها في خطبةٍ رائعةٍ وحوارٍ دينيٍ وأخلاقيٍ. بأنْ تستغفرَ اللهَ وتذهبُ بالدعاءِ لزوجها أنْ يهديهُ اللهُ  وفي نهايةٍ.  مأساويةٍ للماضي الدفينِ. في طلبِ زهيرْ لخطبةِ زميلةِ بنتِ ضابطِ المباحثِ مجدي وهبةٌ ويوافقُ الأبُ على حضورِ عائلتهِ ؛ ويطلبُ زهيرْ منْ أبي العروسةَ بسببِ كبرِ سنِ والدهِ ووفاةِ والدتهِ. فيذهبُ والدُ العروسةِ وعائلتها لمقابلةِ شيخونْ والدِ زهيرْ وأثناءِ وصولهمْ كانَ شيخونْ وابنةُ شريفْ منيرْ يقوم بتجربةِ سلاحٍ جديدٍ فدخلَ عليهمْ شيخونْ وقدْ ظهرَ عليهِ الكبرُ وضعفٌ في البصرِ بالترحيبِ وكانتْ المفاجأةُ عرفهُ الضابطُ أبو العروسةِ. وفي حوارِ جمعِ ذاكرةِ الماضي والانتقامِ يتعرفُ كلُ منهمْ على الآخرِ وفي عتابٍ شديدٍ عنْ الماضي " القاتلِ والذي كانَ السببُ في خرابُ البيوتِ والسجنِ. ليطلق النارَ على الضابطِ لكنَ الرصاصةَ تدخل في قلبِ فلذةِ قلبهِ ابنةَ زهيرْ ليكونَ حصادَ عمرهِ منْ النهبِ والقتلِ والجشعِ واستغلالِ التغييراتِ السياسيةِ والاجتماعيةِ هذا العملِ الجيدِ أنتجَ عامُ 1987 وهوَ منْ الأعمالِ الخالدة للسينما المصريةِ. فقدُ جسدِ محمودْ عبدِ العزيزْ بجسدهِ وتعبيراتهِ الشخصيةِ بنجاحِ كبيرا ورغمُ ظهورِ شخصيةِ الفنانةِ " نبيلة عبيدْ " القصيرةِ في الفيلمِ. دورُ الزوجة  والراقصةِ منْ حبها الشخصيِ للرقصِ الشرقيِ في وصلاتِ رقصٍ نابعةٍ عنْ فنانةٍ تستطيعُ تجسيدَ الدورِ بحرفيةٍ عاليةٍ. وكانَ ظهورُ أحمدْ سلامة وشريف منيرْ ظهورَ شبانِ موهوبينَ وأتقنَ أدوارهمْ منْ حبهمْ للفنِ الراقي!!

***

محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ

كاتبٌ مصريٌ وباحثٌ في الجغرافيا السياسيةِ

في المثقف اليوم