أقلام ثقافية

كلمات في غربة اللغة العظيمة

استحقت اللغة العربية في بلادنا خاصة، منذ سنوات بعيدة تنوف على السبعة عقود، هي عمر النكبة، اهتمامًا خاصًا من أهلها والمتحدثين بها، لا سيّما من رجالاتها، معلّميها وواضعي المؤلفات التعليمية الداعمة لها، وقد ابتدأ هذا الاستحقاق مُضببًا غائمًا وراح يتضح ويتجلّى سنة بعد سنة، وعقدًا بعد عقد من الزمن، حتى بلغ ذراه السامقة العالية بسنّ السلطات الإسرائيلية الحاكمة قانون القومية الذي يجعل من هذه اللغة كائنًا انطبق عليه ما قاله شاعر العربية البارز أبو الطيب المتنبي وهو إن الفتى العربي فيها (البلاد) غريب الوجه واليد واللسان، مع استبدال بسيط للفتى باللغة!! زاد في غربة اللغة العربية مواجهتها لمخاطر اللغة العبرية، ممثلة بتعلّم كل المواضيع ابتداءً من المحاماة انتهاءً بالهندسة والطب بهذه اللغة، وهو ما جعل أصحاب الكفاءات العربية الثقافية في معظم الحالات والاحيان ترطن باللغة العبرية وكأنما لغتهم باتت مقصّرة في القول والتعبير، أما ظهور وسائل الاتصال الاجتماعي والاقبال الساحق الماحق عليها، فقد بات واحدًا من أكبر المخاطر على هذه اللغة شبه اليومية، نقول هذا لأن معظم أبناء الأجيال الطالعة شرعوا بخلط كتابتهم للغة العربية بالأرقام والحروف الإنجليزية!! وهذا خطر إضافي آخر، فادح وفتاك.. يحتاج إلى مناقشة ومعالجة.

في هذا الاطار يأتي الكِتاب الجديد لرجل التربية المهتم الصديق الدكتور محمد حبيب الله، اقصد به كتاب " لغتي هويتي- واقع اللغة العربية في إسرائيل، مجموعة مقالات حول خصائص اللغة العربية ومكانتها عربيًا وإسلاميًا وعالميًا"، يأتي ضمن محاولة دائبة ومُحبة للذود عن حياض هذه اللغة المهدّدة بأكثر من خطر، كما جاء/ هذا الكتاب، لإثارة أكثر من سؤال عن وضع لغتنا العربية الصعب القاسي.

من المواضيع التي يثيرها صاحب الكتاب أشير إلى التالية، وذلك ضمن محاولة اللفت إلى هذا الكتاب ومناقشة ما أثاره من قضايا حيوية، مُلحّة وحارقة تتعلق باللغة/ لغتنا العربية أولًا وبالوجود العربي في هذه البلاد ثانيًا. من هذه المواضيع، كما وردت في الباب الاول للكتاب وعنوانه" لغتي هويتي": واقع اللغة العربية في إسرائيل ومستقبلها، مشكلة الازدواجية في اللغة العربية، اللغة العربية إلى أين؟. في الباب الثاني وعنوانه " خصائص اللغة العربية"، نقرأ العديد من المواضيع الهامة منها: مشكلة الازدواجية في اللغة العربية، في الباب الثالث وحمل عنوان " مكانة اللغة العربية"، نقرأ عن: اليوم العالمي للغة العربية، الخط العربي على لائحة التراث العالمي ولغتنا والحياة، أما في الباب الرابع فإننا نقرأ تحت عنوان " لغتنا الجميلة"، العديد من المواضيع المحبّبة لدى عشاق العربية ومؤلف الكتاب واحدٌ منهم: من فرائد اللغة العربية وقالوا في الامثال، أنا المحبوبة السمرا والعودة إلى القديم، وبلاغة اللغة العربية، وكيف أصبحتُ عاشقا للغة العربية. ونقرأ في هذا الكتاب المثير رُغم ما وقع فيه من أخطاء مُعظمها طباعية على ما يبدو، نقرأ مُلحقًا ضمّ كتابات تدعم ما قاله المؤلف وما ذهب اليه من آراء واقتراحات مانعة ومساندة للغة العربية، في هذه الملاحق نقرأ عن اللغة العربية أولًا( لنتذكر أريحا أولا- حسب تعبير فلسطيني عريق)، للكاتب محمد علي طه، والحفاظ على اللغة العربية وصيانتها للدكتور يوسف جبارين، كما نقرأ تقريرًا صحفيًا هامًا عنوانه "سياسيون وأكاديميون يؤكدون أهمية اللغة العربية في إسرائيل".

واضح من هذه العناوين أن الكتاب يساهم في إثارة العديد من الأسئلة المتعلّقة باللغة العربية وغربتها القسرية في البلاد، وأعتقد أنه يحتاج إلى أكثر من وقفة ومناقشة، من أجل حماية لغتنا مما يتهدّدها من مخاطر ومكابدات، يزيد في أهمية التوقف مع هذا الكتاب، إضافة إلى كل ما تقدم، أن مؤلفه واحدٌ من رجال التربية البارزين في بلادنا، وأنه شغل في السابق العديد من المواقع والوظائف ذات الحساسية البالغة في مجال اللغة العربية تعليمها ومكانتها. كتاب جدير بالقراءة والمناقشة.

***

ناجي ظاهر

في المثقف اليوم