أقلام ثقافية

ذكرى زغلول

غادر الشاعر الزجلي العربي اللبناني زغلول الدامور عالمنا، يوم السبت السابع والعشرين من كانون الثاني من عام 2018.. تاركا وراءه اسمًا كبيرًا مدوّيًا. وتراثًا مِن القول الشعري الزجلي يستعصي على النسيان.

ولد جوزيف الهاشم وهذا هو اسمه الحقيقي، في إحدى قرى الريف اللبناني عام 1925 وعبّر عن موهبته في القول الشعري الزجلي قبل بلوغه العاشرة من عمره. الامر الذي لفت أنظار أقرانه الطلاب ومعلميه. فأطلقوا عليه اسم زغلول الدامور نسبة إلى بلدة الدامور مسقط راس والده. وقد عرف بهذا الاسم واشتهر به.. منذ سن التاسعة حتى مفارقته الحياة.. عن ثلاثة وتسعين عامًا مباركة وحافلة بالعطاء.

أسس زغلول الدامور فرقته الزجلية الاولى عام 1944. وأقام برفقتها المئات من العروض الزجلية داخل بلده لبنان وخارجه. في دول مختلفة منتشرة في ربوع العالم. ويذكر الناس في بلادنا أيضًا عروضه الشعرية الزجلية في التلفزيون اللبناني قبل العشرات من السنين. وما حفلت به من براعات قولية شعرية ردّدها الكثيرون وحفظوها عن ظهر قلب. وأذكر بالمناسبة كيف كنّا نجتمع برفقة والدتنا الراحلة الغالية لنستمع إلى أجمل الاقوال المنظومة والمعارضات الشعرية المفهومة. وكانت تلك العروض تُدخل البهجة إلى بيتنا وتنشر فيه الحبور والسرور.

من المعروف أن زغلول وأعضاء فرقته انتموا ألى مدرسة الشعر الزجلي المنبري.. وهو يختلف نوعًا ما عن الحداء الشعبي. علما انه ينهل من منابعه الثرة الغنية. والفرق بين الزجل المنبري والحداء يظهر أكثر ما يظهر في أن المنبري يتجلّى في الجمالي الابداعي. في حين أن الحداء يتجلّى في الاساس بالجمالي الاجتماعي تحديدًا. أما ما يجمع هذين الضربين من القول الشعري هو أنهما يقومان على المواجهات فيما بين الشعراء. علمًا أن المنبري قد يعتمد على شاعر واحد مبدع. قريب جدًا من شاعر اللغة الفصحى.. وقد اشتهر زغلول بالمعارضات الشعرية. ويُسجّل له أنه تفوق أيضًا في القول الشعري الذاتي. وسوف أورد في نهاية هذه الكلمة عنه واحدة من زجلياته الجميلة والمعروفة أيضًا.

برحيل زغلول الدامور تنطوي صفحة أخرى من صفحات الزمن الحنون الجميل.. صفحة رائعة ومؤثرة.. ملأت حياتنا وحياة الملايين من أبناء أمتنا العربية بالجميل من منظوم الكلام.. وجواهره النضيدة.

رحم الله شاعرنا المبدع الرائع.. وطيّب ذكراه العطرة.

من أشهر قصائد زغلول الدامور

صدفة التقو بعيونها عيوني

وعالبيت من غير وعد عزموني

وقلبي فلت مني و سبقني وطار

ومدامعي عالدرب دلوني

ولحقت قلبي و عملت مشوار

عبساط جانح ريح مجنونة

ومن غيرتي عليها خيالي غار

و تحارَب جنوني مع جنوني

وصّلت ... ولقيت القلب محتار

والــ عازمتني مقدّرة فنوني

وأحلى ما إيدي تحترق بالنار

عا بابها دقيت بجفوني

وسمعت صوت بيشبه الأوتار

حرّك شعوري و فيّق ظنوني

وقالت يا أهلا ... ودخلت عالدار

وعيونها بديو .... يحاكوني

وايدين مثل الشمعتين قصار

ما عرفت كيف و ليش ضموني

ولفّوا ع خصري داير و مندار

و لولا ما أجمد كان حرقوني

والشعر ياليلي بلا أنوار

من عنبر كوانين مشحونة

وجبين طافح بالحلا فوّار

خلاّ عقول الناس مفتونة

والحاجبين الجار حد الجار

سيفين بالحدّين ذبحوني

وجوز الحلأ عا دَينتين زغار

من الجرح بعد الذبح شفيوني

والأنف قمقم شايلو العطّار

لدموع أحلى زهور ليمونة

لو شافتو بيّا عة الأزهار

بتقول منّو العطر بيعوني

وخدين متل الزنبق بنوار

أكتر ما بدي عطر عطيوني

إلــ بيشوفهم بيقول توم قمار

جاعوا و طلبوا الأكل و المونة

وشفاف حمر بيسكرو الخمار

من فرد نقطة خمر سكروني

وسنان شال الفل منها زرار

بيضا بلون العاج مدهونة

و العنق مثل الخيط عالبيكار

مسكوب لا ورقة ولا معجوني

و الصدر من أتقل و أغلى عيار

متحف درر و كنوز مدفوني

و تفاحتين بيبهرو الأنظار

عالصدر ... يا ريتن يقبروني

و عالخصر عيني بتحسد الزنار

لو مطرح الزنار حطوني

تا كنت أكشف قوة الأسرار

و معليش لو مجنون عدوني

يا ناس هيدا اللي جرى و لصار

و تتصدقوني .... و تا تعذروني

روحوا معي عا بيتها شي نهار

و تفرجوا عا حسنها من بعيد

-- و ان ضل فيكن عقل ... لوموني

***

بقلم: ناجي ظاهر

في المثقف اليوم