أقلام ثقافية

عن البخل والبخلاء

لما كان الكرم أحد تجليات مكارم الاخلاق لانها أحد الصفات الربانية التي يتحلى بها الانسان تخلقا باخلاق ربه وخالقه، فان صفة البخل المذمومة في الكتب السماوية وعند اهل الحضارات الانسانية وأصحاب الفطرة السوية تعدو لان تكون صفة شيطانية لانها تعكس عدم الثقة بما عند الباري من خير وكنوز لا تنفذ .

ولذلك قرن البخل بضعف الايمان، وبمخالفة الفطرة الانسانية خاصة عند العرب المشهورين بالكرم، وما خلد التاريخ حاتم الطائي الا لكرمه، ولذلك عندما ظهرت طائفة من المسلمين من أهل مرو في العصر العباسي بالبخل كان ذلك مثار دهشة مجتمع المسلمين وحفز ابو عثمان بحر المعروف بالجاحظ لأن يؤلف كتابه " نوادر البخلاء " والذي قدم من خلاله نقدا اجتماعيا لاذعا لهذه الطائفة البخيلة والتي تسبب بخلها في وضعها موضع السخرية والفكاهة حتى يومنا هذا.

فلا فضيلة تذكر للبخيل حتى لوكان عابدا ناسكا، وحين مُدحت امرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: صوّامة قوّامة، إلاّ أن فيها بخلاً. قال: "فما خيرها إذًا"، وقال بشر الحافي: "البخيل لا غيبة له" .

فالبخل بالمكر والدهاء لمنع قضاء حاجات الناس او تقديم اي معروف لهم، فالبخلاء ماكرين خداعين مثل الثعلب والغراب، لا يسطيعون افادة احد مهما تصنع بتقديم يد العون، ولذلك فلا يحظى البخيل بحب الناس أبدا ولا شفقتهم وتعاطفهم اذا ما أصيب بمصيبة.

ويتهكم الشعب العربي على البخيل بالعديد من القصص التي تنفر وتسخر من البخلاء على لسان الحيوان مثل قصة أبو حصين أو الحصيني او المشهورة بقصة " عزيمة ابو الحصين " التي يضرب بها المثل لمن يدعي انه يريد مساعدتك و الاخذ بيدك فيظهر لك انه قدم اليك شيئا و يثبت هذا على نفسه لكنك لا تستطيع الاستفادة ابدا مما قدمه لك.

وكما تورد " موسوعة الحكايات الشعبية " حين دعا الحصيني طيراً طويل المنقار لوليمة شهية، ولكنه قدم الطعام في صحن طويل مسطح، يصعب على الضيف أكله، لطول منقاره، ويسهل على المضيف أكله لأنه يلعق الأكل بلسانه!

وهناك العديد من الحكايات والقصص أبطالها الثعلب والغراب، وتبدأ الحكاية بدعوة الغراب للثعلب فدعا الغراب على شجرة من الشوك فأخذ الغراب يأكل من الشجرة دون أن يمسه ضر أما الثعلب فلم يستطع بسبب الشوك، ليرد الثعلب الدعوة بدعوة الغراب إلى الطعام على حجر أملس صلب فأكل الثعلب بلحس الطعام أما الغراب فلم يستطع فكلما نقب نقبة آلمه منقاره .

وتمتد الحكاية فتسرد ما جرى ما بين الغراب والثعلب كما نراه عند الجهيمان في حكاية (الغراب وأبو الحصين) فيطلب الغراب من أبي الحصين وهو " الثعلب " أن يريه الأرض فيحمله الثعلب، ثم يحمل الغراب الثعلب في الجو ويسقطه من الجو فيسقط في غدير ويشرب الثعلب كل ما في الغدير فتأتي راعيه مع غنمها وتسأل الثعلب عن الغدير فيخرج الماء من فمه فتعطيه شاه هزيلة ومعها ولد وبنت (حوية وحويان)، فيقوم الذئب ويأكل حوية وحويان وأمهم فينتقم الثعلب ويحتال على الذئب ويتشابه هذا مع ما نراه في حكاية الجهيمان .

أما أبو الحصين فقد اشترى طاقتين من الحرير وأخذ يعلقها على شجرة ويزعم أنها تنتج الحرير فاشترها رجل أخر بمبلغ كبير من المال ولكنه حذره بأن لا يحدث أحد بجوار الشجرة، وهكذا أخذ الثعلب يضع لفات الحرير في الشجرة في اليوم الأول والثاني فيحملها مشترة الشجرة ويبيعها، وفي اليوم الثالث أحدث تحتها الثعلب، ولم يجد المشتري الحرير في شجرته فذهب إلى أبي الحصين واخبره بالأمر فذهب الثعلب إلى مع الرجل ودار حول الشجرة وأراه المخلفات ووعده بأن الشجرة ستعود للنتاج بعد أسبوع، ليجمع الثعلب جميع أمواله ويسافر إلى إحدى المدن ويدخل في التجارة .

يعرف الثعلب بالروغان والمكر والخديعة والذكاء وقد قال العرب في الأمثال (أدهى من ثعلب)، ويعرف في القصص الشعبي بـ (أبو الحصين)،، وقد ذكر الجاحظ في الحيوان أن الغراب مصادق للثعلب، بينما تنقل ألف ليلة وليلة حكاية يحاول فيها الثعلب أن يخادع الغراب بمصادقته ولكن في النهاية وبعد ضرب الحكايات يرفض الغراب هذه الصداقة فينسحب الثعلب وهو حزين لأن الغراب كان أكثر خداعاً من الثعلب.

وما اكثر ما نعيشه اليوم من مكر وخداع الثعلب ابو حصين وصديقه الغراب من بخل وانانية وتدمير للشعوب وتضييع للامانات حفظنا الله من شرروهم .

***

سارة السهيل

 

في المثقف اليوم