أقلام ثقافية

ذات يوم عند صانعة الأحلام

هذه حكاية لا تشابه ما أتت به الجدات أيام الحضن الدفيء. حكاية تتجنب الخوض في متاهات ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، وانبعاث الأمير الجميل والأنيق بقبلة حب عميقة من حبيبة لا تماثل حب التملك النسائي. حكاية لا تنتهي بعودة الأمير من ذات قرون التيس العنيد الذي أُلْقت عليه التعويذة السحرية جراء مشاحنة مع زوجة الأب الشريرة.

حكاية تأتي من جيل الألم والحلم، ولن تستجدي من الراوي استهلال منطوق خطابه غير المكتوب (حاجيتك ماجيتك). هذه الحكاية تجعل من وقت العمر يماثل الدقيقة التي تتبدل بمتوالية (اِضْرَبْ وانْقُصْ)، مثل السماء التي تحتلها الغيوم العلوية، ونهاية تمطر عاصفة رملية. هذه الحكاية تنطلق من اللسان كلاما فصيحا، ومن الفكر برمز الإبداع الوجودي، حينها تسيل دمعة في العين ولا تسقط أرضا، وتبقى تبيت العين تكابد المستحيل لِرَيِّ تربة الربيع من غياهب المستقبل الحالم. هذه الحكاية عن أحلامي بالمفرد المتقلص الهوية، وبالجمع غير المنكسر عن أحلام وطن مشترك.

كان الراوي في ملهى الحديث مع الأميرة الحسناء، يلامس شعرها، يتحسس مشاعرها تجاه الأمير العائد من ذات قرون التيس الوحش. كان الراوي يملأ الفراغات البيضاء بأسئلة تتلهى بالتفكير تعبا ومكرا، كانت كل إجابات الراوي تتحمل ببضع كلمات يتيمة. سأل: قل لي فيما تفكر؟ كان من الصعب مكاشفة أسرار وآليات التفكير بالفرجة المملة للعموم. من الصعب ما كان فتح العلبة السوداء عند المنطقة الرمادية للقراءة والتنقيط والتصنيف. كان من صعب الهَبلِ ترك الذاكرة متعرية للجميع كحبل غسيل !! فكم من حكاية كانت للبرهنة !! وباتت لها المسؤولية الأولى في تغيير مسارات عمر الحياة بالحب لا بالكراهية.

 قل لي، أرى أن قلبك عَامَرْ؟ آه، من تقابلات حق الحق، فالكل منّاَ قلبه (عامر) بالكفاية، ويزيد من الفرح أو ينقص نحو سَبْرِ قُدرة هَمِّ الحياة (بفلاشات) التقطيع، و(كَايَنْ) لِي (عَامَرْ) قلبه بالمِحن ولازال يُكابد في الزمن والمكان، وقد لا تنفتح له ليلة القدر الدنيوية (الحظ) إلا لماما.

قل لي لماذا طريقك دائما بعيدة؟ يسكت الراوي الذي كان يحمل في صدره آهات من رواسب الشواهد. يصمت ويُقاوم سيل العين، ويَلعن هَمَّ الحياة، وهو يتخفى من وراء متاريس (الماكياج) الاجتماعي المُغنج. يتحدث الراوي عن (زَهْرِهِ/ حظه) الذي لم يستو في الحياة ابتسامة فيض طليقة بالحرية. يتكلم  الراوي، ويطنب في الإتيان بالمبررات وهو يواجه ملمح التأسي على (الزهر) حين يُمسي تعيسا. يقارن الراوي بين لي (اعْطَاتُوا الدنيا بلا حِسَابْ) ولا مساءلة، ومن منعته حتى من الفرح بفكره الذهني فيسكره خمرا معتقا حد الطُفْحِ. بعد هذا كان الراوي يمارس الضحك على ذقون الناس الطيعة الباكية من شدة غياب رؤية المصحح الاستراتيجي !! ابتسم الراوي والحضور لأن الجميع ألف سؤال: لما سماؤك غائمة؟ فما بقي من الجواب غير النظافة من داخل القلب، حينها يظل الإنسان بألف خير.

أقبل الراوي عند باب صانعة الأحلام ودخله حِطَّة مذلولا. كان يود الراوي رؤية العالم بأقل الخسائر وبلا مطالع من (حاجيتك ماجيتك). لحظتها قالت صانعة الأحلام : لن أغير مسار حياتك، ولكن يمكن أن أعطيك ذكريات جميلة، وأقلل من ذكريات واقع الألم والحقيقة. تَعجبَ الراوي وارتجع مسافة، وقال: لم أرتكب ذنوبا منذ الولادة الأولى لطلب الغفران، ولم أترافع قط عن الحياة باعتبارها رأسمال في بورصة الماديات. لكن صانعة الأحلام كانت أذكى رزانة، وباتت تنسج توليفة بين السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية المميزة عند الراوي. باتت توثق براهين علاقات الإنسان بالعالم. باتت صانعة الأحلام، ترى أن الذكريات المكتوبة قد تحجب عن وعي أو لاوعي واقع الحياة. باتت صانعة الأحلام، ترى في خطاب الراوي الشفهي (حاجيتك ماجيتك) يمثل البراءة اللامرئية عند الجميع.

***

محسن الأكرمين

 

في المثقف اليوم