أقلام ثقافية

أكتب إلى امرأة...

أكتب إلى امرأة أحبتني مثل ما أحببتها بزيادة، إلى امرأة عارضت وثارت على أنانية شهريار واحتلت سريره، وبدا شهريار يتلعثم في الحكاية والوصول إلى صياح ديك الصبح، إلى امرأة امتلكت حريتها ولم تعد نون النسوة بل ثاء التأنيث ومنتهى جمع الجموع.

أكتب رسالة معطرة إلى امرأة لم تصنع من ورق العبارات النافذة، ولا من تزويق الكلمات الزيف. أكتب إلى امرأة تشكل الحياة بين الحاء والباء وتنعش ابتسامة العطاء. أكتب إلى كل امرأة من جنس حواء وغواية آدم للخروج من جنة  الخلد، أكتب إلى امرأة كجزء من التاريخ غير المنسي ولا المتقادم ولا المتهالك فهي الأساس وزاوية في البناء، إلى كل امرأة تشعل حرائق حبي حين تلين وتتبسم وتستهوي مشاعري، إلى امرأة تعيد عقارب ساعة الحب إلى الوراء، وتحيي شهريار ليعتذر عن تخويفها وتركها تحكي بلا انقطاع ظلام ليل...

 أكتب إلى امرأة أشعلت كل أصابعها شموعا منيرة لنا بالجمع لا الإفراد، إلى امرأة أتسلل لهفة إلى حنو قلبها وضمة يديها، إلى امرأة تصنع أحلام الأزاهير وتمنع عني شوك البراري وموج البحار، إلى امرأة تتحمل عصبيتي وجنوني، تتحمل فرحي الممطر وآهاتي أحلامي، إلى امرأة ترقص على مشاهد كلماتي دون أن أدونها كتابة بذكر اسمها.

أكتب حبرا ورديا بالحب إلى امرأة تلتصق بروحي حرارة، تداعبني تحررني من خوفي، ومن توجساتي في الزمن والمكان، إلى امرأة تنعشني فرحا كما تبكيني رأفة، تضمني عشقا، تخاطبني بمتتالية الابتسامة "ألا رجلا إلا أنت".

أكتب إلى امرأة تفيض فكرا وأنفة، إلى امرأة لم يستنسخها التاريخ ولم تكن يوما (نسخة) لكل نساء العالم، أكتب إلى امرأة تسترق مني الفرحة بالفرح المشارك وتقتل الملل المتراكم بحياتي، أكتب إلى امرأة آتية من النهر حين يفيض ماء ويثلج الأنفس العطشى، إلى امرأة لا تفكر في هرولة الهروب ولا في الفراق، إلى امرأة تحملني مثل نوارة.. وجه عروس في حب الوجع وحلم الأمل، أكتب إلى امرأة لا تؤمن بالخرافة ولا بأساطير جداول الأبخرة والأضرحة... أكتب إلى امرأة  العقل والتفكير المنطقي، إلى امرأة تحترف الانفعال وهي تضمني ارتعاشا، إلى امرأة لم تنكسر حتى في خروجها من جنة الخلد، إلى امرأة تصرخ تبكي تفرح ولا تتأفف من الوطن ولا من الحبيب...

أكتب إلى امرأة التل والسهل والجبل الشامخ ورضا قسمات العيش. أكتب بكل اللغات والهويات الفردانية والذاكرة المشتركة، إلى امرأة صنعت الوطن والإنسان والوجود وحررت الأفكار والأبدان من حماية التحكم. إلى امرأة تظهر في أحلامي مثل ملائكة السماء بلا ألوان ولا ملامح فاضحة، إلى امرأة تلتحف كل ألوان الطيف شتاء، وتزكي الحب والرعاية فينا كل صبح ومساء. إلى امرأة قد تدخلني الجنة من تحت أقدامها شفاعة ورأفة، إلى امرأة تنطق اسمي حتى في آخر زفرات حياتها.. إلى امرأة لم تذكرني بتاتا باسمي الشخصي، بل بقلب الكرم في الجمع...

أكتب إلى امرأة لم تكسر شعوري يوما عنوة، لم تنل من رجولتي تحقيرا ولا تنزيلا، إلى امرأة ذات عيون صاحيتين ممطرتين، إلى امرأة مثل المرآة حين تنظر في عيونها تزيدك اطمئنانا وتنويرا، إلى امرأة أحلم بأن تكون آخر لمسات حياتي على شفتيها المطبقتين بالابتسامة الفيضية.

أكتب إليك أنت سيدتي والأخريات.. سيداتي بالدنو والبعد ولن يزيدني إلا إسرارا أنك أنت التي أقصد في كلماتي بالتصريح الرمزي الفاضح، إلى امرأة أسافر بين شرايين دمها مثل التطعيم وأمل الحياة، أكتب إلى امرأة تمتلك قلبي وتفكيري وحبي منذ أن عشقتها من الوهلة الأولى في عيونها.. إليك أكتب.. إليكن ثاء التأنيث.. ونون النسوة بجمع الجموع أكتب.. عند يومكم.. 

***

محسن الأكرمين

 

في المثقف اليوم