أقلام ثقافية

السلطان الذي لا يلتفت لأحد

أي سلطان متجبر هذا الذي يدعونه الحب ويحتفلون بعيده في كل عام رغم انه دكتاتور يخطفُ ويُعذبُ ولا تمتد اليه يد العدالة، متجبرٌ وليس بمقدورك الوقوف بوجهه فهو يتسلل بهدوء الى اعماق الروح فلا تشعر به الا وقد اجتاح طوفانه تجاويف الروح والعقل، متغطرس لا يلتفت الى من يتخلف عن اللحاق بركبه كما لا يأبه لمن يضيع في لجته او ينتهي به الحال الى الكآبة والجنون احيانا، وعلى مرّ الزمان ظل الحب سيد المشاعر وبكامل السلطات، لم نسمع من الذين أخذتهم امواجه بعيدا الا الشكوى والتوجع من قوة سحره وجاذبيته حتى ان الشعراء والفلاسفة تفننوا في تجسيد مباهجه واختلفوا على كينونته ففي كتابه (طوق الحمامة) يصف ابن حزم الأندلسي الحب انه (اتصال بين النفوس في اصل عالمها العلوي) ويرى جبران خليل جبران ان الحياة بدون حب (مثل شجرة بدون أزهار او فاكهة) ولكن في الوجه الآخر للحب نقرأ معاناة الشعراء من سطوته ومن بينهم الشاعر المتصوف "ابن الفارض" ــ سلطان العاشقين ــ حيث نجدها بعد اكثر من ثمانمئة عام هي ذاتها التي يعيشها عاشق اليوم، حيث يقول:                                                                                  

قلبي يُحدثُني بأنك مُتلفي

روحي فداك عرفت أم لم تعرف

*

يا مانعي طيب المنام ومانحي

ثوب السقام به ووجدي المتلف

*

عطفاً على رمقي وما أبقيت لي

من جسمي المضنى وقلبي المدُنف

*

فالوجد باقٍ والوصال مماطلي

والصبر فانٍ واللقاء مسوّفي

*

انت القتيل بأي من أحببته

فأختر لنفسك في الهوى من تصطفي

والأغرب في شدة سحره هو ان العاشق رغم ما يصيبه من عذاب وغدر وصدود واشتياق الا انه لا يبالى بكل هذا النزف الغالي ويظل سادرا في غيه يردد (في الدنيا ما فيش أبدا، أبدا أحلى من الحب نتعب، نغلب، نشتكي منه لكن بنحب) يا لها من أرواح هائمة وعنيدة، لا تفيق من احلامها ولا تفكر بالعودة لرشدها فـ (أهل الحب صحيح مساكين).

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم