أقلام ثقافية

مئوية أستروفسكي الثانية

تحتفل روسيا هذا العام (2023) بالذكرى المئوية الثانية لميلاد كاتبها المسرحي الكبير ألكساندر نيقولايفتش أستروفسكي (1823 - 1886)، شكسبير روسيا كما يطلق عليه الكثير من النقاد والباحثين في تاريخ المسرح الروسي . ومثلما يحدث عادة في مثل هذه المناسبات المرتبطة بكل الاسماء البارزة في مسيرة الفكر الروسي، صدر أمر رئاسي بتوقيع الرئيس الروسي عن الاستعداد لهذه الاحتفالات عام 1920 (اي قبل ذلك الاحتفال بثلاث سنوات !) حول تفاصيل الاحتفالات والتهيئة لها في عموم روسيا، كي تكون تلك الاحتفالات لائقة بالمئوية الثانية لميلاد هذا الكاتب المسرحي، ومن جملة فقرات تلك الاحتفالات سيكون افتتاح البيت الذي ولد فيه استروفسكي بموسكو، ومن حسن الحظ، ان هذا البيت لازال موجودا، الا انه – طبعا - بوضع يتطلب تصليحات جذرية لاعادته الى سابق عهده (اي كما كان قبل قرنين من الزمان !)، وقد بدأت عملية التصليحات والترميمات فعلا، ومن المفروض ان يتم افتتاح ذلك البيت في بداية الاحتفالات، وبهذا ستكسب موسكو موقعا سياحيّا جديدا وطريفا يضاف الى معالمها السياحيّة العديدة جدا، المرتبطة بأسماء أعلامها عبر التاريخ،علما، ان البيت الذي سكنه أستروفسكي بعد ذلك، والذي كتب فيه الكثير من نتاجاته المسرحية لا زال موجودا، وقد تم نشر صورا عديدة لهذا البيت في هذه المناسبة، وهو بيت خشبي روسي جميل وواسع، وقد تمّ التقاط تلك الصور في الشتاء الروسي، حيث تحيط البيت ثلوج هائلة، الا ان البيت الحقيقي الاول والاخير لأستروفسكي هو مسرح (ماللي تياتر) اي (المسرح الصغير) المقابل لمسرح (بولشوي تياتر) اي (المسرح الكبير)، والذي يقع في مركز مدينة موسكو، وليس من باب الصدفة ابدا، ذلك التمثال الضخم لأستروفسكي وهو يجلس على كرسي وثير امام مسرح (ماللي تياتر)، اذ ان هذا المسرح كان بيته الفني قبل كل شئ وبعد كل شئ، ففيه تم عرض كل مسرحيات أستروفسكي اثناء حياته، حيث كان يشارك شخصيا بالاعداد لتلك العروض، ولهذا، فقد أعدّ هذا المسرح برامج خاصة واسعة للمساهمة في احتفالات الذكرى المئوية الثانية لأستروفسكي، وسيتم عرض الكثير من مسرحياته او مقاطع مهمة منها، وفي فروع (ماللي تياتر) في العديد من المدن الروسية، وسيكون هناك في ختام تلك البرامج حفل موسيقي كبير في ساحة المسرح، وقد صرّح مدير مسرح (ماللي تياتر) للصحفيين، انهم يريدون ان يحوّلوا يوبيل أستروفسكي الى مهرجان احتفالي مهيب للمسرح الروسي بشكل عام.

تمثال أستروفسكي، الذي يقف أمام مسرح (ماللي تياتر) يرتبط في ذاكرتي ارتباطا روحيّا وثيقا، لدرجة، انني لازلت وبعد أكثر من ستين عاما، عندما أمرّ بالقرب منه، أتأمّله بحب وابتسم بيني وبين نفسي، وأقول له في أعماقي – سامحنا يا ألكساندر نيقولايفتش، اذ انني (مع مجموعة من الطلبة العراقيين) وقفنا امامه منبهرين عام 1959، وقررنا (وبكل ثقة وسذاجة مضحكة!)، انه للكاتب السوفيتي نيقولاي ألكسييفتش أستروفسكي، مؤلف الرواية الشهيرة (كيف سقينا الفولاذ)، وكل ذلك لأننا كنّا في يفاعتنا لا نعرف عن الادب الروسي سوى تلك النتف البسيطة من ألكلمات الطنانة والرنانة التي سمعناها في عراق الخمسينيات عن هذا الادب العظيم واعلامه، ولم يكن الكاتب المسرحي استروفسكي من ضمنهم طبعا، لانه لم يكن (ملائما !!!) لتلك الكلمات المعلّبة الطنانة عندئذ، أما الان، فان أستروفسكي يرتبط في وعيّ وذاكرتي باسم الفنان المسرحي العراقي الكبير المرحوم قاسم محمد، الذي قدّم للمسرح العراقي مسرحيّة (الحب والربح)، والتي أعدّها وصاغها بنكهة وروحيّة عراقية ذكية عن مسرحية أستروفسكي الشهيرة (مكان للربح)، والتي نالت لدى الجمهور العراقي نجاحا باهرا آنذاك، ويرتبط أستروفسكي بذاكرتي باسم المترجم العراقي المعروف عبد الله حبه، الذي قدّم لنا ترجمة لمسرحيات أستروفسكي، والتي كتب حول تلك الترجمة اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية طالب الدراسات العليا آنذاك ميثاق محمد (الدكتور والاستاذ المساعد الان في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد) باقتراحي واشرافي العلمي، ويرتبط أستروفسكي ايضا باسم مجموعة من الزملاء المصرين الاعزاء، الذين ترجموا الى العربية الكثير من مسرحيات أستروفسكي، و تم نشر أغلبها في سلسلة المسرح العالمي التي تصدر في الكويت، وهؤلاء الزملاء هم كل من – فوزي عطية وسميّة محمد عفيفي وهاشم حمادي ومكارم الغمري وعطية عبد الرحمن السيد، ومن المؤكد، انه توجد اسماء عربية أخرى لا أعرفها، قد ساهمت ايضا في تعريف القراء العرب بمسرح أستروفسكي وأهميته في تاريخ الادب الروسي .

تحية للذكرى المئوية الثانية لميلاد أستروفسكي، الذي كان ولا يزال لحد الان (ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين) الاسم الاول في مسيرة الادب المسرحي الروسي ...      

***

أ. د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم