أقلام ثقافية

المعتز بالله!!

المعتز بالله (232 - 255) هجرية، سادس خليفة عباسي في سامراء، إبن المتوكل (205 - 247) هجرية، من جارية إسمها قُبَيْحَة، وقد أحبّها المتوكل حبا جمّا، وتولع بها لجمالها وفتنتها، فأنجبت له المعتز بالله سنة (232) هجرية، والذي كان وسيما باذخ الجمال.

وعاش في كنف والده وأمه قبيحة خمسة عشر سنة، وأحبه المتوكل كحبّه لأمه، وتوسّم فيه الكثير من القدرات والتطلعات القيادية.

ويُذكر أنه كان بهي الطلعة ذكيا، سريع البديهة والخاطر، أديبا ينظم الشعر، وتقول الروايات إنه لو مُدَّ بعمره، لكان من أبرز شعراء عصره.

وقد إجتهد المتوكل بتعليمه وتأهيله للخلافة لأنه كان يتوسم فيه خصائص ومميزات قيادية واضحة، علمه فقهاء اللغة العربية، وخفظ القرآن في سن مبكرة، وأقام له المتوكل حفلا كبيرا، كما أنه بنى له قصرا باذخا سماه (قصر المعتز).

والمعتز بالله ولد في سامراء، وما غادرها لغيرها من المدن، وما أن جاء المنتصر بالله (222 - 248) هجرية ، حتى أودعه السجن وأخاه المؤيد بالله، وهما وليا عهد بموجب عهدة المتوكل، ومضى في السجن حتى سن التاسعة عشر، لمدة خمس سنوات (247 -252) هجرية، وبعد أن عُزل المستعين بالله (248 - 252) هجرية، أُخرِجَ منه وأوُدِعَ سجينا في قصر الخلافة على أنه خليفة (252 - 255) هجرية، وبعدها خلعه (محمد بن وصيف) وعذبه وقتله شر قتلة وهو في عمر (23).

المعتز بالله لازال صغيرا وأصابته النواكب المتلاحقة بعد مقتل أبيه، فما تمكن من التعبير عن قدراته القيادية وقابلياته الواعدة وذكائه وثقافته المتميزة.

ويمكن القول بأنه صبي مضى حتى أثناء خلافته يأتمر بأمه قبيحة، ويتحكم به القادة الأتراك المتنفذون الأشراس المتوحشون في تفاعلاتهم مع الأحداث.

ففي سن التاسعة عشر جعلوه خليفة بعد أن أخرجوه من السجن، وما فعل شيئا مهما لأنه عاش في خوف ورعب من القادة الأتراك وفي مقدمتهم (بن بغا وبن وصيف)، ويبدو أنهما أجبروه أو شجعوه على قتل عمه وأخيه، ومن ثم تم تعذيبه وقتله.

فأمر الخلافة كان بأيديهما، وما الخليفة إلا دمية يحركانها وفقا لرغباتهما وتطلعاتهما البغيضة، التي تكنز عدوانية فتاكة تجاه الخلفاء.

وبسبب ما إنبثق من المشاعر العدوانية، آنذاك، عاشت سامراء فوضى مروعة، حتى لتعجب كيف ما إنهارت الدولة العباسية بسببها.

فالمعتز بالله وسط هذه الإضطرابات، لم يتمكن من القيام بدور الخليفة، وكان وكأنه في إقامة جبرية ودمية رمزية تمثل صورة الخلافة العباسية، التي عبرت عن أشد حالات ضعفها، وبؤسها.

ولعب أولاد الخلفاء دورهم بمعاداتهم لبعضهم وتنافسهم على السلطة، وإدّعاء كل منهم أحقيته بالخلافة، وبتواجدهم في سامراء تنامى التناحر والعداء بينهم، فاستثمر به الأتراك وحققوا مآربهم.

فماذا تتوقع من صبي أوهموه بأنه خليفة، كيف يمكنه أن يتعامل مع أعمامه وأولاد عمومته وإخوانه، ومَن حوله من المتطلعين إلى الجلوس على كرسي الخلافة، ولا حول ولا قوة عنده إلا أن ينفذ ما يقرره (محمد بن بغا وصالح بن وصيف) وغيرهما من قادة الأتراك المتسلطين على مصير الخلفاء في سامراء.

هذا الصبي المرعوب إنتهى به الحال إلى تصديق رعبه والتمرغ بنهايته المأساوية القاسية.

فهل كان المتوكل يتخيل هكذا مصير لإبنه المحبوب؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم