أقلام ثقافية

حتى أنت يا بحتري!!

هل أن آخر ما قاله المتوكل أثناء مجزرة قتله ووزيره (الفتح بن خاقان)، "حتى أنتَ يا بحتري"؟!!

فهم ثلاثة يتنادمون في البركة الحسناء التي وصفها في إحدى قصائده، وكان ثالثهم، فقتلوا الخليفة ووزيره وما قتلوه، ويقال أنه جُرح جرحا بسيطا، وهذا لا يُعقل في همجية دموية، إشترك فيها حارس الخليفة فأغمد السيف اليماني الذي إشتراه المتوكل ليكون سلاحا لحارسه الشخصي، فكان السيف الذي قتله.

ولا يمكن قبول أنهم لم يقتلوا الثلاثة، فهذا مخالف للحوادث السابقة واللاحقة في مسيرة سفك دماء الولاة والخلفاء، فلا يجوز إبقاء شاهد على الجريمة.

كما أن البحتري لم يترك لنا قصيدة ذات قيمة توثيقية تصور تلك المأساة التي كان شاهدا حيا عليها، أو ربما مشتركا فيها.

والأنكى من ذلك أنه بعد بضعة أيام أو أسابيع راح يترنم بمدائحه للمنتصر بالله المتهم بالتآمر على قتل أبيه.

ويذكر أن المتوكل كان ينوي قتل إبنه المنتصر لأنه توسم فيه الرعونة ودمار الخلافة، ورفضه التنازل عن ولاية العرش لأخيه المعتز بالله، وربما أفشى البحتري الأمر مما عجّل بقتله.

والبحتري رافق المتوكل منذ بداية عهده بالخلافة، ونال منه العطايا والمكرمات والجاه والشهرة، لكنه ربما غدر به.

فسلوك الغدر واضح في مسيرته، فهو الذي تآمر على أستاذه أبو تمام فأبعدوه للموصل، وعادى علي بن الجهم وتآمر عليه، وعلى غيره من الشعراء، لكي لا ينافسه أحد في البلاط.

وهو الذي يعرف أولاد المتوكل منذ طفولتهم ، وتمادى في غشهم وخداعهم وتضليلهم بقصائده، والأتراك من حولهم يعبثون بوجودهم ويهينونهم ويذلونهم، وهو يكيل لهم المدائح التي تخدرهم وتوهمهم بأنهم الخلفاء، وكأنه كان متآمرا عليهم مع الأتراك.

وبقي في سامراء وهي في فوضى عارمة، مما يدل على أنه كان محميا وفاعلا في تأمين إرادة المتمكنين من القوة في المدينة والقابضين على أعناق الخلفاء.

ولم يترك المدينة إلا بعد أن غادرها آخر خليفة، وتوجه إلى مدينته (منبج) وما نطق بكلمة عن تلك الأيام.

وسلوكه الموثق في قصائده يؤكد إنحطاطا أخلاقيا وغدرا بأصحابه وأولياء نعمته، ويتمتع بأنانية وعدوانية، وشراهة لجمع المال والفوز بالمكارم والغنائم، فالشعر عنده مصدرا للإرتزاق والتسول، فكان يمدح كل مَن يجد فيه غنيمة، فيستجدي المال والأشياء الثمينة بشعره دون حياء، ويُقال أنه كان يتصف بالبخل الشديد، رغم ثرائه الفاحش.

فلا قيَم عنده ولا مبادئ ولا مواقف إنسانية ذات مواصفات سامية، إنه تاجر شعر، بضاعته الكلمات، وقد جنى على نفسه أبو تمام عندما قدمه إلى الخلفاء، فانقلب عليه وأخرجه من مقامه الرفيع!!

***

د. صادق السامرائي

3\9\2021

في المثقف اليوم