أقلام ثقافية

هاشم عبود الموسوي: موقف انساني راسخ في الذاكرة

في منتصف ستينات القرن الماضي، و أنا كنت في آخر مراحل دراسة البكالوريوس بكلية الفنون في برلين، ذهبت الى مديرية الإقامة العامة لتمديد اقامتي التي  يجب أن تتجد سنوياً.. تفاجأت بأن صلاحية جواز سفري العراقي كانت منتهية، فتعذر علي تجديد الإقامة، مما حدا بي للذهاب في اليوم التالي الى السفارة العراقية من أجل تجديده.. تفاجأت بأن القنصلية تطلب مني أن أدفع البدل النقدي عن الخدمة العسكرية والبالغ مقداره 1250 ماركاً ألمانيا.. ولم يكن لي علماً مسبقاً بذلك وقد حدد الموظف المختص بأن ليس لدي سوى يوماً واحداً ولم يكن قد وصلني خبر هذا التعميم بتاتاً.. فوقعت في حيرة كبيرة، لا سيما و أني كنت أتقاضى مساعدة مالية شهرية من الجامعة مقدارها 280 ماركاً ألمانياً.. وكان الشهر قد أوشك على الإنتهاء.. فما هو الحل، ومن يعين على مثل هذا المأزق.. وعندما لا تتجدد اقامتي لا يحق لي الدوام في الجامعات الألمانية، وأخسر دراستي و كل آمالي التي وضعتها عليها.. أتصل بي صدفة  بعد الظهر "ماتياس" أحد زملائي  في الدراسة، وسمع مني مخاوفي بأني سوف لا أستطيع البقاء معهم.. أحسست من صوته بأنه حَزِنَ لهذا الخبر.. ما هي الا ساعتين و إذا بماتياس يتصل بي و يفاجئني، بأنه هو و أصدقاءه قد جمعوا لي المبلغ  وسيأتي الي فورا ليسلمني إياه، لأكون جاهزاً في اليوم التالي للذهاب الى السفارة ودفعه.. كنت أسمع منه هذه الكلمات  و الدموع تتساقط من عيناي.. وفي نهاية الشهر وددت أن أقسط ما علي من دين الى اصدقائي و زملائي الالمان.. لكنهم رفضوا ذلك وقالوا هذه هدية متواضعة منا اليك..

فهل يمكن لي ما زلت حياً أن أنسى هذا الموقف الانساني الراسخ في الذاكرة ؟!

***

د.هاشم عبود الموسوي

في المثقف اليوم