أقلام ثقافية

عبد القادر رالة: الحياة العلمية في الدولة العباسية

يكتبونْ عن العصر العباسي بصورة مغايرة، فيقولون أنه عصر مليء بالدسائس والصراعات السياسية بين الأبناء والأولاد حول الحكم، فكان فرصة لتدخل الفرس والأتراك، بعدهم في شؤون الحكم، بعد أن كانوا عبيدا وموالي، فانتشرت الفوضى وعمت الاضطرابات، فيصورون العصر عصر فتن وحروب، ولا يذكرون ازدهار الحضارة، فكان عصر علماء كبار، ومفكرين عظام، وأدباء نابهين، ومخترعين في جميع الميادين العلمية والتقنية ...

وأي عالم أو أديب مهما كانت عبقريته وشهرته لا يعتد به إذ هو لم يزّر بغداد، أو لم تُقرأ كتبه وتناقش فيها ....

المذاهب الفقهية الكبرى تأسست في العصر العباسي الأول،وكُتب الحديث ألفت وجمعت فيه، وكذلك تم التأسيس لعلوم اللغة والأدب في هذا العصر، وأيضا الفلسفة والطب والجغرافية والتاريخ والآثار وعلم السلوك والرياضيات والهندسة ..

والحضارة والتمدن لم تزدهرا في بغداد وحدها،، وإنما في أكثر من مدينة أو إقليم ؛ بخارى، مرو، تيهرت، قرطبة، اشبيلية، دمشق،القاهرة، حلب وغيرها لكنها جميعا كانت تنهل من بغداد وتستمد منها الوهج ...

لذلك كان سقوط بغداد على يد المغول الهمج في القرن الثالث عشر الميلادي مدمرا ومدويا ومؤثرا على تراجع التمدن العربي الإسلامي، وانتقلت الريادة العلمية والحضارية الى القاهرة، أو الأندلس وتلمسان أو اسطنبول ودلهي لكن ما استطاعت هذه المدن العامرة أن تعوض بغداد، وسحر بغداد وعبقرية بغداد ..

رغم القلاقل السياسية والصراعات كان الخلفاء العباسيين يهتمون بالعلوم والآداب، بل كانت الثقافة الدينية والأدبية معيارا ومطلباً أساسياً في تكوين الخليفة نقسه، أو غيره من الوزراء والحجاب، فلا عجب أن كان رجال السياسة من خلفاء أو وزراءهم يتسابقون على تقريب العلماء والمبدعين، والتاريخ يذّكر أن أكثر من عالم كان يتحاشى التقرب من الخلفاء أو تكريمهم ...

وبسبب أن بغداد كانت حاضرة الثقافة والحضارة لم يفكر العلماء أبدا في الهجرة الى بلد أخر لطلب العلم كبيزنطة أو أوروبا أو الصين والهند، وإنما كانوا يفضلون البقاء في بغداد، وإن كان ولا بد من الانتقال فإنهم يكتفون بالترحال بين حواضر العالم الإسلامي ...

***

بقلم: عبد القادر رالة

في المثقف اليوم