أقلام ثقافية

أيمن عيسى: المصدر المزيد بتاء فى أوله

المصدر: هو اسم يدل على حدث مجرد من الزمان والمكان، وذلك مثل. عمل، سلام، حب، إكرام، إحسان، انطلاقة، استخراج. فكل هذه مصادر دلت على حدث، ولم تشر إلى زمان بعينه أو مكان محدد. لذلك قلنا إن المصدر مجرد من الزمان والمكان. والمصدر هو أصل جميع المشتقات مثل اسم الفاعل واسم المفعول وغير ذلك. ونأتى منه بالفعل فى أى زمن، الماضى والمضارع والأمر. فمن انطلاقة مثلا. نقول. مُنطلِق، مُنطلـَق، انطلـَق، ينطلق، انطلِق. لذلك سُمِىَ بالمصدر، لأنه هو الأصل الذى نأتى منه بأى بنية تصريفية.

وقد جاء عن العرب زيادة تاء فى أول مصادر الفعل الثلاثى فقط، وذلك لمعنى بلاغى هو الزيادة والمبالغة. فحين تقول كلمة " بيان " فإن الأمر يختلف عن كلمة " تبيان ". فالبيان هو الإيضاح، أما التبيان فهو زيادة فى الإيضاح. وكذلك " حنان " غير " تحنان "، فالتحنان مبالغة فى الحنان ومزيد فيه. وقد أقر القرآن الكريم هذه الظاهرة اللغوية والصرفية القائمة على معنى بلاغى واستعملها، وذلك كما فى قوله تعالى { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِِّ شَيْءٍ }[ النحل / 89 ]. فتبيان هنا أى ليس وضوحا فحسب، بل هو مزيد فى الإيضاح. وكما نعلم القاعدة القائلة بأن زيادة حروف المبنى تؤدى إلى زيادة فى المعنى، وموضوع حديثنا هو من أبرز الشواهد التى تبرهن على هذه القاعدة.

وليس كل مصدر ثلاثى يقبل زيادة التاء على أوله، بل ما كان سهلا وطوعا فى النطق فقط بعد زيادة التاء. لذلك لم نسمع مثلا فى " هُدى " أنها " تِهدى "، أو فى " غفران " أنها " تغفران ". فالعرب لم تعمل تلك اللسانية أو البنية الصرفية إلا فيما قـَبـِلَ دخول التاء عليه صوتيا دون ثقل على السمع أو صعوبة فى النطق.

ومما جاء عن العرب فى هذه المصادر، قولهم.

تبيان          تنضال

تحنان         تبراك

تفراج         تنبال

تطياب         تعساف

تكرار         تجفاف

تذكار          تهواء

تكلام          توفاق

تطلاب       ترحال

تسيار          تلعاب

تهيام          تلقام

تتفاق          تسخان

تقتال          تضراب

تلفاق          ترداد

تعذال         تطعام

تصفاق      تشراب

تطواف        تكبار

ومن الملاحظ أن كل صيغ المصادر المزيدة بتاء على أولها، تأتى على وزن " تفعال " بفتح التاء أو كسرها، وذلك كما جاء على لسان العرب والقبائل المختلفة، ولا تتجاوز هذا الوزن ولم تخرج عليه. ومعنى ذلك أنها قد تضطر إلى إحداث تكسير صرفى فى البنية الأصلية للمصدر الذى تدخل عليه، مثل. سار، فمصدره " سير "، فيغير دخول التاء من البنية فتصبح " تسيار "، فلو نحينا التاء لكانت " سيار ".

وأيضا مثل. تشراب، تعذال وغير ذلك مما نتبينه من النماذج الموروثة عن العرب. فى حين أن بعض البنيات الأخرى تظل على حالها، مثل بيان التى تصبح تبيان، وحنان التى تصبح تحنان. ولابد أن نفطن جيدا لما ذكرناه من حدوث تكسير صرفى لبعض البنيات. فبدون الانتباه لتلك السمة لوقع التوهم فى أن التاء لا تدخل على الثلاثى فقط، بل تدخل على ما دون ذلك، وذلك مثلما جاء فى " تقتال "، فاللفظة توهم بأن التاء زيدت على " قتال " التى هى مصدر الرباعى " قاتل ← قتال " فصارت " تقتال "، وهذا كما ذكرنا وهم خاطىء. فالتاء هنا لا تدخل إلا على الثلاثى فقط، فهنا دخلت على المصدر الثلاثى السماعى " قتـْل " ثم أحدثت فيه تغييرا فى البنية الصرفية بما يجعلها تأتى على وزن " تفعال ".

والعرب قد استعملت المصدر المزيد بتاء فى أوله شعرا ونثرا. فقالوا فى وصف الرجل القصير " رجل تنبال " أى زائد فى قصر القامة. وقالوا فى كثير الكلام " رجل تكلام ". وقالوا فى كثير اللوم " رجل تعذال ". وقالوا فى سريع لقم الطعام إلى فمه وهو يأكل " رجل تلقام ".

وفى الشعر، قول طرفة.

وما زال تشرابى الخمور ولذتى وبيعى وإنفاقى طـَريفى ومُتـْلـَدِى

وقول كثير عزة.

وإنى وتهيامى بعزة بعدما

تخليت مما بيننا وتخلت

وختاما، فإنا نقول إن موضوع المصدر المزيد بتاء فى أوله، هو موضوع يسرى فى دروس ثلاثة، الدرس البلاغى، والدرس الصرفى، والدرس اللسانى. ونرجو أن تكون الدراسة قد حققت قدرا من الإفادة للقارىء.

***

د. أيمن عيسى - مصر

في المثقف اليوم