أقلام ثقافية

شدري معمر علي: غوركي وصندوق سموري

لو التقى غوركي بصندوق من الذهب لكان من الأغنياء الذين نساهم التاريخ ولكن التقاؤه بصندوق سموري غير حياته وادخله التاريخ من ابوابه الواسعة وصار من عظماء الإنسانية لأن صندوق سموري يحتوي على كنز آخر لا يقدر بثمن، يسافر بك إلى عوالم وفضاءات في أي لحظة ودون تاشيرة، يفتح عقلك على انوار الفكر والحكمة والبصيرة ..

لندع الكاتب حاتم إبراهيم سلامة يقدم لنا هذا الصبي الذي عاش طفولة محرومة مشردة ذاق فيها ألوان العذاب يقول:

"كان غوركي فتى أشعث طويلا نحيفا عريض الكتفين أصفر السحنة، صبي مشرد، بائس تعيس، صعلوك، يرتدي معطفا فضفاضا، لم يكن يدور بخلد أحد أبدا وهو يرى هذا الصبي بهذه الهيئة أن يتوقع له مستقبلا في الدنيا، لم يكن أحد يتوقع أن تكون له مكانة في الدنيا أو سبيلا ليكون من عظمائها أو يظن أن هذا الاسم سيعبر حدود وطنه إلى كل أوطان العالم كأحد أهم وأعظم  الكتاب الثائرين الذين خدموا الإنسانية..

ولد عام 1868 في روسيا ومات أبوه بالكوليرا وهو في الرابعة من عمره ثم ماتت أمه قبل أن يبلغ العاشرة وعاش مع جده الذي كان قاسيا غليظا عليه حتى طلب منه عندما بلغ العاشرة أن يهجره ليستقبل قسوة الحياة وهو في هذا السن الصغير ويرتمي في أحضان الجوع والتشرد والبؤس وقسوة المعيشة.

بدأ العمل في محل أحذية وانتقل ليعمل غسّال صحون على باخرة وكان في هذه الباخرة على موعد مع القدر الذي غيّر حياته ووضع منها أو خطواته نحو المجد المُخبّأ له فقد كان معلمه على الباخرة طبّاخا اسمه "ميخائيل سموري " والذي أيقظ فيه حُبّ الكتب وعشق القراءة فقد كان هذا الطبّاخ يمتلك صندوقا مليئا بالكتب يحمله معه أينما سار وذهب واستطاع سموري الطباخ أن ينمي في الفتى الصغير حب الكتب والقراءة ومن هذا الصندوق تفتحت الآفاق الكبرى للصبي الصغير وكان التحول الرهيب لهذا الفتى المشرد التعيس ليصير فيما بعد من أعظم الكتاب والأدباء الروس ".

عندما نتأمل في حياة غوركي الذي كان شديد العشق للقراءة ومولعا بحب الكتب نكتشف عظمة الكتب التي بإمكانها أن تغير حياتك وتنتشلك من عالم الجهل والضياع والتشرد إلى عالم التأثير والعظمة والتميز فلنتحضن الكتب ففيها دفء الحياة ومتعة السفر وصدق الصحبة.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية:

شدري معمر علي

........................

1- حاتم إبراهيم سلامة، القراءة المجد الذي أضعناه

في المثقف اليوم