أقلام ثقافية

عبد السلام فاروق: "استعادة" طه حسين

استعادة التراث الأدبي والفكرى هدف من أهم الأهداف الثقافية لهيئة الكتاب.. وبمناسبة مرور 50 عاماً على رحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فإن هيئة الكتاب برئاسة الدكتور أحمد بهى الدين بصدد إطلاق مشروع ثقافى مهم وجرئ يرتكز على إعادة نشر مؤلفات طه حسين المجهولة..

تحت عنوان "استعادة طه حسين" والمقصود استعادة تراثه الفكرى..تقوم الهيئة العامة للكتاب بإصدار مجموعة من مؤلفات طه حسين ومترجماته، ويقدم المشروع فى مرحلته الأولى 12 عملاً منوعاً فى توجهاتها ومحتواها الفكرى ما بين مؤلف ومترجم وعمل مشترك..فمن المعروف عن طه حسين أنه كان واسع الاطلاع غزير الانتاج..كتب فى الفكر والأدب والنقد والترجمة وشارك عدداً من الأدباء فى أعمال مختلفة..ولهذا يحاول المشروع المزمع تنفيذه التركيز على مثل تلك الأعمال غير المعروفة حتى بين المثقفين والقراء ومحبى كتابات طه حسين.

يقول الدكتور أحمد بهى الدين رئيس هيئة الكتاب متحدثاً عن هذا المشروع الطموح: (إن الهيئة حرصت على أن تكون باكورة مشاركتها في الاحتفاء بخمسينية رحيل عميد الأدب العربي بمجموعة متنوعة من الكتب غير المشهورة أو غير السائرة بين جموع القراء، بل وبعض المثقفين، ووقع الاختيار على طباعة (12) كتابًا تتنوع بين التأليف والتأليف المشترك والترجمة، وتمت المراجعة والاعتماد على الطبعات الأولى أو أقدم طبعة أمكن الحصول عليها، كما تم تكليف واحد من كبار أساتذة النقد والأدب المعاصرين لكتابة تصدير لهذه الأعمال، وهو الأستاذ الدكتور سامي سليمان، فكتب تصديرًا بانوراميًّا كاشفًا عن مجمل أعمال وأفكار طه حسين ومشروعه الفكري والثقافي، كذلك تم تكليف المصمم الكبير الفنان أحمد اللباد لعمل الغلاف، لتخرج الطبعة الجديدة في أبهى صورة على مستوى تصميم الغلاف والإخراج الفني الداخلي.

لعل من أهم عناوين الإصدارات التي أعيد نشرها 3 كتب مؤلفة هى: حافظ وشوقى، قادة الفكر، والحياة الأدية فى جزيرة العرب.. و3 كتب اشترك طه حسين فى تأليفها مع آخرين وهى: التوجيه الأدبي، آراء حرة، والحياة والحركة الفكرية فى بريطانيا..أما باقى الكتب فهى من المترجمات وأهمها أوديب وثيسيوس، وأندروماك، ونظام الإثينيين، وصحف مختارة من الشعر التمثيلى اليونانى، وزديج لفولتير.

واصل بهى الدين قائلاً: (إن طه حسين يعد من أعلام الثقافة العربية، ويحظى بمكانةٍ فريدة في نفوس قرائه بما أثرى مسارات الثقافة العربية الحديثة منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى اليوم.. لذلك كان لزامًا على الهيئة أن تشارك بإعادة إصدار بعض مؤلفاته في مناسبة الاحتفاء بمرور خمسين عامًا على رحيله، ليس لأن أعماله أصبحت ملكية عامة فحسب ولكن بغرض استعادة رؤية طه حسين الفكرية؛ لإعادة قراءته قراءة جادة وجديدة، تهدف إلى إلقاء مزيد من الضوء على طريقته ومنهاجه ورؤاه، لعل الأجيال الجديدة تدرك مدى تأثيره الفكرى الكبير ومقدار منجزه في المناحي الثقافية المختلفة من خلال توفير عدد من العناوين التي لم يُقدَّر لها الرواج بين جموع القراء، وبخاصة الشباب منهم).

لقد كتب طه حسين عدداً كبيراً من المؤلفات ذات الوزن الثقيل ثقافياً زادت عن 50 كتاباً ، وبعضها أثار الجدل بين المثقفين لفترة طويلة فى مصر والمنطقة..وما تزال كتاباته تحيا فى عقول وقلوب محبيه رغم مرور عقود على وفاته..وهو إلى جوار اهتمامه بالأدب والنقد الأدبى كان مهموماً بقضية التعليم فى مصر،ليس فقط بسبب توليه مسئولية وزارة المعارف وإنما قبل هذا بكثير، وربما بسبب معاناته فى مراحل التعليم المختلفة، تلك المعاناة التى صورها بتفاصيلها فى كتاب الأيام ، والذى تحول فيما بعد لمسلسل شهير من بطولة الفنان أحمد زكى..وربما لا يعلم الكثيرين أن طه حسين قد ترشح لجائزة نوبل مرتين وكان قريباً من الفوز بها، وقد منحته عدة جامعات عالمية الدكتوراة الفخرية، كما حصل على قلادة النيل.

لعل هذا وغيره يفسر مدى أهمية إحياء ذكرى وفاة طه حسين بمثل هذا المشروع الذى يمثل نوعاً من الوفاء والامتنان لمثقفى ومفكرى وأدباء مصر ممن هم فى وزن وقيمة طه حسين ..لهذا فإن هيئة الكتاب تستهدف طباعة عناوين إضافية خلال مرحلة تالية من المشروع ، لعل أهمها: (تجديد ذكرى أبي العلاء، ، ومع أبي العلاء في سجنه، ومع المتنبي، وعلى هامش السيرة، ومرآة الإسلام، والوعد الحق، والشيخان، والفتنة الكبرى بجزئيها، وصوت أبي العلاء، ومن أدب التمثيل الغربي، من هناك، الأيام، فصول مختارة من كتب التاريخ، ومذكرت طه حسين". كما سيتم جمع مقالات العميد المتناثرة في المجلات المختلفة،بهدف إصدارها فى كتاب، وهي تمثل كنزًا ثقافيًّا من كنوز العميد، ينبغي النظر إليها وقراءتها في سياق واحد...لقد أكد بهي الدين عزم الهيئة لاستكمال المشروع بنشر الكثير مما ألَّفه طه حسين أوشارك في تأليفه مع آخرين ، حتى ما تمت دراسته فى مناهج التعليم مثل كتاب "المجمل في تاريخ الأدب العربي"، وكذلك الكتب التي قدَّم لها طه حسين، ومن بينها "كليلة ودمنة"، الذي حققه عبد الوهاب عزَّام.. وهناك نية لإعادة نشر أعماله الإبداعية في سلسلة "أدباء القرن العشرين" التي تعاود الصدور، حيث تم إصدار خمسة عناوين أخرى من مؤلفات عميد الأدب العربي وهي: «الحب الضائع، وأديب، وجنة الشوك، والمعذبون في الأرض، ودعاء الكروان»، وسوف تستكمل باقي الإصدارات على مدار الأشهر المقبلة.

لا ريب أنه مشروع طموح ومهم يعيد بناء الجسور بين جيل الشباب، والجيل الذهبي للأدباء والذى كان طه حسين أحد أعمدته الرئيسية.

***

عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم