أقلام فكرية

هاني جرجس عياد: المرأة العربية وأوجه التمكين

هاني جرجيس عيادمقدمة: هناك محاولات جادة لباحثين لتطوير فهم شامل للتمكين حيث تم تقسيم العملية إلى مكونات رئيسية حيث اُفترض أن التمكين يحدث وفقا للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والشخصية والقانونية والسياسية والنفسية إلا أن هذه الأبعاد واسعة النطاق للغاية وداخل كل بعد مجموعة من المجالات الفرعية التي يمكن من خلالها تمكين المرأة، إلا أنه ووفق المعطيات والدراسات والأبحاث بأن للتمكين بعدان داخلي وهو التمكين النفسي وهو يعد أرضيه للبعد الآخر وهو البعد الخارجي ويشمل أنواع متعددة من التمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقانوني والتربوي والبيئي والصحي وأن كلا البعدين يتطلب تدخلا خارجيا لمساعدة المرأة مع ضرورة توفر الرغبة الكاملة لديها.

أولا: النسوية العربية: رؤية نقدية

دخلت الأفكار والمقولات النسوية الغربية إلى العالم العربي بشكل متفاوت، عن طريق عدة قنوات، أهمها: البعثات العلمية إلى دول الغرب، وكذلك من الأعمال الذي قدمها رجالات النهضة من المثقفين العرب، وعن طريق تقليد الشرائح الاجتماعية شبه الارستقراطية للثقافة الغربية ومسالكها. وقد تشكلت النسوية العربية خلال ثلاث مراحل، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن، وذلك على النحو التالي:

أ‌- المرحلة الأولى:

تسمى هذه المرحلة بـ “عصر النهضة”، التي ترافقت مع وصول الحملة الفرنسية إلى مصر سنة 1798م . وكانت أبرز ملامح النسوية في هذه المرحلة تتمثل في:

- الاهتمام بمسألة المرأة في هذه المرحلة بشكل ثانوي، وملحق بقضية النهضة، لذلك لا تكاد تخرج المطالب على حق المرأة في التعليم.

- الحديث عن حق المرأة في العمل، لكنه لم يكن شاملاً مطلقاً كما هو في المراحل التالية، وأيضاً دعوا إلى الاختلاط بين الجنسين؛ لأن ذلك من مقتضيات التعلم والعمل، حسب رأيهم، وليس من منطلق المساواة بين الجنسين.

- لم تُطرح فيه قضايا مباشرة مناقضة لثوابت الدين ومسلماته، ولم يتم نسبة التخلف الذي كان عليه حال المرأة إلى الدين.

- في هذه المرحلة الدعاة لحقوق المرأة كانواً رجالاً، وغاب العنصر النسائي.

ب- المرحلة الثانية:

اختلف الباحثون في تحديد بداية هذه المرحلة، فمنهم من يرجعها إلى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، الذي أصدر فيه مرقص فهمي كتابه “المرأة في الشرق” عام 1894م، والذي أحدث هزة كبيرة في المجتمع؛ لأنه نقل موضوع حقوق المرأة إلى ميدان المواجهة مع المعتقدات الإسلامية، ومنهم يرجع بدايتها لكتاب قاسم أمين عام 1900م، والذي دعا فيه المرأة العربية إلى اقتفاء أثر المرأة الغربية، وسلك المسلك العلماني الليبرالي عند طرحه لقضايا المرأة.

كذلك نشطت هذه المرحلة في مصر بتأسيس الاتحاد النسائي المصري عام 1923م وحضرت رئيسة الاتحاد الدولي للحركة النسوية في العالم إلى مصر لمساعدة المصريات في بناء التنظيم ودعمه، ومن أبرز نسويات هذه الفترة هدى شعراوي وصفية زغلول. وكانت أبرز الملامح النسوية في هذه المرحلة:

- أصبحت الكتابات تتجه نحو المناداة بالالتحاق بركب الحضارة الغربية، وجعل المرأة الغربية نموذجاً يحتذى به، وتناولت موضوعات لم تُطرح من قبل، مثل: المساواة بين الجنسين في مرافق التعليم.

- ظهرت المرأة في ميدان التأليف للدفاع عن حقوق المرأة، ولم يَعُدْ مقتصراً على الرجال فحسب كما كان في المرحلة الأولى كدرية شفيق، والتي أصدرت مجلة “بنت النيل“.

- نظمت المرأة نفسها في سبيل نيل حقوقها في الاتحادات النسائية التي ظهرت في تلك المرحلة، وشاركت من خلالها في المؤتمرات العالمية التي تدرس وضع المرأة.

- محاولة توظيف الدين ونصوصه لتصبح صالحة للاستدلال عليها في كتاباتهم ودعواتهم.

ج. المرحلة الثالثة:

تعود بداية هذه المرحلة إلى الخمسينيات، ويرجع اعتبار هذه الفترة فترة مستقلة عن سابقتها، ونشطت في هذه الفترة حركة ثقافية قامت بترجمة الكثير من الأدبيات الفكرية والفلسفية بكافة تياراتها، والتي تخص قضية المرأة وتحررها على منظورٍ مغايرٍ للمنظور الديني، وهي التي قدمت للكُتَّاب العرب الأساس النظري في قضية المرأة، الذي يمكِّنهم من الاسترشاد في قضية المرأة على ضوئه. ومن أبرز الملامح النسوية في هذه المرحلة:

- انتقلت الدعوات النسوية في هذه المرحلة من مرحلة التأثر بنمط الحياة الظاهري والعملي للمرأة الغربية إلى مرحلة استلهام الرؤى الفلسفية الغربية، وجعلها عقيدة للمرأة في حركتها ووضعها.

- انتشر في بعض الأدبيات الربط بين تحسين وضع المرأة أو تغييره، وبين التغيير الشامل والجذري في قيم المجتمع.

- زاد الاهتمام بدراسة النوع “الجندر”، حسب أطروحات الدراسات الغربية.

وقد واجهت هذه الأفكار العديد من الانتقادات والهجوم نظرا لكونها تخرج عن الإطار المجتمعي والثقافي، كما تتعارض بشكل صريح مع الأطر الدينية التي تتبناها المجتمعات العربية والإسلامية، لذا ظهرت بعض التوجهات الجديدة التي حاولت الموازنة والمواءمة بين اعتبارات الفكر النسوي والمطالبات بحقوق المرأة، وبين الإطار الشرعي للدين الإسلامي، وظهرت اتجاه فرعي جديد  للنسوية، تحت مسمى "الاتجاه النسوي الإسلامي".

- الاتجاه النسوي الإسلامي:

وهو اتجاه نسوي فرعي للاتجاه العربي، ظهر كرد فعل لانتشار أفكار المدرسة النسوية الغربية، وانطلاقا من ضرورة احترام الخصوصية الثقافية والدينية للمجتمعات العربية، وبدأ مصطلح النسوية الإسلامية بالظهور في تسعينيات القرن الماضي، وتعتبر الناشطة الإيرانية زيبا مير حسيني أول من استخدمه. أما أبرز الحركات التي نشأت تجسيدًا لفكرة النسوية الإسلامية فهي “حركة مساواة”، وهي حركة عالمية انطلقت في مؤتمر عُقد في ماليزيا عام 2009م وحضره أكثر من 250 امرأة ورجلا من نحو 50 دولة حول العالم، وكانت الناشطة الإيرانية زيبا مير حسيني إحدى المؤسسات إلى جانب 12 شخصية أخرى. ونال المصطلح شهرته على يد الأمريكية آمنة ودود، أستاذة التفسير في جامعة فرجينيا، وتعتبر مُؤسسة المرأة والذاكرة التي أسسها عدد من النساء أبرزهن أميمة أبو بكر وهدى الصدة. ويمكن توضيح أهم خصائص المعرفة النسوية الإسلامية في النقاط التالية:

- أصالة المكون الميتافيزيقي جنبا إلى جنب مع المصادر المادية للمعرفة، ويعني ذلك المكوّن الإيمان بالله وبالغيب.

- أن المعرفة النسوية الإسلامية تستند إلى إطار معرفي عقائدي أكبر، وهي بذلك تتشابه مع النسوية الليبرالية والاشتراكية في انتمائها لغطاء فكري وعقائدي أكبر، وتبتعد عن نسوية ما بعد الحداثة التي ترفض المعرفة قبل النسوية.

- المعرفة النسوية في المنظور الإسلامي هي معرفة نقدية في جوهرها ومضمونها، إصلاحية في هدفها.

- محكومة بالضوابط الموضوعية والمنهجية الإسلامية.

- معرفة تحررية ضد السلطة المطلقة لفرد أو جنس أو رأي أو نظام وحيد.

- نمو المعرفة النسوية رهين بنمو تيار ثقافي اجتهادي في نسيج المعرفة والثقافة الإسلامية عموما.

* وقد انقسم الاتجاه الإسلامي للنسوية إلى تيارين أساسيين:

* التيار الأول: التيار النسائي الإسلامي

وأهم ما يميزه إيمانه الكامل بكل ما جاء به القرآن من أحكام متعلقة بالنساء دون ليّ أعناق النصوص، وأن ما جاء به القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان، واحترامه للتفاسير مع ترجيحه لتفسير دون آخر استنادا لقوة الدليل، وتؤمن باحثات هذا التيار بكل الأحاديث الشريفة التي صحّت سندا ومتنا، ومما يميزه أنه لا يعتمد على الفصل العنصري، ومن ثم يجتهد في هذا المجال الكثير من الرجال والنساء.

ويتشدد هذا التيار في الحرص على إثبات خصوصية هويته الإسلامية، بدءا من المصطلح "النسائي" نسبة إلى النساء، وهي اسم سورة سور القرآن الكريم، وتمييزا له عن مصطلح التيار النسوي الغربي، ويرى رواد هذا التيار أن الالتزام بأحكام الدين المتعلقة بالمرأة كجزء من الالتزام العام بالنظام الإسلامي بشموليته، وهو كفيل بحل كل المشكلات والتحديات التي تواجهها النساء، ويأخذن موقفا نقديا من الوثائق الأممية، لاعتقادهم بأنها  تأسست على هدم وتفكيك الأسرة وتزييف الوعي وتشبيه النساء بالرجال، وبرز هذا التيار بشكل أكبر في البلدان الإسلامية الأكثر تشددا كالسعودية. ولم يتجاوز كونه تيارا نظرياُ ناقدا للرؤية الغربية، له بعض الكتاب والمفكرين والكثير من رموزه هم من دارسي الشريعة الإسلامية، لكن لم يحظ التيار بمساحات واقعية واسعة للتطبيق.

* التيار الثاني: النسوية الإسلامية

وهو تيار أكثر مرونة من التيار الاول، فآمن بالفكرة النسوية بوجه عام ورأى أنها ليست نتاجا غربيا، وإنما هي أفكار تكوّنت عبر نضال النساء على مدار التاريخ إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه، ويرفض هذا التيار الفكر النسوي المتطرف الذي يعتمد على هدم كل آليات المعرفة السابقة والذي ينحاز للنساء ويبحث عن استقواء أنثوي مقابل الاستقواء الذكوري، لكنه يؤمن بأطروحة "الجندر" أو النوع الاجتماعي ويتعاطى معها بإيجابية، ويرى رموز هذا التيار أنه لا تعارض بين الفكر الإسلامي وبين الفكر النسوي أو أطروحة الجندر.

فتعرّف أميمة أبو بكر النسوية الإسلامية بأنها "موقف له منطلقات أنطولوجية معينة وهدف مزدوج، هو الاهتمام بتحسين أحوال النساء، خاصة في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، وتحقيق العدالة والمساواة للنساء، والهدف الثاني هو إصلاح وترشيد الفكر الإسلامي نفسه ومنهجيات العلوم الإسلامية والفهم الديني لإعادة قراءة المصادر الإسلامية ما يسمح ببناء معرفة إسلامية نسوية مساوتية".

- ومن الجدير بالذكر أنه داخل هذا التيار برزت مدرستين متقابلتين :

- الأولى: هي مدرسة الخارج، أي منظرات الفكر النسوي الإسلامي من النساء في البلاد الغربية حيث تشهد هذه المدرسة زخما كبيرا يرتد أثره للداخل الإسلامي، ومن أعلامها آمنة ودود، وهي مدرسة لا تتقيد في اجتهادها بأي قيد خارج منهجيتها في التفكير.

- الثانية: هي مدرسة الداخل الإسلامي، حيث تتحرك بحذر أكبر وهي تعلن أنها لا تستورد أجندتها من الخارج وأن كل ما يتعلق بأفكار خارجة عن صريح الشرع مثل المثلية ونحو ذلك من أفكار النسوية العالمية لا تعنيها لأنها تتحرك وفق المشكلات الموجودة في الداخل لدينا فقط.

وعلى الرغم من أن هذا التيار يقوم باستيراد مصطلحات وأدوات الآخر النسوية المعرفية إلا أنه يحاول أن يصبغها بصبغة إسلامية، وهو ما يعرض هذا التيار للكثير من الانتقادات والاتهامات، كونه يتبنى إطارا أكثر اتساعا ومرونة من الأطر الدينية المعروفة، إلى الحد الذي يجعل رواده يتلاعبون في تفسير بعض النصوص الدينية لكي تتفق مع الرؤى والأفكار التي يقدمونها.

يتضح من العرض السابق لأفكار وتوجهات المدرسة النسوية، والمدارس الفكرية الفرعية التي حاولت تنقيحها أو التعديل عليها، التمايز الشديد بين كل مرحلة زمنية، وكل توجه فكري للمدرسة، فنجد أن الفكر النسوي يخضع في كل مرحلة جديدة لمزيد من التحديث، ولا يزال إلى وقتنا الحاضر يشهد المزيد من التطوير المستمر، فقد تغيرت مساحات الحركة للفكر النسوي وازدادت اتساعا مع التطور التكنلوجي لوسائل التواصل، ويرى البعض أن هذه المساحات الجديدة للتعبير قادت إلى ظهور موجة رابعة للمدرسة النسوية، وهي الموجة التي ارتبطت ساحات النضال فيها بمنصات التواصل الاجتماعي، فأطلق عليها "النسوية الالكترونية"، وطرحت هذه الموجة قضايا جديدة من نوعها على ساحة الفكر النسوي، فانصب الاهتمام على إنصاف المرأة والقضاء على التحرش الجنسي والعنف ضد المرأة، حيث كانت فضائح الانتهاكات الجنسية وإيذاء النساء أحد أهم دوافع ظهور واستمرار الموجة الرابعة؛ مثل قضية الاغتصاب الجماعي في دلهي 2012م، وقضية هارفي واينستين المنتج الأمريكي المتهم بالتحرش الجنسي من قبل عشرات من السيدات عام 2017م.

فاستغلت النسويات الجدد الصفحات الالكترونية لنشر الدعوة للقضاء على هذه الانتهاكات، وفي سبيل ذلك نشأت العديد من (المواقع) و(المدونات) و(الهاشتاجات) المصممة خصيصا لرصد هذه الانتهاكات وإيقاع العقوبة على مرتكبيها، كما دعت هذه المواقع والصفحات إلى العديد من المسيرات والمظاهرات لهذا الهدف خصيصا. ومع المساحات الجديدة التي تكشف عنها التكنولوجيا يتسع إطار النسوية ومساحات التعبير عنها.

ثانيا: أوجه تمكين المرأة

يشير مصطلح تمكين المرأة إلى تقوية النساء في المجتمعات المعاصرة وقد أصبح هذا المفهوم موضوعًا هامًا للنقاش خاصة في مجالات التنمية والاقتصاد، ومن الممكن أيضًا أن يشير مفهوم التمكين للأساليب التي تمكن الأجناس الأخرى المهمشة في سياقٍ اجتماعي أو سياسي معين. يُعنى المفهوم الأكثر شمولية لمصطلح تمكين المرأة بالأشخاص من أي جنس كان (مع التشديد على الفرق بين الجنس البيولوجي والجنس كدورٍ يؤديه الشخص) وبذلك يشير أيضاً إلى الأجناس المهمشة الأخرى في سياق سياسي أو اجتماعي معين.

تعد حقوق ملكية الأراضي طريقة هامة لتحقيق تمكين المرأة اقتصاديًا وإعطاء النساء الثقة التي يحتجن إليها لمعالجة قضية عدم المساواة بين الجنسين، وغالبًا ما تكون حقوق ملكية النساء للأراضي في الدول النامية مقيدة قانونيًا على أساس الجنس فقط . حصول النساء على حقوقهن في الأراضي يمنحهن قوة للمفاوضة وبالتالي تكون لديهن القدرة على إثبات أنفسهن في مجالات عدة في الحياة سواءً في خارج المنزل أو داخله.

هناك طريقة أخرى لتحقيق تمكين المرأة وهي إعطاء النساء المسؤوليات التي عادةً ما تقع على عاتق الرجال. عندما يتحقق تمكين المرأة اقتصاديًا سوف ينظر لهن الاخرون كأعضاء في المجتمع على قدم المساواة، وبذلك تحقق المرأة احترام الذات وتتحلى بالثقة بالنفس عن طريق اسهاماتها لمجتمعها، لذا فإشراك النساء كجزء من المجتمع يترتب عليه الكثير من الاثار الإيجابية.

في دراسة أجرتها بينا أقاروال تم فيها إعطاء النساء دورًا في مجموعة تُعنى بحماية الغابات، لم تزد مشاركة النساء من كفاءة المجموعة فقط بل اكتسبن أيضًا ثقةً كبيرةً بالنفس وأصبح الاخرون بما فيهم الرجال يكنون لهن احترامًا أكبر.

تعد مشاركة المرأة، والتي يمكن رؤيتها وتحقيقها بعدة طرق، من أكثر أشكال تمكين المرأة فائدة، حيث تلعب المشاركة السياسية وهي القدرة على التصويت والتعبير عن الرأي أو القدرة على الترشح للرئاسة مع توفر الفرصة العادلة للانتخاب دورًا كبيرًا في تمكين المرأة، ولكن المشاركة لا تقتصر على مجال السياسة فقط بل تتضمن أيضًا المشاركة في المنزل والمدرسة والقدرة على اتخاذ القرارات الشخصية وبالطبع فإن هذا النوع من المشاركات يجب تحقيقه قبل الانتقال إلى المشاركة السياسية الأكثر اتساعًا.

تتحقق المساواة بين الرجل والمرأة بشكل أكبر عندما تمتلك المرأة القدرة على فعل ما تريده لذا يُعتقد بأن إعطاء القروض الصغيرة وسيلة من وسائل تحقيق تمكين المرأة، فقد أصبحت الحكومات والمنظمات والأفراد يولون اهتمامًا كبيرًا لهذا النوع من التمويل حيث يأملون بأن إعطاء القروض سيسمح للنساء بأداء وظائفهن في الأعمال والمجتمع والذي بدوره يمكنهن من تحقيق الكثير في مجتمعاتهن.

أحد الأهداف الأساسية التي أنشأ من أجلها تمويل المشاريع الصغيرة هو تمكين المرأة حيث تعطى القروض ذات معدل الفائدة المنخفض للنساء في المجتمعات النامية لكي يستطعن بدأ مشاريع صغيرة تساعدهن في إعالة عائلاتهن، وعلى الرغم من ذلك فإن نجاح وكفاءة القروض الصغيرة موضوع جدلي ودائمًا ما يتم نقاشه.

كان للاستخدام المتنامي للشبكة العنكبوتية في أواخر القرن العشرين دورًا في السماح للنساء بتمكين أنفسهن من خلال استخدامهن للإنترنت بطرق مختلفة، ومع ظهور الشبكة العنكبوتية العالمية بدأت النساء باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر للتعبير عن مطالبهن، ومن خلال هذا النهج الجديد الذي اتخذته النساء أصبح بإمكانهن تمكين أنفسهن من خلال تنظيم الحملات والتعبير عن آرائهن فيما يخص تساوي الحقوق بين الرجل والمرأة دون أن يشعرن أنهن مضطهدات من أعضاء المجتمع ، فعلى سبيل المثال أطلقت 100 امرأة مهتمة بقضايا المرأة حملة على الإنترنت في 29 مارس 2013م أُجبر على أساسها موقع فيسبوك والذي يعتبر أهم مواقع التواصل الاجتماعي على إغلاق صفحات عدة كانت تنشر الكراهية ضد النساء. وفي السنوات الأخيرة أصبح التدوين أيضًا أداة هامة للتمكين التعليمي للمرأة، فوفقًا لدراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجلوس اتضح أن المرضى الذين يقرأون ويكتبون عن المرض الذي يعانون منه يكونون غالبًا أكثر سعادة وثقافة من غيرهم من المرضى، وذلك لأن قراءة تجارب الاخرين تساعد المرضى على تثقيف أنفسهم بشكل أفضل وتمكنهم من تطبيق الاستراتيجيات التي يقترحها المدونون الاخرون. في الوقت الحاضر أصبح بإمكان النساء الدراسة من منازلهن وذلك بسبب سهولة الوصول للتعلم الإلكتروني وقلة تكلفته، والتمكين التعليمي للمرأة من خلال التقنيات الجديدة كالتعلم الإلكتروني يكسبها أيضًا مهارات جديدة تساعدها في العالم المتقدم اليوم والمتسم بالعولمة.

يمكن قياس تمكين المرأة من خلال مقياس تمكين المرأة (GIM) الذي يوضح مدى مشاركة النساء في دولة ما في المجالات السياسية والاقتصادية، ويتم حساب هذا المقياس عن طريق رصد حصة النساء من مقاعد البرلمان وحصتهن في المناصب التشريعية والمناصب الإدارية والرسمية العالية وأعداد النساء من أصحاب المهن والعمال الفنيين. كما يحسب المقياس اختلاف الدخل المستحق بين الجنسين والذي يعكس درجة الاستقلال الاقتصادي للمرأة، ثم يُصنف المقياس الدول بناءً على هذه المعلومات. هناك مقاييس أخرى تأخذ بعين الاعتبار أهمية المشاركة النسوية والمساواة ومن ضمنها: مؤشر المساواة بين الجنسين ومؤشر التنمية المتعلقة بالجنسين (GDI).

تكمن المشكلة في صعوبة قياس التمكين إذ أن دائما ما يحدث خلط بين النتائج والموارد إذ أن حصول المرأة على عمل قد يكون ناتجا أو موردا لعملية التمكين.

للتمكين معطيات ثلاثة هي الموارد مثل العمل والتعليم التي تعتبر عناصر مهمة في عملية التمكين والعامل البشري (وهو في هذه الحالة المرأة) والنتائج والانجازات التي تتمثل في المكاسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي بمثابة المؤشرات التي يمكن على اساسها قياس مدى نجاح عملية التمكين.

عندما يتم تمكين المرأة لتعمل وتساهم بشكل أكبر تصبح إمكانية النمو الاقتصادي أكثر وضوحًا، حيث تعتمد معظم النساء حول العالم على قطاع العمل غير الرسمي كمصدر للدخل. تمكين المرأة في الدول النامية أمرًا أساسيًا لتقليل الفقر العالمي وذلك لكون النساء يشكلن جزءًا كبيرًا من عدد الفقراء في العالم. وإقصاء جزء كبير من القوى العاملة لدولةٍ ما على أساس الجنس فقط له اثار سلبية على الاقتصاد.

كما أن مشاركة النساء في المشاورات والمجموعات والأعمال تزيد من فعاليتها. وللحصول على فكرة عامة عن تأثير تمكين النساء على الاقتصاد فقد أجريت دراسة على الشركات المتواجدة في قائمة فورتشن 500 (وهي قائمة سنوية تصدر عن مجلة فورتشن تضع ترتيبًا لأعلى 500 شركة أمريكية حسب إيراداتها) ووجد أن " الشركات التي تضم نساء أكثر في مجالس إداراتها تحقق عوائد مالية أكبر من غيرها وتضمنت الزيادة 53% في حقوق الملكية للمساهمين و42% في المبيعات و67% في رؤوس الأموال المستثمرة " .

فهذه الدراسة توضح المنافع الاقتصادية التي تترتب على وجود النساء في الشركات، ولو تم تطبيق هذا الأمر على نطاق عالمي فضم النساء للقوى العاملة الرسمية (مثل ما فعلته الشركات في قائمة فورتشن 500) ستزيد من الإيرادات الاقتصادية للدولة.

وإن استطاعت النساء تسخير المعرفة والمهارات التي يمتلكنها في وظائفهن فإنهن حتمًا سيساهمن في ازدهار الأعمال والاقتصادات.

ثالثا: وضع المرأة العربية اليوم

في القرنين العشرين والحادي والعشرين، استطاعت المرأة ضمان بعضٍ من حقوقها في الدستور والقوانين، فاستطاعت المرأة تحقيق استقلالها المالي، وبدأت دخول سوق العمل والحصول على أرفع الشهادات التعليمية، كما استطاعت أيضاً استلام مناصب حكومية مختلفة، بعضها كان حكراً على الرجال فقط.

لا ننكر فعلاً أن ”معظم“ الحكومات العربية، بمختلف توجهاتها السياسية، جعلت للمرأة مكانة مهمة. لكن إن نظرنا إلى الصورة الكبرى، نلاحظ أن تلك الأدوار التي استطاعت المرأة تقلدها بعيدة كل البعد عن واقع عددٍ لا بأس به من النساء، وفي حالات أخرى، الفجوة أكبر اتساعاً بكثير.

ففي مصر مثلاً، بإمكان المرأة اليوم شغل مناصب في الوزارات والقضاء، واستطاعت كسب حقها في التعليم والمساواة مع الرجل، وجاء دستور عام 1956م ليؤكد على حق المرأة في الاقتراع، تلك أمور مهمة بلا شك، لكن ماذا عن واقع المرأة المصرية بشكل عام؟ يأتيكم الجواب من المركز المصري لحقوق المرأة، حيث أكد المركز أن المرأة المصرية لا زالت، على الرغم من تلك الجهود، تتعرض لأشكال مختلفة من العنف.

جاء في أحد دراسات المركز أن 40٪ من النساء اللواتي خضعن للدراسة يتعرضن للعنف في وسائل النقل، و37٪ يتعرضن للعنف في العمل، وأكدت 79٪ من النساء أن الفقر هو أحد العوامل الأساسية المساهمة في تعرض المرأة لتلك الانتهاكات. وفي استطلاع للمركز نفسه عام 2010م، جاء فيه أن 83٪ من النساء، من أصل 1000 امرأة خضعت للدراسة، تعرضن للتحرش الجنسي.

لم نصل بعض إلى إحدى أخطر وأبشع القضايا التي تواجهها المرأة في عالمنا العربي، وهي قضية جريمة الشرف التي تعاني منها نساء الطبقات المتوسطة والفقيرة بشكل رئيسي. لا وجود لإحصائيات دقيقة عن العالم العربي، لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن جرائم الشرف مرتبطة بعادات وقيم بالية موروثة، فمن غير المستبعد أن جرائم الشرف حصلت أو قد تحصل في جميع الدول العربية بدون استثناء.

للأسف، فإن نسبة لا بأس بها من النساء المتعلمات والطالبات تعرضن لجريمة الشرف، ما يعني أن هذه الجريمة لا تتعلق حصراً بالوضع المادي أو التعليمي للأسرة. ما يثير السخط أن الحكومات نادراً ما تحاول وضع حدّ لهذه الجريمة، وإن فعلت، فالعقاب بسيط جداً مقارنة بفظاعة الفعلة.

في ورقة للباحثة فاطمة خفاجي بعنوان «جريمة الشرف في مصر»، أوردت الباحثة أن النظام القضائي في مصر متناقض، فهو يمنح المرأة حقوقها في المجال العام، بينما يقيدها على النطاق الخاص. حيث أن العائلة في مصر هي النواة الرئيسية في المجتمع، وتلعب البنية والعلاقات العائلة دوراً ملحوظاً في تحديد فرص عمل المرأة. وقالت أيضاً أن المشكلة لا تكمن في القانون، كحال الكثير من الدول العربية التي تسن قوانيناً لصالح المرأة نظرياً فقط، وإنما في تطبيق تلك القوانين، ففي الكثير من الحالات، يتأثر حكم القضاة بالانحياز الذكوري الأبوي ذاته الموجود لدى أسر ضحايا جرائم الشرف.

معظم النساء في المجتمعات الفقيرة يتعلمن أن هدفهن في الحياة هو الزواج، على الرغم من حق المرأة أيضاً باستكمال تعليمها وارتقاء مناصب مهمة في الدولة، لكن العقلية السائدة هي المؤثرة.

في المقابل، وبالرغم من الإنجازات التي كسبتها المرأة المصرية، لا تزال الفقرة السابعة عشر من قانون العقوبات الجزائية المصري تسمح بتخفيف الحكم على المتهم بجريمة الشرف إن ارتأى القاضي أن ظروف جريمة القتل تبيح ذلك، فلا يمضى المجرم سوى 6 أشهر، بإمكانه بعدها الخروج.

جرائم الشرف لا تقتصر على بلد معين، وآخر دليل هو جريمة الأب الأردني الذي قتل ابنته وجلس يحتسي الشاي بجانب جثتها. في هذا البلد، لا يزال قانون العقوبات يبرر جرائم الشرف ويتساهل مع الجناة، ونادراً ما يجري الإبلاغ عن تلك الجرائم، حتى هزّت الحادثة الأخيرة ضمير الأردنيات والأردنيين، فخرجت المظاهرات المطالبة بتصحيح هذا الخلل.

تفاعل الناشطون الأردنيون مع قضية مقتل أحلام، الشابة الأردنية المغدورة، ونزلوا إلى الشوارع وطالبوا بوقف هذه الجريمة. لكن الحال كذلك في كل مرة، وفي كل بلد، وقفات احتجاجية وتغريدات ووسوم، بينما ترى أن الشطر الآخر من المجتمع يبرر هذه الجريمة، من بدأ الاعتقاد الكامل بضرورة جرائم الشرف، أو من مبدأ «التعاطف مع الجلاد»، حيث تجد الكثير من النساء، سواء في الأردن أو باقي الدول، لا يشعرن أن هذه الجريمة هي قمع وحشي لحقوقهن، بل يتعاطفن مع جلادهن ويرون ضرورة تطبيقها لأسباب لا يعلمنها أنفسهن. المثير للاستغراب أن القانون الأردني عُدل عام 2017م لإيقاف هذه الجريمة، وبالفعل، تناقص عدد جرائم الشرف في الأردن بنسبة كبيرة مؤقتاً، لكن ذلك لم يمنع من عودتها بطرق أشرس وأشد وحشية.

يتضح لنا من المثالين السابقين في مصر والأردن أن المشكلة لا تكمن في القوانين، ولا في تقصير الحركات النسوية والناشطين المناصرين لحقوق النساء، على الرغم من مآخذنا على تلك الحركات، بل في عقلية المجتمع ككل، رجالاً ونساء. ففي حديث لرئيسة جمعية معهد تضامن النساء الأردني، إنعام العشا، بخصوص جريمة قتل أحلام، قالت أن «الأحكام الأخيرة مغلظة بحق الرجل المعتدي، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في التطبيق العملي والبنية الفكرية المجتمعية التي لا تزال محملة بالعنف تجاه المرأة، وتستهتر من مراجعة النساء للمراكز الأمنية». أي أن المشكلة لا تكمن في العنف الموجه من الرجال ضد النساء، لكن في العنف الموجه من النساء ضد النساء، كالأم مثلاً.

إحدى الجرائم الأخرى البشعة ضد النساء هي الختان، وهي عادة لا تنحصر فقط في المجتمعات العربية، بل تتعداها إلى الكثير من دول العالم، ولسوء الحظ، تُعتبر مصر من أكثر الدول تُمارس فيها عادة ختان الفتيات في العالم أجمع، الرابعة عالمياً وفق اليونيسيف والثالثة عربياً بعد الصومال وجيبوتي. والمصيبة أن الدولة المصرية تملك قوانيناً تجرم ختان الإناث، وهناك الكثير من المحاولات لإبطال هذه العادة وزيادة نسبة الوعي لدى السكان، حتى من طرف المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، ومع ذلك، أوضحت إحصائية من عام 2014م أن 92٪ من السيدات اللواتي تزوجن من سن 14 إلى 42 تعرضن للختان، بينما بلغت نسبة النساء اللواتي تعرضن للختان عام 2000م نحو 97٪.

والمصيبة أن 37% من الأمهات يجرين عملية الختان لبناتهن، بينما بلغت نسبة النساء اللواتي يتراوح عمرهن من سنة إلى 7 سنوات وتعرضن لعملية ختان هي 21%. صحيح أن هذه العادة تكثر في محافظات الصعيد، لكن نسبتها بلغت في القاهرة مثلاً 35%. ولم نبدأ حتى في التحدث عن قوانين أكثر إجحافاً، مثل تلك المتعلقة بالزنا.

في بلد أكثر انفتاحاً كلبنان، نلاحظ أن العنف ضد المرأة واضطهاد حقوقها لا يزال موجوداً. صحيح أن قانون الجنسية هو إحدى أبرز أشكال التمييز التي تتعرض لها النساء اللبنانيات، لكنه ليس الوحيد. فعلى الرغم من القوانين الكثيرة التي تنصف المرأة في عدة مجالات، ومنحها حق العمل والمساواة بين الأجور والأمن الوظيفي وإجازة الأمومة وغيرها من الأمور البديهية، لكن على أرض الواقع الامر مختلف قليلاً، خاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية.

يشهد لبنان ارتفاعاً في نسبة البطالة بين الإناث مقارنة بالذكور، ولا يزال بعض اللبنانيين يفرضون على نسائهم أو بناتهم البقاء في المنزل لأسباب محافظة، حيث نرى أن التمييز يحدث من أسباب شخصية بحتة، وليس قانونياً، حيث يملك لبنان قوانيناً منذ خمسينيات القرن الماضي تحظر جميع أشكال التمييز ضد المرأة في الحقوق المدنية والسياسية. وعلى الرغم من حضور المرأة في المجال السياسي، بل تسلمها مناصب وزارية كالوزيرة زينة عكر مثلاً، لكن حضور المرأة السياسي لا يزال ضعيفاً، إذ يحتل لبنان المرتبة الـ 143 من أصل 144 في نسبة تمثيل المرأة بالبرلمان، وعلى الأرجح أن السبب يرجع إلى نظام المحاصصة الطائفية المعتمد في هذا البلد، هذا بالإضافة إلى العقلية الذكورية التي لا يمكن القول أنها غير موجودة.

في بلدان أخرى، مثل الجزائر، كان للمرأة دور يختلف من منطقة لأخرى ومن زمن لآخر. ففي حرب الاستقلال الجزائرية مثلاً، انخرطت العديد من النساء في جبهات التحرير لإجلاء المستعمر عن أرض بلادهن، بعضهن من سكان المدن المتعلمات، وبعضهن من سكان الأرياف. لكن مع حصول الجزائر على الاستقلال، عادت النساء إلى حضن العادات والتقاليد الموروثة. وعلى الرغم من القوانين التقدمية اليوم لصالح المرأة، لكن المشكلة تكمن في المجتمع بحد ذاته.

شددت الجزائر قوانينها المتعلقة بالعقوبات على مرتكبي العنف الجسدي والمعنوي ضد المرأة أو استغلالها مالياً، بل وصل القوانين إلى حد السجن المؤبد لمن يقتل زوجته، حيث تشير إحصائيات جزائرية إلى وفاة ما لا يقل عن 100 امرأة سنوياً جراء العنف الأسري.

استطاعت المرأة الجزائرية تأسيس حركات وجمعيات نسوية لتكسب بعض الحقوق، خاصة في مجال الحقوق المدنية والتمييز، لكن هل يؤيد الشارع الجزائري بأكمله هذه الحقوق؟ يبين لنا الواقع مجدداً أن القوانين قد تكون مجرد حبر على ورق: ففي عام 2017م، برزت 7500 حالة عنف ضد المرأة، منها 190 حالة تحرش جنسي و17 حالة قتل، بينما كان عدد الحالات أكبر في العام الذي سبقه (8400 عام 2016م).

بالطبع، لا تعكس هذه الأرقام وغيرها من باقي الدول الحالات الحقيقية على أرض الواقع، والأسباب عديدة، منها الأعراف والتقاليد التي تمنع وصول هذه الحالات إلى الإعلام أو السجلات الرسمية. ما يبين لنا أن جهود الجزائر في ترسيخ دور ومكانة المرأة، سواء بالقوانين والتشريعات أو تسليمها مناصب قيادية في الجيش والبرلمان، لا تزال ضعيفة بسبب العقلية الذكورية السائدة.

في بعض دول الخليج، كالكويت والبحرين، كان للمرأة حضور لا بأس فيه حتى ولو جاء متأخراً، حيث استطاعت النساء في الكويت تحصيل حقهن في الاقتراع وفي التمثيل السياسي والبرلماني بل وحتى القضائي. لكننا نجد اليوم أن هذه النسوية باتت «نسوية طبقية»، أي هي حكر على سيدات المجتمع الراقي، حيث تشهد الكويت اليوم تراجعاً في نسب تمكين المرأة سياسياً وبرلمانياً، لكن الحق يُقال أن النساء في الكويت استطعن كسب الكثير من الحقوق، ووضعها في الكويت أفضل بكثير من وضعها في عدد من دول الخليج الأخرى، كالسعودية مثلاً.

في تونس، البلد الذي استطاع بجدارة الخروج من حقبة الاستبداد والدكتاتورية، وفي ظل القوانين والتشريعات الجديدة التي حسّنت واقع المرأة إلى مستويات غير مسبوقة في عالمنا، كالمساواة بين الجنسين ومكافحة العنف تجاه المرأة، نجد أن النساء هناك استطعن إلغاء أشكال كثيرة من التمييز ضدهن حتى في مجال الميراث.

لكن كالعادة، برزت أصوات كثيرة في هذا البلد تعارض تلك القوانين والتعديلات. بالطبع، رحبت غالبية التونسيين بتلك المقترحات، لكن البعض ارتأى أنها تتعارض مع «قيم الإسلام» وأن الحكومة غير مهتمة بالفقر والبطالة بقدر اهتمامها بنسخ قيم الغرب، وأن لتونس «أولويات» أهم.

بمجرد إجراء مقارنة بسيطة، بين تونس ومختلف الدول العربية الأخرى، نجد أن الوعي المجتمعي وإدراك الإنسان لحقوقه هو المؤثر الحقيقي وليس القوانين وحدها، بل أن حصول الإنسان على حقوقه المدنية لا يمكن أن ينبع من دولة تعتمد تشريعات وقوانين دينية ولا من مجتمع «محافظ»، مع غياب أي تعريف واضح لكلمة «محافظ»، ولا يمكن التستر على ذلك التناقض من خلال القول أن «الدين لا يسمح بذلك» أو أن «هذه القوانين تتعارض مع ثقافتنا العربية أو الدينية».

الإشكالية الرئيسية اليوم لا تكمن في «تشيئ» المرأة فحسب، بل جعلها المذنبة الرئيسية عن كل ما يحصل لها، خاصة في مجال التحرش الجنسي. فعلى الرغم من القوانين الرادعة لهذا الفعل، لكننا نسمع مراراً وتكراراً ادعاءات من أطراف محافظة أن المرأة هي المسؤولة عن وقوعها ضحية التحرش، وتلك عبارة تحقيرية تدنس كرامة وحرية وحقوق المرأة بشكل وقح ومكشوف، وبينما تتولى النساء اليوم مناصب مهمة في السلطات، نجد أنها في الوقت ذاته تتعرض لأشكال بشعة من الاضطهاد، فقط لأنها امرأة. ما يعني أن هناك فجوة كبيرة بين الواقع المتخيل لدى داعمي النسوية، وبين الواقع الحقيقي.

لن تستطيع النساء في العالم العربي تحقيق نجاحات ملحوظة ما لم ينتقل الحراك النسوي من المستوى المحلي، وتبدأ الحركات المعنية بشؤون المرأة بالاطلاع على الصورة الواقعية والحقيقية للاضطهاد الذي تتعرض له النساء، ولا يجب عليها الاكتفاء بمجرد تغريدات على وسائل التواصل أو استنكارات لا تفيد ولا تغني.

خاتمة:

تمكين المرأة، بشكل عام، يعزز ثقتها بنفسها ويحسن وضعها كفرد له قيمة بالتالي ينعكس على الإنتاجية الكلية للدولة حيث يتكون تمكين المرأة من خمس مكونات، كما ذكرت الدراسات المختلفة، هي احساس المرأة بقيمة الذات وأن يكون لها الحق في الاختيار وحقها في امتلاك الفرص والموارد وحقها في امتلاك القوة والسيطرة على حياتها داخل وخارج المنزل وأن يكون لها القدرة على التأثير في اتجاه التغيير الاجتماعي لخلق نظام اقتصادي واجتماعي أكثر عدالة على الصعيدين الوطني والدولي.

إن من أهم التحديات التي تواجه تمكين النساء وجود جملة من العوائق النفسية التي يرجع جزء كبير منها للمرأة نفسها متمثلا بانخفاض تقدير الذات ونقص الثقة بالنفس والخوف من الفشل لذا يجب التركيز على هذا النوع من التمكين ليكون أرضيه صلبه لباقي أنواع التمكين الأخرى ولا يخفى على أحد بأن التمكين لا يقتصر على النساء فقط وإنما يشمل جميع الأفراد والجماعات المستضعفة والمهمشة في المجتمع لكن ارتبط مفهوم التمكين في دراسات التنمية بالنساء.

 

أ. د. هاني جرجس عياد

أستاذ علم الاجتماع

جامعة سليمان الدولية

 

في المثقف اليوم