أقلام فكرية

سامي عبد العال: لماذا تغيب الفلسفة؟.. باثولوجيا الثقافة (5)

"غياب الفلسفة مجرد عرض لحزمة أمراض ثقافية مُزمنة لم تُكتشف كل جذورها البعيدة بعد"

السؤال كالتالي: ما هي بدائل غياب الفلسفة حين تتوارى عن استعمالات العقل؟ ربما الإجابة شبه واضحة، إذ أنه ما لم يكن ثمة (زراعة) لدور الفلسفة، فإنَّها تدفع المجتمعات لمعاناة غيابها (انتقام تعويضي كما يقول كانط) في نواحٍ أخرى من التفكير. وهذا نوع من (القصاص الثقافي) لحياة مهدرة لا تتبنى أسئلةً جوهريةً حول الموضوعات العمومية ولا تعتني برؤى الحياة وكيف تتيح تاريخاً حيوياً للأفراد. ولذلك تُشتق البدائل دائماً من (جسم الثقافة ولحمها الحي) تحت غطاء السلطة كما أشرت. هذه (السلطة السائدة) التي تقرر ما إذا كانت ثمة بدائل ثقافية أنجع من سواها في تحقيق مآربها أم لا؟

وبذلك يكون دفع الثمن التعويضي نتيجة غياب الفلسفة مزدوجاً في حياة الناس:

أولاً: انحسار الأفاق الفلسفية لمسارات التفكير ونتائجها في الواقع. وبالتالي ضياع بوصلة التفكير الكلي الذي لا يغرق في تفاصيل الحياة اليومية.

ثانياً: الحركة التعويضية- بشكل مقلوب- لأخطاء التصورات في المجتمع والسياسة والمعرفة. أي أن هناك تغليباً لبعض الأخطاء في شكل ممارسات عامةٍ لا تأخذ بالعقلانية والمنطق والمعرفة العلمية المتطورة.

ذهنيات شفاهية

على خلفية غياب المفاهيم الفلسفية، ظهرت ذهنيات سردية narrative وشفاهية oral في مجال الفكر. حيث كان نموذج المعرفة هو الإدراك والتفكير عن طريق الأذن. العقل في ثقافتنا العربية هو الأذن ليس أكثر. وأقرب الأمثلة قصص (ألف ليلة وليلة) التي شكلت حاشية الخيال العربي ردحاً طويلاً من الزمان. إن مجتمعاً يعتمد خيالُّه على الحكايات الشفاهية (القيل والقال ثم الحفظ و التلقين ومن قبل العنعنات) لن يستطيع صناعة المفاهيم دون صعوبةٍ.

العقل لدينا يعاني من ضعف التفكير بطريقة المفاهيم. فالأخيرة تفترض فكرة ورؤية نسقية وعلاقة بالمفاهيم الأخرى على نطاق أكبر دائماً. إذ يفترض القدرة على الاصطلاح الدال على المعنى العام والمقنن له في شكل معين. عندئذ فإن فضاء المفهوم بمثابة المنطق الذي يبلور المعنى والممارسة جنباً إلى جنب. أي يضع العقل داخل سياق التفكير العملي، حتى وإنْ كان في قضايا نظرية. لأنه يستند إلى شبكة من المفاهيم كما أنَّه يشق طريقاً عملياً موازياً.

والمفهوم يسترشد بالكلمة اليونانية الدالة علىه (إيدوسeidos) وتعني الشكل أو القدرة على الإبصار بالعقل(logos) كما استخدمها بارمنيدس في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد. فالمفهوم نوع من البصيرة التي تفسر وتضفي منطقاً على الأفكار المستقاة. ويُذكر المفهوم في إطار الحقيقة، يصف بارمنيدس في مقدمة قصيدةٍ (نفسه) وهو يركب عربة تجرها الخيل من الظّلام إلى النور، وعند بلوغه الباب قادَته العذارى إلى الآلهة، يقول: واستقبلتني الآلهة بترحاب وأخذت يدي اليمنى بين راحتيها، وخاطبتني بهذه الألفاظ: لقد أُرسلت في هذه الطّريق بأمر العدَالة وإنه لطريقُ بعيدٌ عن أقدَام البشر. ويجبُ أن تتعلّم كلّ شيء، عن قلب الحقيقَة الجيدة الاستدارة الذي يتزعزع، وعن ظنون البشَر، وفي هذه الأشياء لا تضعنّ أيه ثقة. ورغم هذا، فإنه يجب أن تعرفها هي أيضاً، وأن تعرف كيفَ توجد المظاهر بحسب هذه الظنون".

بينما كانت الخطابات البديلة في الثقافة العربية انفعالية عاطفية أحياناً  وغوئائية غريزية دون منطق أحياناً أخرى. وربما لا تهدف إلى شيء بقدر ما تهدف إلى حشد الجماهير تحت فكرة السمع والطاعة. وهي تسييس الأجساد والرؤوس داخل حظيرة الأنظمة السياسية. وبالتالي تصبح الثقافة هي سياسة هذا (الحيوان البشري)، لكيلا يعلن التمرد والانفلات من ربقة الأوضاع السارية. وتلك ضربة قاسمة لكل تفكير حُر يؤسس لرؤية أصيلة في الحياة والمعرفة. ولنأخذ بعض الأمثلة العابرة على تلك الفكرة.

الخطاب الديني (أصولي- أخروي)

خطاب يقدم رؤيته حول العالم والتاريخ والحقيقية بمنطق الهيمنة الحسية والفكرية بداية ونهاية. ومؤخراً لدى الجماعات الدينية كان خطاباً كونياً لتدمير مظاهر الحياة وإقصاء الإنسان أينما وجد. والخطاب الديني ليس هو الدين ولا النصوص المؤسسة، لكنه نتاج لهذه المعطيات الاعتقادية التي تشكلت ثقافياً واكتسبت بقوة الواقع نوعاً من الغلبة والتكرار. هو سلطة الدين حين يضع الوعي إزاء خياراته القصوى. فالإنسان يمارس عبوديته للدين بالتوسط من خطاب آخر ينبني عليه ويلجأ إليه المؤمنون. إنه حينئذ علامة فارقة في تاريخ العقل عندما يُعطي الفرد نفسه لخطاب وسيط طارحاً إمكانيات التفكير جانباً.

وإذا كان أرسطو قد قال إن الفلسفة تمرين على فضيلة طاعة القانون، فالوازع الديني يقوم على الترهيب والترغيب. فالعذاب على سبيل المثال مقولة جارية بذات المنطق الأخروي. لدرجة أن الحس العربي ربما لا يفهم ماذا هو فاعلى في المجال العام إلاً إذا كان المطلوب سارياً بقهر الخوف، أي بالزجر والتسلط أحياناً.

الخطاب السياسي (برجماتي- وصولي)

وهو خطاب يعتمد على الحالة القائمة والمراوغة من أجل كسب المصالح. وفي السياسة لا يوجد يقين، لأنَّ الواقع أكبر مما يضم تحت مقولات، ويستحيل كذلك اعتباره لغة قابلة للإنجاز من أول وهلة. ولذلك عندما يتحدث السياسيون عن الحرية والعدالة والديمقراطية، فإنهم يجسدون الخيال بضربات خطابية. فالوعود أكبر من الواقع كما أنَّ الفعل يبدو بعيداً عن التحقق في الواقع، لأن مرجعية وسياق الكلام يحتاجان إلى تحديد. وبذلك سيكون الكلام متسلقاً على الافتراض الذي لا يتوقف.

الخطاب الفكري (تمثيلي- تكراري)

خطاب يروج للأفكار السائدة. يجيب عن السؤال التالي: كيف يتصرف الأفراد في حيواتهم المشتركة؟ ولا يتلقون ذلك مباشرة بشكل تنظيري ولا معرفي، لأنَّه لا توجد حرية الكلام ولا الفعل. إنما يتأسس هذا الجانب من خلال الأفكار الشائعة والإعلام وبرامج الحوارات والأغاني والدراما التليفزيونية والإذاعية. تلك التي قال عنها بعض النقاد والكتاب إنها (ديوان العرب المعاصر). وهذا الخطاب أخطر أنواع الخطابات لكونه متداولاً بشكل صامت في جنبات المجتمع ويدور على كافة العقول مع الطقوس الاجتماعية والمناسبات والعلاقات العامة وصور التعليم والتداول عبر العالم الافتراضي.

كما أنَّ الخطاب الفكري لا يستأذن عندما يستقر في الدماغ ولا يتوانى عن اعادة هيكلة الأولويات في المجتمع لصالح ثقافة التفاهة والاسفاف والقطيع والاحتشاد. وهو خطاب يضيع معالم شخصيات الأفراد ويدفعهم للتكالب على الغرائز التي تسوقها الثقافة الشعبوية مثل الخنوع والكسب السريع والمحسوبية والتملق والنفاق.

وكل ذلك على حساب ثقافة الأصالة والإبداع. بل المقارنة في الواقع لن تنصف ما هو أصيل، لأن هناك إزدواجية كما أشرت في الرؤى بين هذا الواقع الشرس والتفكير الآخر. ولاسيما أن الواقع غالب بتفضيلاته وغلبة أفعال المجتمعات المقبولة لدى أصحابها. وهو ما يترتب عليه إزدراء الإبداع.

هناك في التراث الشعري المصري المملوكي أحد الشعراء هو" أبو الحسين الجزار" الذي ترك الآداب وامتهن الجزارة سعياً للكسب وتحصيل بعض المنافع. لأنَّ الآداب لا توفر له حياة كريمة ولا تجد قبولاً واسعاً في المجتمع:

لا تلمني يا هذا ... إذا ما رأيتني قصاباً

كيف لا أشكر الجزارةَ ... ما عشت حياً وأرفض الآدابا

فبها أضحت الكلاب ترجُوني ... وكنت قبلها أرجو الكلابا

ومن ثمَّ، فإنه نتيجة فوضى التفكير واختلال المعايير، تجسد الثقافة جوانب مرضية. وهي جوانب تتجلى في شكل أزمات (أمراض) تطبع فاعلى الثقافة بحالات تتجاوز المواقف النسبية. يرى كانط أن الكسل والجبن هما السبب الذي يجعل طائفةً كبيرةً من الناس يظلون، عن طيب خاطر، قاصرين طوال حياتهم، حتى بعد أن تكون الطبيعة قد حررتهم، منذ وقت طويل، من كل قوة خارجية، والذي يجعل أخرين ينصبون أنفسهم بسهولة أوصياء عليهم.

الخنوع والاستسلام

مع انعدام الاختلاف والتميز الفكري ضعفت (الشخصية العقلية) للأفراد التي من المفترض أن تقوم على تحرر المفاهيم. سادت غرائز الجموع في التعامل مع الآخرين والظواهر. إذ ليس ممكنا اعتبار الآخر انساناً. وعندما يفقد الفرد قدراته على التحرر الذاتي، يقع بسهولة في فخ الإستسلام للحالة العامة ويساير الجموع.

ذهب كانط إلى أنه من المريح جدا أن يكون المرء قاصراً.  فإذا كان لدي كاتب يفهم نيابة عني، وواعظ له ضمير نيابة عني، و طبيب يحدد لي نظام تغذيتي دوم مجهود مني …الخ. فإني لن أحتاج إلى أن أجتهد بنفسي. ليس من الضروري أن أفكر ما دمت قادراً على دفع الثمن؛ ذلك أن الآخرين سيتحملون دائماً هذا العمل المزعج نيابة عني.

وهناك في بعض المجتمعات العربية يعتبر التفكير مرادفاً للهم والنكد، وغالباً ما ترفع السلطات فيها بأن على المواطن ألا يحمل هماً لأي شيء فإن النظان سيفكر بدلاً عنه وسيرتب له أمور الحياة.  وهذا تطبيق حرفي لعبارة كانط ولكنها تتم لدينا رغم ذلك بشكل فج.

العنف والإقصاء

في غياب الحوار والتفكير الحر المؤسس فلسفياً يكون العنف هو سيد الموقف. والعنف هنا ليس حكراً في أيدى الارهاب الديني و لا جماعات هامشية تمارسه لإثبات حضورها. بل أخطر أنواع العنف هو عنف الجموع والحشود البشرية، هؤلاء الذين هم أكثر دموية من سواهم. و التنظيمات الدينية ما هي  إلا أحدى الانماط العنيفة في استعمال الدين كسلاح فقط. لكننا رأينا عندما سقطت الأنظمة العربية تحولت الجموع إلى أسلحة جسدية فتاكة. كان الجسد هو الحربة التي تدمر من يقابلها مع مجريات الأحداث. لدرجة هذا السطو المسلح على مقدرات ومؤسسات الدولة.

رأينا انفجار العنف إلى أقصى مدى في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا. وباتت الجماهير في حلٍّ من التوقف عنه، وبدلاً من إمكانية التصرف بعقلانية انخرطوا في احتراب قبائلي بين بعضهم البعض. وكانت السياسة هي الحظيرة الجديدة لبقايا العشائر والعائلات والقبائل الغابرة. حتى أنه لا توجد مفاهيم ولا فضاءات عمومية بإمكانها استيعاب هذا الاختلاف والتباين بشكل منتج لصالح الجميع.

لا يعني هذا أن الفلسفات هي ما ترسخ الإلتقاء حول هدف وحوار فاعل، بل التجربة الحرة التي يلتقي حولها الناس مهمة جداً. وهي تجربة تحتاج تراكماً تاريخياً فاعلاً داخل كافة جوانب المجتمعات. وأن يشعر الناس جميعاً أنها تجربة ينتمون إليها دون تفرقة.

وهذا الوضع المنشود حول هدف عام هو ما لاحظة هيجل أمراً مفقوداً في ثقافات خارج أوروبا في إشارة إلى أهمية التخلي عن الفوضى، وكأن أوروبا وحدها هي التي اخترعت المجتمع والدولة. قال بنوع من التعالي الميتافيزيقي الفارغ تجاه الآخرين: في هذا الجزء الأساسي من أفريقيا (يقصد المجتمعات الأفريقية)، لا يمكن أن يوجد تاريخ بأتمّ معنى الكلمة. ما يحدث هو متوالية من الحوادث، والوقائع المثيرة. لا توجد غاية، أو دولة يمكن أن تشكّل هدفاً. ليس ثمّة ذاتيّة، بل فقط كتلة من الذوات التي تدمّر بعضها بعضا... وبصفة عامة يجب القول إنّه في إفريقيا الداخلية لم يصل الوعي بعدُ إلى حدس شيء له صلابة موضوعية. وبالموضوعية أنا أعني الله والأبدي والعادل والطبيعة ... إنّ الأفارقة لم يبلغوا بعد إلى الاعتراف بالكلّي. إنّ طبيعتهم هي الانكفاء على الذات.... والطّريقة الوحيدة التي يمكنها إلى حدّ ما أن تقرّب الزنجي من الحضارة يبدو أنّها هي الإسلام؛ إنّ المحمّديين هم على كل حال يعرفون أفضل من الأوروبيين كيف ينفذون إلى داخل هذه البلاد."

اللامبالاة (= خفة المجال العام)

خفة المجال العام أخطر من أية أمراض أخرى. ففي المجتمعات التي لا تفكر فيما هو عمومي ضد فيروساته السياسية والإجتماعية مجتمعات هشة. التفلسف يقلص نبرات الأفكار اليومية المشوشة معطياً إياها قدرات نسقية كي ترى أبعد من النسبي والآني. فالخفة توجد لدى ميلان كونديرا في كتابه" كائن لا تحتمل خفنه". وهي تكرار السقوط في اليومي إلى حد فقدان القيمة والشعور بالعبث. يقول كونديرا: " لو قدر لكل ثانية أن تتكرر مرات لا حصر لها، لكنا معلقين على الأبدية مثلما علق يسوع المسيح على صليبه..." والخفة مفهوم فلسفي استعمله بارمنيدس أيضاً في القرن الخامس قبل الميلاد. وكان يجيب على التساؤلات بثنائية (الخفة – الثقل) على المستوى الحياتي المعيش. فمن وجهة نظره الخفيف هو الايجابي بينما الثقيل هو السلبي على غرار ثنائيات(النور – الظلمة، السميك – الرقيق، الحار- البارد).

لكن الخفة سياسياً عمل مقصود به ازالة الوزن النوعي للجماهير بالجهل والمرض والفقر ونشر الوعي الزائف. حتى أصبح الناس مجرد كائنات هائمة ولا قيمة لها. والخفة عمل سياسي تاريخي لأن ما يوجد من فعل ومطالب لا أهمية لها. إذن الخفة عقلية تسير أوزان الناس وفقاً للدعة والعصيان. وكأن الواقع تم امتلاكه سلفاً ويجب تحريره من أيدي أناس بعينهم. وهو الثقل الحقيقي. عندما يتمرد البشر، فإنهم يقعون في المحظور وبالتالي يحب اجهاض أوزانهم بإعادة تفريغ عقولهم من الثورة ومن كل فكر يجعلهم رصيداً حقيقياً في الواقع.

بحسب القرآن " استخف قومه فأطاعوه "، والاستخفاف معطى ثقافي يرتبط بالاتجاه نحو تفاهات الحياة والقدرة على الانغماس بالتفاصيل دون طائل. بحيث تخضع إرادة الإنسان إلى التعثر فيما هو يومي صارفاً نظره عن المستقبل. ولا يتساءل: كيف تتحول إليه الأشياء والحياة وكيف تتطور؟

لذلك فإنه لمن الصعوبة بمكان على أي إنسان فردياً أن يتخلص من عوامل القصور التي أصبحت تقريبا بمثابة طبيعة مفروضة عليه وقد ارتضى لنفسه تلك المكانة. بل كما يقول دي لا بوسيه أصبح الوضع أكثر سوءاً من ذلك، لقد غدا الإنسان القاصر بالمعنى السابق يحب قيوده الدامية. وهو في الوقت الحاضر عاجز عجزاً مزرياً بالفعل عن الإفادة من عقله الخاص. لأنه لم يُسمح له على نحو عمومي أبداً بأنْ يحاول ممارسة ذلك التحرر. إنَّ النظم والقواعد والقوانين الجائرة في المجتمعات، وهي وسائل خارجية لاستخدام المواهب الطبيعية، أو قل لسوء استعمالها، تعد قيوداً للقصور الدائم. وحتى من يكون بإمكانه خلعها في يوم من الأيام، لن يستطيع عمل أي شيء إلاَّ في أضيق الحدود، لأنه لم يعتد على مثل هذه الحركة الحرة.

وفيما يرى كانط هكذا، يحدث في كل مجالات الحياة تقييد للحريات ووضعها تحت الوصاية. ولكن لا يفهم من ذلك أن هناك قيوداً مفيدة وأخرى غير مفيدة  لاستعمال العقول. لأن القيود من حيث هي قيود تعد مطروحة للهيمنة والتحكم في ملكات الإنسان. وأن التحرر العمومي يجب أن يكون هو القاعدة لا الإستثناء. ومن التحرر يمكننا اعادة اكتشاف قدراتنا العامة على التفكير المبدع جنباً إلى جنبٍ. وهذا هو المجال المفيد للمجتمعات. الاستعمال العمومي لعقلنا يعنى أن نتشارك سوياً في إنجاز حلول للمشكلات والقضاء على الظواهر السلبية على نحو تعاوني حر دون فرض أطر على إنفسنا لا نستطيع التخلص منها.

ولعلنا نتيقن أنَّ كل مجتمع يلزم نفسه بهذا التفكير الحر بين أفراده إنما هو مجتمع يسعى للتخلص من ميراث ثقيل. وبخاصة أن القيود تأتي عادة من الماضي الذي يمثل رصيداً جمعياً قاراً لدى الناس جميعاً.  لأن الماضي هو السوق الذي يتحكم فيما نشتريه ونتداوله من أفكار، كما أنه يعطي مكانة لبائعي الاستبداد واصحاب المطامع في اعتبار المواطنين مجرد فرائس.

***

د. سامي عبد العال

 

في المثقف اليوم