أقلام فكرية

التاريخ الفيزيقي والتاريخ الميتافيزيقي

رحيم الساعدي(نظرتي لما يغفل عنه توفلر)

ان طرح هذا المفهوم يشعرني بالسرور، ولا اعتقد ان هذا المصطلح قد طرح سابقا، مع هذا فانه مفهوم يقبل النقد والتحليل والتغيير وفق براهين العقل والبحث العلمي .

ان هذه الثنائية مهمة لعدد من الاسباب، منها ان المعرفة ثنائية وكذلك الاشياء والمختلفات والمؤتلفات والمفاهيم كلها ثنائية. واجزم بان الثنائيات تحمل خاصية النقص، والا فان الله (جل وعلى) هو الواحد الكامل .

والان ما الداعي الى هذا الطرح؟ اقصد طرح مفهوم (التاريخين) واظن بان الجواب هو جزء من تصور يجتاحني، يشير الى الموجات الحضارية التي يطلقها توفلر (وهذا ما قد اتحدث عنه في مقالة لاحقة) تشير الى موجات مختلفة منذ بداية التاريخ وهو يغفل كما هو حال كل فلاسفة التاريخ منذ ابن خلدون وفولتير وهيجل ومرورا بشبنجلر وتوينبي وما بعدهم، الذين لا يتطرقون الى التاريخ الميتافيزيقي .

ان مفهوم التاريخ الميتافيزيقي هو قراءة وبحث في (ماهية التاريخ) واقصد به ان الحادثة التاريخية تخضع الى الابعاد الميتافيزيقية التي يتعارف عليها البشر وغيرهم، او الحادثة الخاضعة للمقولات الطبيعية، وبالتالي فان التاريخ الميتافيزيقي فيقصد به ذلك المتعالي فوق الطبيعة، وقد لا يقصد به الغيب، كما  لان الغيب وهو الموضوع الذي يذكره القران الكريم (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) يشير الى واقع معاش لمجتمع ما .

وهو نص او واقعة تختلف نوعا ما عن واقعة (فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو) .

ونجد العديد من النصوص التاريخية التي توجد بمعزل عن التدوين البشري ويوردها لنا التدوين الالهي، او الحوادث التي تكون بمعزل عن الخارطة المنطقية للمقولات البشرية (ربما منها بعض المعاجز) .

ولو تتبعنا شروط الحادثة التاريخية فانه يمكن السؤال حول امكانية دراسة الحادثة التاريخية دراسة تجريبية؟ وهذا التتبع يتيح لنا فهم مصطلح التاريخ الفيزيقي او الميتافيزيقي . 

ومع ان بعض المفكرين يعترض بانها حادثة إنسانية وحادثة فريدة من نوعها لا تتكرر، كما أنها، محدودة في الزمان والمكان مما يتعذر تكرار التجربة وتنعدم الملاحظة المباشرة للحادثة التاريخية وهي غير قابلة للتكميم . لكن نقض او معالجة الشروط اعلاه يمكننا من تطبيق او تجريب الحادثة التاريخية فتكون ممكنة بحسب تطور العلم والعلوم، ومن شروط الحادثة التاريخية انها :

1.  مدونة اولا ومتميزة وحيوية وواضحة، كما نلاحظ في حوادث التاريخ .

2.  لها وجود مستقل، أي ان  مسرحها وسيناريوها يبنى على اسس تلك الحادثة فهي نسيج واحد، كما يشير القران الكريم .

3.  توصف بانها حادثة طبيعية حية، كما يقول ريكور.

4.  هي مقطع له ارتباط زماني ومكاني بالسلوك الفردي او الجماعي للإنسان بوصفه سلوكا يقود الى تغيير في البيئة او المجتمع او الجانب النفسي او السياسي ... الخ .

وبالأبحار في حوادث التاريخ فانه يمكننا الاجابة على كل حادثة وقعت غيبية ماضية كانت ام غيبية مستقبلية سوف تقع، بمعنى ان لدينا من البيانات والادوات ما يمكننا من استيعابها او تصورها او الاحاطة بها او الاقرار بإمكانية ان باستطاعتنا خوض واقع تجريبها او معاينتها، والامثلة كثيرة مثل الطوفان او شق البحر لموسى او صلب المسيح او بعثة النبي الاكرم او مقتل الحسين او حرق ابراهيم (عليهم جميعا سلام الله) لكننا كأشخاص لا استطاعة لدينا لمعرفة كيف ان الشيطان يعدنا الفقر، او كيف قاد الشيطان موجات حضارية سالبة ضد الامم القديمة مثل عاد وثمود وتأكيد فعله لخروج ادم وحواء من الجنة  ومحايثته لابن نوح وعرقلته لإبراهيم وتأثير فعله في يوسف واخوته والعديد من التأثيرات التاريخية الميتافيزيقية التي تركت تأثيرا في الوجود الانساني .

ربما يمكنني وفق هذه الحوادث الميتافيزيقية اطلاق مفهوم (الشيطان والموجات الحضارية) او مفهوم (الموجات الحضارية المعارضة).

لكني وجدت ان المفهوم الانسب هو التاريخ الفيزيقي والميتافيزيقي .

 وهو ما يمكنني مقارنته بالموجات الحضارية التي ذكرها توفلر، لكن من وجهة نظر اخرى محايثة، وكامنة ولا تبتعد عن الواقع والحقيقة طالما ان تأثيرها على الوجود الانساني لم يزل .

وهذا ما قد اتحدث بمقالات منفردة اخرى، وفق تصنيفي لتاريخ الفعل المحرك للبشرية كما ١- الموجة الاولى رفض لحظة السجود لادم (بداية عداء الاجناس) ومن بعدها طلب النظر الى يوم يبعثون .

٢- الموجة الثانية، العيش في الجنة

٣- في صورة البقرة وهي الموجة التاريخية الميتافيزيقية الثالثة (قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين) (العداء البشري)

٤- الرابعة هي كل لحظة تخص (اعاقات التاريخ الميتافيزيقي) للتاريخ الفيزيقي (الاصلاح على يد الانبياء) او اعاقات الفعل البشري الذي يتجه لتوحيد الخالق سبحانه .

وسوف نتحدث عن هذه القضية في مجالات اخرى .

***

ا. د. رحيم محمد سالم الساعدي 

في المثقف اليوم