أقلام فكرية

الوجود ادراك لغوي

علي محمد اليوسفيذهب جورج بيركلي (1685 – 1753) وهو فيلسوف إيرلندي من أصل انكليزي الى (أن وجود الشيء هو أن يكون مدركا في جميع الحالات، إلا عندما يكون الوجود هو الإدراك)1 ان يكون الادراك موضوعا لادراك العقل عندها لا يبقى موضوعا يدركه العقل خارج ادراكه لذاته.. وسيلارز الامريكي قال الوجود هو اللغة. وقال آخر الوجود هو الله. والعبارتان صحيحتان لا يمكن إدحاضهما.

عبارة بيركلي هي نوع من الإدراك الذاتي المثالي الذي يلغي الوجود واقعا ماديا حقيقيا مستقلا خارج الإدراك الحسّي العقلي. فهو يعتبره إما أن يكون شيئا مدركا صوريا تجريديا فكريا في الذهن، وإما أن يكون الوجود هو الإدراك بذاته بلا ذات إنسانية يحكمها العقل تدرك ذلك الوجود.

أي أن إدراك الوجود لذاتيته هو إدراك الذات لنفسها ولا يكون مهما إرتباط الإدراك ألخارجي بالعقل. وهنا يسقط بيركلي في حفرة الأوهام الميتافيزيقية بفارق جوهري هو أن الوجود المادي لا يمتلك إمكانية إدراك ذاته بذاته ما عدا الانسان.

جميع الكائنات الارضية لا تمتلك ذاتا إدراكية تعي نفسها ولا المحيط بها كما لا تمتلك عقلا هو سيّد التفكير الإدراكي للذات والطبيعة ما عدا الانسان. الوجود مفهوم تجريدي عام ميتافيزيقي يستمد ماديته المعرفية من إدراكات المنظومة العقلية لموجوداته الداخلية فيه كمحتويات مستقلة بذاتها.

حين يكون الوجود هو الإدراك حسب بيركلي يعني ضمنا لايوجد وسيلة لإدرك ذلك الوجود سوى آلية منظومة العقل. وإلا فالوجود لا يعقل نفسه بنفسه لكنه لا يفقد صفة أنه وجود مدرك كموضوع من غيره هو الإنسان فقط. ثم وألأهم من ذلك أن الإدراك لموجودات العالم الخارجي هو لغة صامتة بالذهن. الوجود يدركه العقل بدلالة موجوداته التي يحتويها بإستقلالية في وجودها الواقعي.

بمعنى ما يدركه العقل هو موجود وما لا يدركه غير موجود خرافة وهمية لا يقول بها اليوم أبسط الناس المتعلمين. ولا يحدد بيركلي حين يكون الوجود هو الإدراك بدلا من ذاتية الإدراك العقلي له، كيف يدرك الوجود ذاته وبدلالة ماذا غير إدراك العقل لموجودات ألوجود من حوله؟ وكيف يكون الإدراك هو التفكير الذهني، وكيف يكون الوجود هو موضوع العقل الإدراكي.؟ إذ كيف نستطيع تمييز إدراكنا الاشياء بالإحساسات الماديّة، في وقت يكون الوجود الخارجي هو إدراك العقل ذاته كموضوع مستقل لا يحدد موجوداته اللانهائية إدراك العقل ولا حاجة لذلك؟ ألوجود بهذا ألمعنى المجرد عن محتوياته إنما يكون مفهوما مطلقا ميتافيزيقيا لا يدركه العقل إلا بدلالة مايحتويه من موجودات. ادراك العقل يعمل بمشروطية ان كل شيء قابل لادراك العقل يجب توفره على وجود له معنى يمكن التعبير عنها لغويا.

وهنا نؤكد مسألتين على خطل رأي بيركلي أن يمتلك الموضوع أدراكه معه الذي يجمله بالعبارة التالية أن ماهو موجود إما أن يكون مدركا بذاته أو أن يكون مدركا بدلالة غيره الذي هو الله، وإدراك الله للوجود كافيا أن يعجز عقل الانسان إدراكه.

الموضوع لا يدرك نفسه ذاتيا وإلا فارق خاصية أن يكون موضوعا يدركه غيره باستثناء ان يكون الموضوع هو العقل ذاته في ادراكه لذاته، ولأصبح الموضوع لا يحتاج إدراكا مغايرا من ذات مغايرة له هو لا يمتلكها...الذات التي تدرك نفسها بنفسها لا تتحقق إلا بدلالة العقل وهو ما ينطبق على الانسان دون غيره من موجودات الوجود والطبيعة. التي إذا إفترضنا أنها تمتلك ذواتا مستقلة فهي تكون عاجزة عن إدراكها لذاتها بلا عقل هي لا تمتلكه.

كما أن فرضية ما لا يدركه الانسان كفيل بإدراكه من الله لا يحل المشكلة فما يدركه الله ليس ضروريا ولا حتميا إدراكه من قبل الانسان حتى  في حال قبول هذه الفرضية الخاطئة أساسا أن أدراك الله الاشياء هو تعويض كاف لعدم إدراك الانسان لها.

كما أن شخصنة الله أنه هو والانسان يمتلكان خاصية الإدراك بفارق بينهما هو أن ما يعجز الانسان إدراكه يدركه الله يعتبر سذاجة ميتافيزيقية لا يقر بها ويصدقها أبسط الناس. لا يمكن البرهان ان الله يدرك ما يعجز ادراكه الانسان ب(آلية) عقلية نفهمها او لا نفهمها. اذ ربما لا يكون الادراك بصفته الانسانية ليست صفة الهية يحتاجها الله كما يحتاجها الانسان.

كل موضوع مادي لا يمتلك عقلا يكون مدركا من ذات مغايرة له هي الانسان. الموضوع لا يمتلك عقلا لإدراك ماهيته الوجودية كذات فالمواضيع لا تدرك ذاتها ولا تدرك وجودها بغياب عقل إنساني يدركها.. وهو ما ينطبق حتى على الانسان. فهو ذات وموضوع معا ولكن إدراكه لنفسه كذات مستقلة لا تتم بدلالة الموضوع المغاير لذاته بل بدلالة وعيه لذاته عقليا.، وكل ذات لا تمتلك عقلا تفكيريا لا تستطيع وعي ذاتها بذاتها كمدرك لا تعيه.  أما الموضوع فيكون مدركا بدلالة ذات مغايرة نوعيا له. ولا يوجد غير الانسان موضوعا يدرك ذاته بذاته ويدرك موجودات الطبيعة والعالم الخارجي. وهو ما لا ينطبق على موجودات الطبيعة وموجودات العالم من حولنا.

هل الإدراك العقلي لموضوع الإدراك بذاته كمفهوم تجريدي يغني عن عدم إدراك الوجود خارج إدراك الذات لموضوعها المتعيّن وجودا دون غيره؟ بمعنى هل يعقل الوجود نفسه بعقل ذاتي منفرد لا يلتقي ولا يشابه عقل الانسان؟ وهذا يعني وعي الذات لنفسها هو إدراك الوجود لذاته وليس من وجود غيره يشغل الإدراك العقلي به. وهل إغفال إدراك الوجود بموجوداته غير المدركة تكون كافية ومجزية لإدراك العقلي الذاتي أن لا يشغله سوى الوجود نفسه كمدرك متعين بموضوعاته وليس كمفهوم غير متعيّن مجرد لا تدرك موجوداته إلا بدلالة غيره؟ عندما يكون وعي الذات لنفسها هو الوجود بدلا أن يكون ألوعي الخارجي هو برهان إدراك الذات؟ بمختصر العبارة يرى بيركلي إن عدم الحاجة للعقل الانساني إدراكه الوجود، أنما يكون في إدراك الوجود من عقل أسمى وأرفع من عقل الانسان الناقص المحدود ذلك هو إدراك الله له. فعندما لا يدرك شخصا أو أكثر لموجود، فوجود ذلك الموجود انطولوجيا يتحقق بإدراك الله خالقه له. وهذا النوع من إدراك الوجود هو الحقيقي والصالح بالحياة.أن أبسط رد على تخطئة بيركلي هو أن قضايا الوجود المادي في الطبيعة والانسان لا تحل بالإستعانة بمنطلقات فكرية ميتافيزيقية تصادر تفكير العقل المعرفي عند الانسان. وكيف يكون إنتفاع الانسان من إدراكات ألخالق لما يعجز عقل الانسان إدراكه.؟

في مقابل هذه المثالية الفردية التي ترى الوجود هو إدراك عقلي ذاتي وليس إدراكا وجوديا واقعيا مدركا مستقلا في عالم الموجودات والاشياء، نجد من يذهب ماديا الى عدم وجود فكرة مجردة عن شيء لا يسبقها الوجود المادي الواقعي لذلك الشيء. والوجود الحقيقي للأشياء هو الذي يعطي ألافكار حضورها، فالفكرة بلا موجود سابق عليها تعبّر عنه لا معنى لها ولن تكون حاصلة صادرة عن منظومة العقل الإدراكية. وحتى الإدراك على صعيد التفكير الخيالي يكون خيال الموضوع القبلي المستمّد من الذاكرة سابقا على فكرة التعبير عنه بالكلمات التجريدية واللغة. .

يرى بيركلي الذهن هو عماد توصيل الإدراك الشيئي للموجودات، والذهن عنده هو غير العقل، ومدركات الاشياء هي ذهنية قبل أن تكون عقلية. لكي نبسط هذا التداخل الفسلجي وعلاقته بإدراك الوجود تحليليا لا بد لنا أن نذكر الإدراك العقلي هو منظومة كاملة متداخلة في تعقيد وظائفي يتوجب تفكيكه وتخليصه من علاقته الإزدواجية بالعقل من جهة وبموضوع الإدراك من جهة أخرى.. فالإدراك المادي للاشياء يبدأ بالإحساسات المنقولة عن الحواس بواسطة الجهاز العصبي الذي يستودع تلك التجريدات الحسية في الذهن علما أن الذهن لا يرتبط تفكيريا عضويا بمنظومة الإدراك العضوية للعقل كوجود فيزيائي عضوي متعيّن يبدأ بالحواس ثم الإحساسات ثم الذهن فالجهاز العصبي ثم الدماغ. بل علاقة الذهن بالعقل أو تحديدا بالدماغ هو علاقة تكافلية بفهم المدركات ويختلفان بالنوعية البيولوجية فالدماغ الذي هو الجزء الفاعل بالتفكير العقلي والإدراك هو عضو بالجسم يشبه باقي الاعضاء مثل القلب والعين واليد وهكذا مما لا ينطبق على الذهن كمستودع إستكمال وظيفة الدماغ والوعي في إدراك الاشياء ومقولة بيركلي الذهن ليس هو العقل صحيحة تماما. ليس بفارق الوظيفة الإدراكية فقط بل بفارق التكوين البايولوجي لأعضاء الجسم التي لا تترابط عضويا مع الذهن كما في إرتباط الاعصاب، فالذهن ليس عضوا بايولوجيا من تكوينات أعضاء منظومة العقل والجسم. بل هو حلقة توظيف بايولوجي تجريدي لا يشكل موضوعا مدركا من العقل شأنه شان الزمان واللغة والتفكير والعواطف والأحاسيس وغيرها هي تجريدات للفكر وليست أعضاء مادية تنتمي لمنظومة جهاز الإدراك العقلي الذي يتكون من أعضاء بيولوجية وليس من تجريدات متعالقة بها..

الذهن هو حلقة إزدواجية متعاكسة يتوزعها إتجاهان في توصيله تفكير الدماغ مصدره أحساسات العالم الخارجي من جهة وإستقبال الذهن مخرجات التفكير العقلي التجريدي الصادرعن مقولات الدماغ في تفسيره مواضيع الإدراك من جهة أخرى.... الذهن يدخل بدوره تلك الموجودات الخارجية التجريدية تصوريا في توسيله الإحساسات الإنطباعية المنقولة له عن العالم الخارجي في علاقة جدلية مع الدماغ يجسّرها الجهاز العصبي في توصيل الفعل للدماغ وإستقبال رد الفعل منه.

والذهن لا يمنح المخرجات الدماغية تفسيرها ومعنى إدراكها لموجودات العالم الخارجي ليس بدلالته الذاتية وإنما بدلالة تفسير الدماغ لها..بمعنى الذهن وسيلة توصيل وليس وسيلة فهم وتفسير للمدركات. وهذه الحقيقة الفسلجية يوجد من ينكرها حين يعتبر الذهن هو تفكير الدماغ أو العقل بمدركاته، ولا يختلف وظيفيا في منظومة الإدراك العقلي عن الوعي الذي هو بدوره تفكير مجرد مصدره العقل...فكلاهما الوعي والذهن لا يرتبطان بعلاقة عضوية بمنظومة الادراك العقلي بل يرتبطان به بعلاقة تجريد إدراكي لكن لا يمكن إستغناء العقل عنهما في إدراك وفهم الوجود كحلقتي توصيل إدراكي وإسترجاعي ولا تكونان موضوعين يدركهما العقل ماهويا أو بالصفات البيولوجية المستقلة عنه.

هذه العملية التي أوجزناها ببساطة إختزالية تطرح علينا مجموعة من علامات الإستفهام والتساؤلات المشروعة، منها هل ينوب الذهن عن الوعي في منظومة الادراك العقلية ؟ هل الوعي ماهية غير مدركة بالنسبة للعقل هي نفسها ماهية الذهن كونها غير مدركة موضوعا عقليا مستقلا ايضا؟ وكيف يتم التمييز الوظائفي بين ألاثنين ألوعي والذهن؟ ونحن إذا حاولنا جعل كلا من الوعي أو من الذهن موضوعا يدركه العقل بيولوجيا نقع في إشكال كبير هو كيف أجاز بيركلي لنفسه إعتبار الوجود بموجوداته الكلية هو إدراك ذاتي قائم منفردا لا يحتاج العقل لإدراكه؟ حين جعلنا كلا من الوعي والذهن حلقتين في منظومة الإدراك العقلي ألتجريدي لكنهما ليسا موضوعين منفصلين يدركهما العقل بيولوجيا.. كيف نجيز أمام هذه الإستحالة أن الوجود كاملا إذا ما تعذّر إدراكه المادي يصبح هو موضوع العقل الادراكي ذاتيا في الذهن المجرد عن الواقع؟ وبأي آلية يتم ذلك ؟ هل تكفي الإحساسات تزويد ما يرغبه العقل من معرفة ما تنقلها له الحواس عن المدركات والاشياء؟ بعيدا عن مفردات الذهن والوعي غير الفيزيائية في نظام تشكيل الإدراك العقلي.

الحقيقة البايولوجية العضوية المتماسكة التي تضم مجموع حلقات منظومة الإدراك العقلي تضعنا أمام إستحالة الإستغناء عن وظيفة حلقة واحدة من تلك المنظومة المترابطة إدراكيا كوسيلة العقل الدخول في وعي العالم الخارجي جدليا تخارجيا. فوظيفة الذهن أو وظيفة الوعي لا يقلّان أهمية عن الاحساسات المنقولة عبر الجهاز العصبي للدماغ بيولوجيا في وقت يكون الوعي أو الذهن مدركات عقلية تجريدية غير عضوية وليست مواضيع يدرك حقيقتها الماهوية العقل لا مواضيع ولا أعضاء  بيولوجية تدخل في تركيبة عمل الدماغ الفسلجية كما هو الحال مع الجهاز العصبي.

لا يمكننا تمرير عدم صحة أن الوعي هو الذهن وكلاهما حلقتان مرتبطتان في منظومة العقل الادراكية. فالوعي هو غير الذهن إذا ما جاز لنا الفصل بينهما وظائفيا وكلاهما تجريدان صادران عن ملكة العقل ألإدراكية... فالوعي حلقة ناقلة ومستلمة معا للإحساسات غير التحليلية لماهية تلك الإحساسات المعبّرة عن المدركات الحسّية الماديّة تفكيريا، الوعي بهذا المعنى هو إدراك مادي توصيلي لموجودات العالم الخارجي، بنفس وقت هو أدراك لمخرجات الدماغ حول الموضوع المدرك داخليا.

بينما يكون الذهن حلقة توسيط العقل بمدركاته ولا ينوب الذهن عن الدماغ في تحليل وتفسير تلك المدركات... الوعي ميزته أنه يدرك الإحساسات الواردة اليه من الحواس عن مدركاتها الخارجية، ويستلم ردود أفعال ومخرجات الدماغ لتكون بالنهاية تعبيرا فكريا لغويا تجريديا لتلك المدركات، وفي كلتا الحالتين لا يكون الوعي موضوعا لادراك العقل لكنه توسيطا وسيليا لإدراكه. الحقيقة الأهم أننا لا يمكننا فصل وظائفية الذهن عن وظائفية الوعي في ترابطهما معا ضمن وحدة المنظومة الإدراكية للعقل.

كما من المهم القول أن الوعي لا يكون موضوعا إدراكيا منفصلا لوحده عن العقل، وكذلك لا يمكننا الجزم أن الذهن لا يتداخل وظيفيا في تبادل إدراك العقل له كموضوع إستبطاني لا يمكن معاملته بإنفصالية إدراكية عن منظومة العقل كاملة وكذا نفس الشيء يكون مع الوعي فهو ليس موضوعا مدركا وحده للعقل منفصلا بل هو حلقة وصل لنقل الإدراكات الحسّية بدلالة العقل وكذلك هو الذهن.

إذن بماذا يختلف الوعي عن الذهن؟ الوعي إدراك تجريدي مزدوج في إستلامه إحساسات الحواس خارجيا من الواقع، وفي أستلامه ردود أفعال الدماغ عنها الصادرة له من تفكير الدماغ بموضوعاته ألواصلة إليه عن طريق ألإحساسات، إذن الوعي حصيلة عملية إدراكية خارجية من جهة وإستبطانية داخلية من جهة أخرى وكلتا العمليتين هما تجريد وظائفي بمعنى عدم إمكانية العقل إدراك الوعي موضوعا ولا إرتباطا عضويا يكون فيه الوعي موضوعا مستقلا للعقل.، بينما يكون الذهن علاقة ترابطية إستبطانية مع الدماغ في معرفة وتفسير المدركات الواصلة لهما بعلاقته بوظيفة الدماغ الإدراكية. الذهن لا يدرك الواقع الخارجي الا بوسيلة الإحساسات وتوصيلات الوعي لتلك الإحساسات له عبر الحواس ومنظومة الجهاز العصبي. وهو أيضا لا يكون موضوعا للعقل كما هو الوعي. كما لا يمكن فصلنا وعي الموضوع عن إدراكه ذهنيا بمعنى فاعلية أشتغال الوعي والذهن متكاملان في أستقبالهما الاحساسات المنقولة لهما عبر الحواس، ولا قيمة لهما خارج منظومة الإدراك العقلي. وكل من الوعي والذهن حلقة توصيل الإحساسات للدماغ وليسا مصدر البت في تفسير تلك الإحساسات المدركة التي هي من وظيفة الدماغ والجهاز العصبي المرتبط به حصرا..

تساؤل أصبح واردا هل يمكننا فصل وعي العقل عن توسيط تفكيرالذهن بالموضوع الواحد؟ من المؤكد أن تكون الإجابة بالنفي. أذن أين يجري تفسير مدركات الحواس بالوعي أم بالذهن والأسبقية لمن؟ نجيب بمقاربة فلسفية عما يقوله  تحليلنا الشخصي الفلسفي بعيدا عن علم وظائف الأعضاء الطبيعي، أن تفسير مدركات الحواس والرد عليها إنما يتم في تداخل توسيط الذهن نقل مدركاته في وصاية الدماغ عليه. وعندما نقول بوصاية الدماغ على الذهن وباقي حلقات المنظومة الإدراكية للاشياء، كون الدماغ هو الجزء المادي من تكوين العقل الفيزيائي العضوي للانسان... على خلاف كلا من الوعي والذهن فهما حلقتان غير مدركتان ماديا فسلجيا وظائفيا وليسا موضوعين يدركهما العقل ماهويا إنفصاليا عن بعضهما كما هو الحال مع تكوين الدماغ في إرتباطه بالعقل الذي هو المشغل الحقيقي في تفسير ومعرفة كل شيء يدركه الدماغ ويستقبله عبر الجهاز العصبي الوارد له إدراكات وأحاسيس والصادر منه كردود أفعال عليها. بمعنى لا يحتاج تذكير به هوأن الدماغ جزء من العقل الكلي وفي أغلب الدراسات الفلسفية يكون الدماغ هو دلالة عن مقصود مرادف هو العقل وليس الدلالة على جزء منه. كون العقل لا يشغله الدماغ كمحتوى عضوي لوحده فقط...فالدماغ بما يحتويه من أعضاء فسلجية المخ والمخيخ مرتبطة به ومنظومة الجهاز العصبي والنخاع الشوكي والاحاسيس بمجموعها هو ما نطلق عليه العقل الفيزيائي بمعنى العقل المدرك كجهاز من أجهزة جسم الانسان الأخرى مثل جهاز التنفس والهضم والدورة الدموية وعمل القلب والجهاز التنفسي والجهاز العصبي وغيرها.أما العقل بمعنى اللوغوس فهو كل ما يصدر عنه من ماهية تفكيرية لغوية تلازمه.

***

علي محمد اليوسف /الموصل

.......................

الهامش: 1. وليم رايت/ الفلسفة الحديثة /ت: بسام بركة ص 189

في المثقف اليوم