أقلام فكرية

مبدأ تكافؤ الفرص.. الطموح والإشكالات

حاتم حميد محسنان الفكرة الغربية السائدة للمساواة ترفض أنظمة الطبقات ولكن ليس النظام التنافسي الهرمي. طبقا للفيلسوف الامريكي ريتشارد ارنسون Richard Arneson "عندما تسود المساواة في الفرص، فان تخصيص الوظائف في النظام الهرمي يتقرر بفعل القوى التنافسية، وان جميع أعضاء المجتمع يحق لهم التنافس بشكل متساوي". هذه الفكرة نالت الدعم من حزبي العمل والحزب الليبرالي الاستراليين وجرى تضمينها في الشعار الاسترالي الشهير "الإنصاف والمساواة" fair go. لكن هذه الفكرة المثالية هي غير ممكنة وغير مرغوبة.

المساواة الرسمية في الفرص

من بين أشكال الفهم السائد لتكافؤ الفرص هو انه يتطلب فقط مساواة قانونية تتحقق عندما يتم التعامل مع كل فرد  بالتساوي أمام القانون. هذا يُشار له بالمساواة الرسمية في الفرص. الفيلسوف البريطاني بيرنارد وليمس صاغ ردا ملائما على هذا الادّعاء. هو يدعونا ان نفكر بمجتمع مؤلف من مجموعتين A و B. المجموعة A تتمتع بمزايا طويلة الأمد وغير عادلة وبالنتيجة استحوذ أعضاءها على معظم الامتيازات ومواقع السلطة. دعاة المساواة من الإصلاحيين يرون عدم عدالة هذا النظام ويدعون لتغيير القانون لضمان المنافسة المفتوحة على جميع مواقع النفوذ. يقترح وليمس ان أعضاء المجموعة A سوف يستمرون بالسيطرة لأنهم لازالوا يمتلكون مزايا هائلة نتيجة لإمتيازاتهم القانونية السابقة وبسبب البيئة الاجتماعية والاقتصادية . المساواة الرسمية في الفرص قد تحل مشكلة واحدة – اذا افترضنا ان النفوذ المالي لا يمنح أي مزايا قانونية – لكنها تترك العديد من المشاكل الاخرى خارج دائرة الاهتمام . وكما يقول ارينسون: "المساواة الرسمية في الفرص لها نطاق محدود. مجالها في التطبيق هو الحياة العامة وليس الخاصة".

المساواة الجوهرية في الفرص

لذلك يبدو ان المساواة في الفرص تتطلب تدخّل الدولة في حياتنا الخاصة لكي نضمن ان أطفال المواطنين الأكثر حرمانا تتوفر لهم نفس الفرص تماما مثل أطفال المليونير كيري باكر. ان احتمال تحقيق هذا يبدو قاتما. لا نجد الكثير من الحراك المستمر بين الأجيال في العديد من الدول.

لكي نحقق المساواة في الفرص بالكامل ذلك يتطلب شيئا ما من جمهورية افلاطون، حيث الاطفال يُنتزعون من اهلهم وتتم تربيتهم جماعيا. مثل هذا النظام يوفر نفس الظروف للجميع لضمان الأهلية والجدارة الملائمة.

احد الأسباب لمعارضة هذا النظام هو الضرر السايكولوجي على الاطفال. ومن الاسباب الاخرى هو ان المزيد من الحرية الفردية سيتم التضحية بها لأجل متطلبات المساواة في الفرص. ربما يجادل احد، كما الفيلسوف السياسي جون رولس، ان المساواة في الفرص تحدث فقط عندما يتم ضمان الحرية ضد مثل هذه الاجراءات. لكن هذه الصيغة تتخلى عن فكرة امتلاك  كل فرد  لنفس الفرص. بدلا من التمسك بفكرة المساواة في الفرص،ربما من الاصح القول اننا نرفض هذه المساواة  لأنها تأتي مقابل ثمن باهض. لكن لو وضعنا هذه  الصعوبات جانبا وافترضنا انه بالإمكان ان نمتلك مجتمعا فيه كل فرد له نفس الفرص بدون الحاجة للقيام بمثل هكذا اجراءات عنيفة، سوف نظل بحاجة الى إعادة تفكير راديكالي في كيفية توزيع المساكن والتعليم والرعاية الصحية وفعاليات الترفيه وغيرها لنكون قريبين من الطموح المثالي. هذا الجدال سيكون مقبولا ولكن هل المساواة في الفرص ستكون مرغوبة؟

المواهب الطبيعية

المساواة في الفرص ستقود حتما الى اللامساواة حالما يحصل كل فرد على نفس النوع من الفرص. هذه اللامساواة يُفترض ان تكون مبررة لأنها تنتج فقط عن المواهب والعمل الشاق للفرد، وهذا يخلق مشكلة مختلفة وشائكة. ماذا نعمل بالنسبة للعديد من مواهبنا التي هي اعتباطية مثل طبقتنا وعرقنا ونوع جنسنا والتي تُعتبر مصدر غير مقبول لـ اللامساواة؟ لا يبدو هناك سبب جيد لماذا يجب ان يستفيد الفرد من جوائز اليانصيب الطبيعية بدلا من اليانصيب الاجتماعية. ربما يُسمح باللامساواة اذا نتجت فقط من العمل الشاق. لسوء الحظ، من الصعب جدا فصل نتائج الحظ الوراثي والبيئي عن نتائج اخلاق العمل الصحي والذي هو ايضا – جزئيا- سمة لليانصيب الطبيعي. بيكهام لاعب كرة القدم الشهير في استحواذه على مبالغ كبيرة من لعب كرة القدم، هو كان محظوظا كونه وُلد ذكرا. نحن سنكون غير قادرين على ان نقرر ما يستحقه الناس في جمهورية افلاطون حينما يبدأ كل طفل من نفس الموقع، بينما في مجتمعاتنا يبدأ الاطفال من نقاط مختلفة جدا. عندما تتطلب الفكرة عمل المستحيل لابد من إعادة النظر والبدأ في التفكير بالمساواة وفقا للمحصلات وليس وفقا للفرص.

***

حاتم حميد محسن

...................

(1) شعار fair go والذي يشير الى تكافؤ الفرص استخدمته مختلف الاحزاب السياسية في استراليا في برامجها الانتخابية. هذا الشعار يؤكد على انه بدلا من مساواة كل الناس من نقطة بداية في الحياة، يجب اعطاء الافراد الفرصة لتحسين موقعهم في المجتمع بمزيج ملائم من الطموح والقدرة الطبيعية. في استراليا وُجد ان درجة الحراك الاجتماعي اثبتت نجاح مبدأ تكافؤ الفرص. الافراد من كل الخلفيات ينتقلون الى أي طبقة سوسيواقتصادية وبأعداد كبيرة. تقريبا 17% من الاولاد المولودين في شريحة خُمس الناس الأكثر ثراءً  انخفضوا الى الأفقر، بينما 12% من الأولاد المولودين في شريحة خُمس الناس الأكثر فقرا انتقلوا الى الأغنى.

 

في المثقف اليوم