أقلام فكرية

هل استطاع كانط حل مشكلة الشك؟

حاتم حميد محسنهل يمكننا معرفة حقيقة الأشياء بصرف النظرعن الطريقة التي تبدو بها لنا؟ على مر التاريخ، جادل العديد من الفلاسفة الذين يُعرفون بـ الشكاك باننا لا نستطيع ذلك. حاول عمانوئيل كانط في نقد العقل الخالص(1781) ان يبيّن ان حجج الشك هي غير سليمة طالما هي تعتمد على سوء استعمال او سوء فهم لمفاهيم مثل "التجربة" و"المعرفة". سنبيّن ان كانط استطاع فعلا حل مشكلة الشك ولكن عبر تغييره معاني مصطلحات هامة يكون قد تركنا مع مشكلة أكثر حيرة.

معرفة الشك

للبدء في مشكلة الشك هناك افتراضان هامان يعملان في سؤال الشكاك. الاول هو ان هناك فرقا بين الظهور والواقع او بين الاشياء كما تبدو لنا والاشياء كما هي بذاتها وبشكل مستقل عنا. الافتراض الثاني هو ان هناك فرقا بين المعرفة المباشرة والمعرفة غير المباشرة - بين تجربتنا المباشرة وتلك التي نعرفها بشكل غير مباشر عبر استنتاجها من التجربة. هذان الافتراضان مجتمعان يقودان لما نسميه "فجوة الذهن-العالم": الفجوة بين العالم الداخلي والعالم الخارجي، أي، بين الظهور والحقيقة، او بين الفكر والعالم الذي نفكر فيه.

لكي نسلط الضوء على هذه الفجوة بين الظهور والواقع، لننظر في بعض التجارب الشائعة: الأوهام البصرية والهلوسة، او تلك التي في التذوق والرائحة لأشياء مألوفة تبدو تتغير عندما يكون أحدنا مريضا، او حين تبدو ألوان الأشياء مختلفة في الاضاءة غير الطبيعية، رغم عدم وجود تغيير في الاشياء ذاتها. او عند النظر نحو الأنف وحيث يبدو ما كان شكلا واحدا اصبح شكلين الآن. حتى التصور الشائع للاشياء ثلاثية الأبعاد في المكان هي فقط لجانب واحد – لو حاولنا ان نرى كل جوانب هذه المجلة دفعة واحدة، سيكون ذلك مستحيلا، مع اننا سوف لن ننكر ان الشيء الذي نتصوره هو متماسك وثلاثي الأبعاد.

كل تلك الأمثلة توضح ان الطريقة التي تبدو بها الاشياء لنا ليست كما هي في ذاتها. لكننا لانزال نريد معرفة الى أي مدى يتطابق الظاهر لنا مع الاشياء في ذاتها. للقيام بهذا، نحن يجب ان نكون قادرين على عبور الفجوة. كيف يمكننا معرفة الاشياء كما هي في ذاتها؟ أحاسيسنا يمكن ان تكون مخطئة ويمكن ان نكون مخدوعين في طرق متعددة. ربما نحن ليست لدينا طريقة لمعرفة الاختلاف بين التجارب الخاطئة وتلك التي تكشف (جزء من) الحقيقة؟.

كوجيتو ديكارت

 ايجاد طريقة موثوقة لتجنب الخطأ كان المشروع المحبب لديكارت (1596-1650). هو يبدأ تأملاته (1641) بالقول انه يريد "تجنب الاعتقاد بالاشياء التي هي غير مؤكدة كليا". لذا بالنسبة لديكارت، احدى علامات المعرفة هي اليقين، والذي هو الايمان بعقيدة بدون اي شك. لكن الحالات اعلاه تبيّن ان احاسيسنا يمكن ان تضللنا او تعطينا افكارا زائفة. لذا نحن نستطيع الشك بان الاشياء هي كما تشير أحاسيسنا (وبالطبع ذلك بالضبط ما يقوله علماء الفيزياء عندما يخبرونك ان الطاولة التي انت تجلس عليها هي مجموعة من موجات صغيرة جدا حاملة للقوة، جزيئات وليس الشيء الصلب الذي يبدو أمامنا).

هل هذا يعني اننا لايمكننا ابدا المعرفة حول العالم الخارجي – حول الاشياء في ذاتها؟حتى القارئ السريع للتأملات يمكنه ان يرى ان ديكارت لم ينهي الشك. بدلا من ذلك، من خلال الكوجيتو (انا افكر اذاً انا موجود)، والآداء الكاسح لحجج انسلم في الله المنتقاة من خلال ايمان ديكارت القوي، يدّعي ديكارت انه يبين اننا يمكننا امتلاك اليقين ومن ثم المعرفة بالعالم الحقيقي. غير انه، بدون الثقة الجديرة بالله، فان معيار ديكارت العقلاني في المعرفة لايكسبنا أي شيء عدا تفكير المرء الكيجوتي ووجوده، وبكلمة اخرى، فقط معرفة الافعال الذهنية، او العالم الداخلي، والاّ كيف نكتسب المعرفة بالاشياء في ذاتها؟

سببية هيوم

 يدّعي ديفد هيوم (1711-1776) ان مثل هكذا معرفة يجب ان ترتكز على استدلال سببي: استدلال من النتيجة الى السبب – من الظهور الى الشيء ذاته (رسالة 1.4، 2.46، 1738). هو يقسّم المعرفة الى علاقات افكار و حقائق واقعية. نحن ربما نعرف شيئا ما ببساطة من النظر الى الافكار (او المفاهيم) – مثل المعرفة بان الأعزب هو ذكر بالغ غير متزوج، او ان "اي شيئين مساويان لشيء ثالث هما مساويان لبعضهما". او اننا نعرف عبر اللجوء للتجربة لتأسيس حقائق مثل ان نيويورك هي شمال مدينة ميامي او ان كل الغربان سوداء. ببساطة التفكير حول مفاهيم مجردة "نيويورك" و "غربان" سوف لن يعطينا هذه الحقائق. يستمر هيوم في الجدال بان المعرفة السببية لا يمكن اكتسابها من علاقات خالصة للافكار لأننا عندما ننظر في السبب نحن لانستشعر النتيجة. بكلمة اخرى، لا وجود هناك لضرورة منطقية ظاهرة بين السبب ونتيجته. المربع ذي الاضلاع الثلاثة هو شيء سخيف في الجوهر طالما هو يستلزم تناقضا بين الافكار. لكن فرك عود ثقاب في ظروف عادية بدون اشتعال العود هو، مع انه غير محتمل، لكنه ليس سخيفا، انه لا يستلزم تناقضا. نحن نستطيع ايضا التفكير في السبب بدون امتلاك اي فكرة حول نتيجته. انظر في شخص ما جاهل تماما في الكومبيوتر. هل سيكون قادرا ليقول شيئا ببساطة من النظر الى لوحة الحروف بان الضغط على الازرار سيسبب ظهور الحروف على الشاشة؟ لا وجود لربط مفاهيمي خالص بين الاسباب والنتائج. نحن لانستطيع معرفة سبب حدث ما فقط عبر التفكير بذلك الحدث من خلال ذاته. وانما، انت تختبر ارتباط سببي عبر امتلاك تجربة مختلفة. لذا فان معرفة الاسباب يجب ان تكون معرفة بالحقائق الواقعية. علينا ان نعود للتجربة للحصول على تلك المعرفة.

حسنا، يسأل هيوم، ماذا نحن نجرب بالضبط؟ نحن نجرب شيء واحد (السبب: قيامي بعمل احتكاك لعود الثقاب) يسبق حدث آخر(النتيجة:اشتعال العود). لسوء الحظ، لكي نعرف ان شيئا ما تسبب في حدوث شيء آخر، علينا معرفة اكثر من مجرد انه سبق النتيجة. السبب في ذلك هو ان ما يسبق الحدث هو اكثر من مجرد سبب مفترض. وصف كامل للّحظة التي سبقت اشتعال عود الثقاب سيتضمن كل شيء حدث في اللحظة السابقة في كل الكون، بدءاً من الطائرات الهابطة في افريقيا الى مسارات الاقمار الاصطناعية. لذا، لماذا لانقول ان الاقمار الصناعية المارة فوقنا في تلك اللحظة هي التي سببت اشتعال عود الثقاب؟

نحن قد "نختبر" هذه الفرضية عبر اكتشاف انه ليس في كل مرة يشتعل فيهاعود ثقاب يكون جاء بعد مسار للاقمار الصناعية. لذا نحن الان لدينا هذا المعيار: السبب هو ما يسبق حدثا في كل موقف جرت تجربته من قبل. ولكن حتى هذا ليس محددا بما يكفي. حتى مع هذا المعيار الجديد لما يسبق في أي تجربة ماضية، نحن تُركنا مع ما هو اكثر من سبب حقيقي. في اللحظة قبل اشتعال عود الثقاب هناك دائما تيارات هوائية تعمل في الغرفة، واشعاع كهرومغناطيسي، وجاذبية تسحب الاشياء نحو الاسفل، وغيرها. هذه الاشياء دائما تسبق أي إشتعال لعود ثقاب نحن نلاحظه. لكن نحن نسيء فهم مفهوم "السبب" لو قلنا ان الجاذبية هي سبب احتراق العود، وليس ما قمت به من إشعال له . هيوم ذاته سيقول اننا لا نستطيع معرفة ان ما قمت به من حك للعود هو سبب اشتعاله طالما نحن نلاحظ فقط أحداث متميزة تتبع او تسبق حدثا آخر(في تزامن مستمر كما يقول)، ونحن لا نلاحظ الرابط السببي بينها والذي هو السبب الافتراضي ذاته (رسالة، 1.3.2.11).

ما الذي نريد معرفته اكثر لمعرفة السببية؟ نحتاج لتأسيس ان النتيجة لا تتبع السبب، وانما تتبع منه، ليس فقط انني في الماضي لاحظت باستمرار الحدث 2 يتبع الحدث 1، وانما ان الحدث 1 سبّب الحدث 2، أي، مع ثبات الاشياء الاخرى، حينما يحدث الحدث 1 عندئذ سوف يتبع دائما الحدث 2. لذا فان الفكرة بان شيء ما سبّب شيئا آخر يعتمد على بيان افتراضي عالمي (في جميع X، اذا يحدث X بعده يأتي Y) يزعم ارتباط ضروري بين السبب والنتيجة. اذا لم تكن الاسباب ضرورية، سنقول ان السبب قد ينتج وقد لا ينتج نتيجته، ومع ذلك لا شيء هناك آخر "لا وجود لعامل مختبئ" يقرر ما اذا كان سينتج او لا ينتج نتيجته. ونفس الشيء، في ضوء النتيجة، نحن لا نستطيع القول انها نتجت مالم تكن نتائج هذا النوع سبقتها دائما اسباب لأنواع عامة مشابهة. المشكلة التي يشير اليها هيوم هي ان التجربة لايمكن ان تعطينا معرفة بأي ارتباط ضروري . نحن فقط لدينا تجربة لما حدث، وما يحدث، لكن ارتباطا ضروريا يستلزم اشراك المستقبل – انه يعمل ادّعاءً حول ما سيحدث في أي وقت يوجد فيه سبب معين. وكما نرى، التجربة تعطينا فقط معرفة في اقتران مستمر. من خلال عادات التفكير، نحن نتوقع "النتيجة" في كل مرة نلاحظ "السبب"، ولكن القول الملائم، هو اننا ليس لدينا معرفة منطقية او تجريبية بان هذا الحدث ادّى الى اللاحق. بالنسبة لهيوم هذا يبيّن اننا لا نستطيع امتلاك معرفة بالكيفية التي تكون بها الاشياء مستقلة عن الصورة التي تبدو لنا، لذا نحن لا نستطيع امتلاك معرفة بالاشياء في ذاتها. وبهذا فان الشك سيبقى.

كانط لم يحصل على شيء في ذاته

في الاستجابة لـ "الشك السببي" لهيوم، كانط سيقول اننا فعلا لدينا معرفة بالسببية وبالأشياء الاخرى ايضا. لكنه يجادل ضد الشك بطريقة مختلفة كليا. اول حركة لكانط هو إعادة تعريف المصطلح الأكثر اهمية "التجربة". هيوم يرى التجربة اما انطباعات حسية ومشاعر او انعكاسات (لسوء الحظ هيوم لا يقول شيئا عن اصل وطبيعة التصورات). بالنسبة لهيوم، التجربة المرئية هي سلسلة من بيانات حسية ملونة في مجموعة فسيفسائية عُرضت للبصر كأشياء في علاقات مختلفة مع غيرها. بالنسبة لكانط، التجربة هي مركب من مجموعة من التصورات المنظمة من جانب الذهن، تشكلت بجزئها الأكبر بواسطة أذهاننا. يسأل كانط، اذا كانت التجربة فقط فسيفساء من الالوان فكيف نمتلك في كل يوم نوع هادف من التجارب حول الطاولات او الكراسي او الصخور او البيوت او سقوط الامطار؟ طالما هذه المجموعات الهادفة من البيانات الحسية لا تستطيع ان تأتي مجتمعة من خلال الأحاسيس ذاتها، هي يجب ان تتجذر في طبيعة الفكر والتمثلات. ولذلك، نحن نستطيع امتلاك معرفة حول العالم الذي نلاحظه من خلال النظر لطبيعة هذه القدرات الذهنية وما ينتمي الى أي تجربة او فكرة مهما كانت. لكي ينتقد الشك حول الأسباب، يجادل كانط اننا لا نلاحظ الأحداث تتبع او تسبق حدثا آخر، في الاوقات التي نلاحظ الحدوث. أي، نحن نلاحظ حدثا في علاقة معينة للزمن: شيء لم يوجد من قبل ولكن يوجد الان. كذلك، الحدث "نتيجة" يمكن ملاحظتها فقط في اتجاه واحد، نحن نلاحظ حك عود الثقاب ومن ثم اشتعاله بينما في تجربة الاشياء نحن نستطيع القيام بهذا في أي ترتيب او اتجاه نريده. انا الاحظ البيت من السرداب وصولا الى السطح، انا استطيع البدء في النظر اليه من السطح وانتقل نزولا (B230). نحن نلاحظ الارتباط الضروري بين حدثين، السبب والنتيجة (الحدوث)، لأن امكانية ملاحظة حدوث شيء يعني وجود سبب. نحن لا نستطيع معرفة أي شيء حول سمة السبب بمجرد تجربة الحدث. ذلك يفسر لماذا لاتزال علاقات سببية معينة مسألة تجربة. انها معرفة السببية ذاتها التي هي قبلية (بمعنى معرفة سابقة للتجربة). يجادل كانط اننا نستطيع الحصول على معرفة اخرى عن الطبيعة ذاتها في نفس الطريقة - عبر التفكير بدلالات تجربتنا كما هي. بهذه الطريقة من التفكير، ما هو الشيء، مثلا؟ فلاسفة القرن الثامن عشر المطلعون على ديكارت، يقولون ان الشيء المادي هو وجود ممتد، يعني ان له حجم في الحيز. لكن كانط يسأل اولا، هل المكان او الحيز شيء نعرفه من التجربة؟ اننا بدلا من تجربة المكان ذاته، كل تجربة حسية عندنا هي سلفا دائما في المكان، او نحن ربما نقول، هل دائما الشيء في حيز هو هنا وليس هناك، هو بجانب هذا، خلف ذاك وما شابه. ولا ان الحيز شيء نستطيع معرفتة من خلال التفكير المجرد حول المفهوم، طالما ان فكرتنا المجردةعن الحيز هي في حجم لا متناهي، ونحن لا نستطيع تصور حجم لا نهائي. لذا من أين جاءت فكرتنا عن الحيز؟ انها يجب ان تكون جاءت من سمات سابقة للتجربة، خاصة، طبيعة "حدسنا الخارجي" – تجربتنا للعالم الخارجي. كانط يرى المكان او الحيز خاصية ذاتية لجميع حدسنا الخارجي، هو يسميها شكل الظهور(B42). انها شيء ضروري لنا لنمتلك اي تجربة للعالم. الزمن يعمل بنفس الطريقة كشكل افتُرض مسبقا من جانب كل تجربة حسية.

الآن اذا كان المكان، كشكل خالص من حدس خارجي، هو وظيفة للتجربة ذاتها، عندئذ كذلك ايضا يجب ان تكون الاشياء، طالما ان الشيء المادي هو دائما وفقط يُتصور في مكان. في الحقيقة، كل ما نعرف عن الاشياء هو ظهورها. وكما يكتب كانط، "فقط من خلال التمثيل يكون ممكنا معرفة اي شيء كشيء" (B125). لذلك لا معنى هناك لقول أي شيء حول طبيعة الشيء مستقلا عن التجربة. في الحقيقة، يبدو انه بالنسبة لكانط لا شيء هناك من قبيل شيء فردي مستقل عن الفكر. هل نستطيع تجنب هذا الخط من التفكير ببساطة عبر تغيير النقاش من الطبيعة الواقعية للاشياء الى الكيفية التي تكون عليها " الاشياء بشكل عام" حقا؟ طالما ان الفكرة الوحيدة للواقع التي لدينا تبرز من تجربة العالم، التساؤل عن"الكيفية التي عليها الاشياء بشكل عام؟"بمعنى ما هو تماما مثل السؤال عن التجربة. الاشياء المباشرة لمعرفة العالم هي الظهور. من خلال اظهار الكيفية التي يتم الحصول بها على المعرفة الوحيدة للاشياء عبر النظر الى تجربتنا بها، كانط يحل مشكلة الشك عبر إذابته. ماهي طبيعة الطبيعة؟ الطبيعة حسب كانط تعني ما نشهده من عالم مرتبط سببيا. وكما يقول، الطبيعة هي فقط ما نلاحظه منها. لكن الا نسأل عن ماذا وراء او خارج تجربتنا؟ كانط يرى ان تجربة العالم تستلزم الاحساس، لذا نحن نسأل، من اين تأتي تلك الأحاسيس؟ يرى كانط ان الفكرة بان إحساسنا له مصدر يكمن وراءه هو مفهوم مثير للإشكال، مفهوم لايستلزم تناقضا لكنه يستحيل تأكيده او إنكاره. ان أي مصدر ممكن للاحساس انت قد تقترح (اذهاننا)، اشياء مادية في ذاتها، الله، هو مستحيل تأكيده او إنكاره لأن تجربتنا هي الاحساس ولا شيء آخر، والتأمل المنطقي حول الطبيعة النهائية للواقع تنتهي في تناقضات لا نستطيع حلها، مثل ان المكان هو نهائي ولا نهائي في وقت واحد.

لذا فان كانط ربما "يحل" الشك حول التجربة الى حد ما عبر إعادة تعريف ما نعني بـ "التجربة"، "الشيء"، "الواقع". لكنه ألا يخلق في ذلك مشكلة جديدة كبيرة؟ كانط يسمي الاشياء في ذاتها noumena، مقابل الظاهر من التجربة الحسية (B297). ان "phenomenon" تعني حرفيا "أشياء الحواس". اما "الأشياء في ذاتها" تعني "أشياء الفكر". لذا ألا تعني طريقة كانط فقط اننا لا نستطيع امتلاك معرفة بالأشياء في ذاتها؟هنا تكمن هذه المشكلة الميتافيزيقية الكبيرة في أعماق ضبابية . نحن يجب ان نتذكر ان الطبيعة – عالم الأشياء – هي سمة للحدس الخارجي او المظاهر. لذا بهذا التعريف، فان الشيء في ذاته ليس جزءا من الطبيعة. ايضا نتذكّر انه بالنسبة لكانط الشيء هو فقط مظهر او مجموعة مظاهر، أو أي شيء نستطيع استنتاجه من ذلك . لذا فان الاشياء في ذاتها هي ليست أشياء. كذلك، المكان هو شكل حدسنا الخارجي، او شكل مفترض سلفا لتجربتنا للظاهر، ولذا لكي يكون شيء ما في مكان يجب ان يكون مظهرا. لذلك، فان الشيء في ذاته ليس في مكان. هذا ايضا يعني انه ليس خارج او وراء أي شيء بالمعنى المادي. اخيرا، نحن يجب ان لا ننسى (رغم ان كانط احيانا يبدو كذلك) ان السببية هي ايضا مفهوم مطلوب للتجربة من خلال طبيعة التمثيل الحسي . السببية هي بالذات علاقة بين مظهرين: السبب والنتيجة. لذا، ماذا يمكن ان يعنيه كانط لو قال ان الشيء في ذاته هو الذي يسبب مظاهر العالم؟ الشيء في ذاته لا يمكن ان يسبب اي شيء وفق فهم كانط للسبب. لذا بالرغم من ان كانط يجادل بان هناك معنى لفكرة ان شيء ما يوجد مستقلا عن فكرنا – العالم كما في ذاته – فان الشيء في ذاته مع ذلك هو مفهوم مثير للإشكال، في اننا لا نستطيع معرفة أي شيء عنه.

العالم كما هو في ذاته ليس جزءا من الطبيعة، او سبب لأي شيء، ونحن لا نستطيع معرفة أي شيء ايجابي عنه. اذاً هل استطاع كانط حل مشكلة الشك؟

***

حاتم حميد محسن

..............

Did Kant solve scepticism? Philosophy Now, June/July 2022

في المثقف اليوم