أقلام فكرية

في علم النفس.. العواطف او الوجدان (1)

ترجمة: د. أحمد مغير

عندما نلتقي بعزيز بعد فترة فراق طويل نشعر بالسعادة ؛ عندما يتشبث الطفل بأمه، فإنه يظهر حبه لها، وعندما يمتدحنا آباؤنا أو معلمونا نشعر بالفخر بأنفسنا. وبالمثل، فإن الفرح والحزن والإثارة وخيبة الأمل والحب والخوف والعديد من المشاعر الأخرى نختبرها في حياتنا اليومية. في هذه المقالة سنوضح ما هي العاطفة، وكيف يتم التعبير عن هذه العواطف وكيف توجه العواطف سلوكنا.

طبيعة العاطفة

مصطلح "العاطفة" مشتق من الكلمة اللاتينية "emovere" التي تعني الإثارة أو الإهتياج أو التحرك. يشار إلى العواطف عموما على أنها حالة مثيرة تنطوي على تجربة ذاتية وردود فعل عاطفية. قد تكون ممتعة أو غير سارة. العواطف السارة هي مصادر الفرح في حين أن المشاعر غير السارة ترتبط بالحالات العقلية المزعجة مثل العدوان والخوف والقلق وما إلى ذلك.

كل عاطفة لها ثلاثة جوانب أساسية.

الجانب المعرفي: يتضمن الأفكار والمعتقدات والتوقعات التي تنطوي عليها عندما نختبر العواطف. على سبيل المثال - قد يجد صديقك رواية غنية بأوصاف الأشخاص والأماكن بينما قد تجدها غير واقعية. الجانب الفسيولوجي: ينطوي على تنشيط وظائف الاعضاء،عندما تشعربعواطف مثل الخوف أو الغضب، فإنك تواجه زيادة في معدل النبض وضغط الدم والتنفس والتعرق.

 الجانب السلوكي: ويشمل أشكالا مختلفة من التعبيرات العاطفية. إذا لاحظت والدك أو والدتك أثناء الغضب والسعادة فستلاحظ أن تعبيرات الوجه والحركات الجسدية ونبرة الصوت تختلف باختلاف الغضب والفرح والعواطف الأخرى.

نظريات العاطفة

حاول علماء النفس تفسير ظاهرة العاطفة بطرق مختلفة. ذكر ويليام جيمس وكارل لانج أن التغيرات الفسيولوجية تؤدي إلى تجربة عاطفية. ووفقا لنظريتهم تبكي اولا ثم تشعر بالحزن، أو تركض اولا ثم تشعر بالخوف. (نظرية جيمس لانج للعاطفة)

أما كانون وبارد فيقولون إنه عندما نواجه حدثا ما، نشعر بتغيرات فسيولوجية وإدراك للعاطفة معا. (نظرية كانون وبارد لتجربة العاطفة)

اما شاشتر و سينغر فيقولون أن العمليات المعرفية تلعب دورا رئيسيا في تجربة العاطفة. وفقا لذلك إذا كان هناك حافز خارجي، فستشعر بالإثارة وتتطلع نحو المحيط لمعرفة سبب حدوث الإثارة. بعد ذلك ستقوم بتحديد العاطفة التي تشعربها. كمثال الرجل الذي يهاجمه كلب توصف حالته بأنها خوف بينما توصف حالة الطالب الناجح في الامتحان بأنها سعادة. عندما نكون متحمسين لحدث أو حافز، فإنه يوفر الأساس لتجربة عاطفية. تتشكل هذه الإثارة في عاطفة محددة من خلال عملية الإسناد. لنفترض أن قلبك يبدأ في النبض بسرعة وترتجف الأصابع. هل هو خوف أو غضب أو فرح؟ إذا تعرضت للإهانة من قبل صديقك، فستفسر ردود الفعل هذه على أنها "غضب". ستواجه الخوف إذا واجهت فجأة ثعبانا وبدأت في الركض بسرعة كبيرة ولكن عندما تكون في سباق، ستعزو هذه المشاعر إلى الإثارة وستكون متحمسا للركض بشكل أسرع من أجل الفوز. يلاحظ أنه في كل حالة سيكون جسمك في حالة تحمس واعتمادا على الموقف والأسباب، يتم تجربة العواطف المختلفة.

أبعاد وتطور العواطف

أظهرت الدراسات الحديثة عبر الثقافات المختلفة أنه يمكن وضع العواطف على طول بعدين، أي الإثارة والتكافؤ. وبالتالي يمكن للمرء أن يكون لديه درجة عالية أو منخفضة من الإثارة وتجربة عاطفية إيجابية أو سلبية (على سبيل المثال ممتعة او سارة مقابل غير سارة). على الرغم من أن القدرة العامة على الاستجابة العاطفية موجودة عند الولادة، إلا أن التطور العاطفي يرجع إلى النضج والتعلم. يظهر الاطفال الرضع استجابات عاطفية مثل البكاء والابتسام وما إلى ذلك و مع نمو الخيال والفهم، يكون الطفل قادرا على التمييز بين أفراد الأسرة والغرباء ثم يتطور عنده الخوف من الغرباء. يتعلم الأطفال التعبير عن مشاعرهم من خلال تقليد والديهم وأشقائهم وأفراد الأسرة الآخرين. على سبيل المثال، التعبير عن الغضب والسعادة كثيرا ما يلاحظ خلال التفاعلات الاجتماعية ويبدأ الطفل في التعبير عنها. يصبح دور التعلم في التطور العاطفي واضحا إذا لاحظنا التعبيرات العاطفية في بعض الثقافات، على سبيل المثال في الثقافة الهندية و المجتمعات الشرقية، لا يظهر الآباء عاطفتهم علنا للأطفال لأنها غير مرحب بها في المجتمع بينما لا توجد مثل هذه الموانع في الثقافة الغربية. التعلم هو المسؤول عن تكييف الخوف من الظلام، والبرق، وبعض الحيوانات أو الأشياء.

بعض المميزات الهامة للعواطف

- ستشعر بمشاعر سلبية عندما لا يتم تلبية أي من احتياجاتك الأساسية و مشاعر إيجابية عند تلبية الحاجة.

- تحت تأثير العاطفة، تواجه تغيرات فسيولوجية مثل تعبيرات الوجه والإيماءات والتغيير في إيقاع ضربات القلب وضغط الدم ونمط التنفس .

- يتأثر تفكيرك ومنطقك وذاكرتك ووظائفك النفسية الأخرى بالعواطف.

- خلال الحالة العاطفية يتم إطلاق كمية هائلة من الطاقة مما يساعد على مواجهة المواقف الحرجة، على سبيل المثال، إذا ركض وراءك كلب، فستركض بسرعة أعلى بكثير من السرعة العادية.

- يلعب كل من النضج والتعلم دورا مهما في التعبير عن العواطف .

-عندما يكون لديك تجارب عاطفية ممتعة، ستكون في مزاج سعيد أو جيد أو إيجابي. في المقابل، فإن التجارب العاطفية غير السارة ستؤدي إلى مزاج حزين أو سلبي.

- التجربة العاطفية يمكن أن تحسن من أدائك إلى حد ما ولكن إذا زادت وطال أمدها فإنها ستقلل من مستوى الأداء.

العلاقة بين الدافع والعاطفة

يجب أن تكون قد أدركت في سياق المناقشة السابقة أن العاطفة والدافع مرتبطان ارتباطا وثيقا. الدافع موجود جنبا إلى جنب مع العاطفة في كل تجربة يومية في حياتنا. عندما تخاف من كلب يركض وراءك، فإنك تبكي طلبا للمساعدة. في هذه الحالة الخوف هو مشاعر تؤدي إلى سلوك موجه نحو الهدف (الجري) وبالتالي يعمل كدافع. شعور الخوف هو أيضا نتيجة للحاجة إلى السلامة فالكلب يهدد سلامتك وتصبح خائفا وتركض. وبالتالي الدافع يؤدي إلى العاطفة والعاطفة مزيد من الدوافع للعمل

بما يتفق مع الدافع الأصلي. أنت متحمس للقيام بأشياء تعطي تجارب عاطفية ممتعة وتتجنب القيام بأشياء تجعلك غير سعيد أو حزين. توفر العواطف الطاقة للدوافع، كلما كانت العاطفة أقوى، كلما زاد مستوى الدافع، كلما غضبت أكثر كلما قاتلت أكثر.

العاطفة و وظائف الأعضاء

خلال التجربة العاطفية، يشارك عدد من اجهزة الجسم فسيولوجيا، يتم التحكم في النشاط الفسيولوجي إلى حد كبير من خلال جزئي الجهاز العصبي اللاإرادي الودي (المثير) واللاودي (المهدئ). يتم إنتاج التغيرات الفسيولوجية التي تحدث أثناء الحالة العاطفية من خلال أنشطة جميع الأعضاء الداخلية والجهاز العصبي. ومع ذلك، فإن الأعضاء التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالتجارب العاطفية هي ما تحت المهاد في الدماغ، والجهاز العصبي اللاإرادي، والغدة الكظرية.

- الغدد الكظرية : تقع هذه الغدد بالقرب من الكلى وتفرز هرمون الأدرينالين. يتم إنتاج التغيرات الفسيولوجية المختلفة التي تحدث تحت الإثارة العاطفية عن طريق إفراز الأدرينالين. وهي تشمل توسع القصبات لمرور الهواء في الرئتين، وزيادة ضربات القلب وضغط الدم وإبطاء عملية الهضم. تلعب هذه الغدد دورا مهما في إعداد الكائن الحي لردود الفعل الطارئة، عندما نكون مشحونين بالعواطف. يتم تحفيزها عن طريق ما تحت المهاد من خلال الجهاز العصبي الودي لإطلاق كمية أكبر من الأدرينالين.

- الجهاز العصبي اللاإرادي: ويتكون من العديد من الأعصاب القادمة من الدماغ والحبل الشوكي إلى مختلف أعضاء الجسم و يتكون الجهاز العصبي اللاإرادي من جزأين كما هو موضح أدناه.

الجهاز الودي: ينشط أثناء الحالات المثيرة ويعد الجسم لتعبئة الإجراءات اللازمة في المواقف المختلفة و يؤدي إلى تمدد البؤبؤ، وزيادة التعرق وضربات القلب، وجفاف الفم وما إلى ذلك.

الجهاز اللاودي: ينشط عندما نكون هادئين ومسترخين . تنشيطه يقلل من معدل ضربات القلب وضغط الدم ويزيد من نشاط الجهاز الهضمي. يتم إعادة جميع التغيرات التي يسببها الجهاز الودي أثناء الإثارة العاطفية إلى الحالة الطبيعية.

- ماتحت المهاد: يتم تنشيط التعبيرات الفسيولوجية أثناء العاطفة بواسطة منطقة ما تحت المهاد حيث يرسل ايعازات إلى العضلات والغدد. يصبح الفرد الذي يفقد وظيفة ماتحت المهاد غير قادر على ابداء أي عاطفة.

الإثارة: عندما نكون مستثارين عاطفيا، غالبا ما نشعر بالحماس. يتم قياس درجة الإثارة من خلال معدل ضربات القلب وضغط الدم ونمط التنفس وحجم حدقة العين. القليل من الإثارة أمر جيد لأنه يبقينا نعمل ويقظين. عندما نصبح مستثارين للغاية (كما هو الحال في الغضب أو الخوف) ينخفض أداؤنا.

فعاليات الكائن الحي أثناء الإثارة العاطفية

التغيرات الجسدية تتغير تعبيرات الوجه أثناء التجربة العاطفية، عندما نكون غاضبين، يصبح وجهنا محمرا، ويتصلب الانف والفكين، ويصبح صوتنا عاليا حاد النبرة وأجش. و تكون جفوننا مفتوحة على نطاق واسع ويتحول الوجه إلى شاحب، وقد ترتجف الركبتان.

التغيرات الفسيولوجية عندما نختبر عاطفة تحدث تغيرات في الأنشطة الداخلية للجسم حيث تحدث زيادة في ضربات القلب وضغط الدم وفي بعض الأحيان نشعر أيضا بألم طفيف في المعدة. عندما نكون غاضبين أو خائفين يتوقف نشاطنا الهضمي، يصبح فمنا جافا ويتوسع بؤبؤ العين، الغدد العرقية تصبح نشطة،وتزداد موصلية البشرة للتيار الكهربائي.

التغيرات النفسية في ظل المشاعر القوية مثل الغضب أو الخوف، يتأثر تفكيرنا وذاكرتنا سلبا، حيث نواجه صعوبة في التعلم ويصبح التركيز ضعيفا، حدث خلل في إدراكنا و تثبيط للذاكرة. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن جميع هذه التغييرات (الجسدية والفسيولوجية والنفسية) تختلف من فرد لآخر.

***

د. احمد المغير

 

في المثقف اليوم