أقلام فكرية

هل هناك غاية للحياة على الارض؟

حاتم حميد محسنبدأت الحياة على الارض منذ حوالي 3.5 بليون سنة. في الـ 2.5 بليون سنة الاولى كانت هناك فقط بكتريا احادية الخلية. هذه الميكروبات تغيرت من حيث التعقيدية – مثلا، كانت هناك انواع بدائية تفتقر للنواة وأشكال اخرى تمتلك نواة  – لكن جميع تلك كانت أحادية الخلية. التنوع في أشكال الحياة بدأ فقط قبل 600 مليون سنة. خاصة بعد الانفجار الكامبيري قبل 530 مليون سنة، تعقيدية الخلايا المتعددة المرتبطة بأشكال عليا للحياة اصبحت منتشرة بما يكفي لتكون واضحة الآن في سجل الحفريات. أي عندما بدأت الحياة تكتسح المحيطات والارض والهواء وبسرعة مدهشة – وهي العملية التي تستمر الى يومنا هذا.البعض يعتقد ان الحياة كتجمّع لها خطة، أي زيادة في تعقيديتها. يتبع ذلك انه اذا كانت الحياة لها خطة في ان تصبح اكثر تعقيدا، يجب ان يكون هناك مخطِط يقف خلف كل ذلك. وفق هذه الرؤية، ذروة هذه العملية ستكون نحن البشر الأذكياء البارعين تكنلوجيا. الثيولوجيون يسمون هذا الغائية، فيها تكون هناك خطة حسب زعمهم لجعل الحياة اكثر تعقيدا، والمخطط هو الله.

معنى الغائية

كلمة غائية (Teleology) مشتقة من اليونانية (تيلوس) وتعني الغاية او الهدف وكان أول من صاغها الفيلسوف كرستيان فون وولف عام 1728. المفهوم في الأصل يعود الى فلسفة ارسطو، حيث السبب النهائي للشيء (الهدف) هو وظيفته. غير ان بايولوجيا ارسطو لم تتخيل التطور عبر الاختيار الطبيعي. العبارات التي استُعملت بواسطة بايولوجيين مثل "وظيفة كذا .. هو لـ ..." او "صُممت لأجل" هي غائية على الأقل في اللغة. وجود غائية واقعية او ظاهرة في توضيحات الإختيار الطبيعي هو مظهر مثير للجدل في فلسفة البايولوجي.

الثيولوجيا الطبيعية

قبل دارون، افترضت الثيولوجيا الطبيعية وجود الله واستُخدم مظهر الوظيفة في الطبيعة للجدال على وجود الله. الانجليزي جون راي أعلن ان قصده كان "توضيح مجد الله في معرفة عمل الطبيعة او الخلق". الثيولوجيا الطبيعية عرضت اشكالا للحجج الغائية او حججا من التصميم، بمعنى ان الكائنات الحية عملت جيدا لأجل هدفها الظاهر، لذا هي صُممت جيدا، و يجب ان تكون صُممت من خالق قدير. فمثلا، العين لها وظيفة الرؤية، واحتوت على خصائص مثل القزحية والعدسة اللتان ساعدتا في الرؤية، ولهذا يؤكد الجدال انها صُممت لأجل هدف.

التطور الموجّه نحو هدف

الصفة المستمرة في المجموعات السكانية يُفترض من جانب البايولوجيين انها كانت اختيرت في مسيرة التطور، وهو ما يثير السؤال كيف يمكن للصفة او السمة تحقيق هذا. البايولوجيون يسمون أي آلية كهذه بـ وظيفة السمة . التكيف هو هيكل مُلاحظ او سمة اخرى للكائن (مثلا، الانزيم) يتولد بالاختيار الطبيعي لخدمة وظيفته الحالية. البايولوجي ربما يقترح فرضية ان الريش هو تكيف للطير لكي يطير. هذا يتطلب ثلاثة اشياء: 1- ان سمة امتلاك ريش هي موروثة 2- ان السمة تخدم وظيفة الطيران 3- ان السمة تزيد لياقة الكائن الذي يمتلكها. الريش من الواضح يلبي هذه الشروط الثلاثة في الطيران. غير ان هناك ايضا سؤال تاريخي وهو هل السمة تبرز في نفس الوقت الذي يطير به الطير ؟ لسوء الحظ هذا لايبدو كذلك: ديناصورات الثيربود امتلكت ريشا لكن العديد منها لم تطير. الريش يمكن وصفه كتكيف مسبق  كونه اختير للطيران لكنه تطور في وقت مبكر لغرض آخر مثل الانعزال. البايولوجيون يصفون كلا الحالتين الاختيار المشترك  والتكيف المبكر بلغة تيلولوجية.

أسباب لعدم الارتياح

هناك عدة اسباب لعدم رضا البايولوجيين عن الغائية:

1- ان مفهوم التكيف نفسه مثير للجدل، كونه يعني، كما يجادل البايولوجيان ستيفن كولد و ريتشارد ليوتن بان البايالوجيين يتفقون على ان كل سمة هي تتلائم بشكل مثالي مع وظيفتها. غير ان البايولوجيا التطورية تتطلب ان تكون السمة أفضل في سياق معين دون آخر ولهذا يتم اختيارها.

2- الغائية ترتبط بفكرة ما قبل دارون في الثيولوجيا الطبيعية، بان العالم الطبيعي يعطي دليلا عن التصميم الواعي والنوايا الحميدة للخالق.

3- ربط الهدف بالتكيف يثير الإلتباس بالأشكال المألوفة لـ اللاماركية حيث افتُرض ان الحيوانات بالذات تؤثر على تطورها من خلال نواياها.

4- التوضيح الغائي غير مريح لأنه يبدو يتطلب سببية رجعية فيها يتم توضيح السمات الموجودة عبر محصلات المستقبل، انه يبدو ينسب الفعل لذهن واع عندما لاشيء يُفترض ان يكون موجودا في الكائن، و بالتالي، تبدو استحالة الاختبار التجريبي للتكيف.

رفض الادّعاءات الغائية

الأقوال التي تتضمن ان الطبيعة لها أهداف، مثلما حين يُقال ان الأنواع تقوم بشيء ما "من أجل" تحقيق البقاء، تبدو غائية ولذلك هي غير صالحة للبايولوجين التطوريين. بعض الفلاسفة في البايولوجي جادلوا بان دارون كان غائيا، بينما آخرون وصفوا هذا الادّعاء كاسطورة عززها سوء تفسير النقاشات، واكدوا على الفرق بين استعمال الاستعارات الغائية وبين حقيقة كونها غائية.

الغائية اللا إختزالية

فلاسفة آخرون في البايولوجي يجادلون ان الغائية البايولوجية غير اختزالية، ولا يمكن ازالتها بأي عملية كلامية بسيطة. (فرانسيسكو ايالا) حدد عدة مواقف منفصلة تكون فيها التوضيحات الغائية ملائمة:

1- اذا كان الفرد يتوقع الهدف من فعله وهو واع بذلك ،مثلا، سلوك التقاط القلم يمكن توضيحه بالاشارة الى رغبة الفرد بالكتابة.

2- التوضيحات الغائية هي مفيدة للانظمة التي توجد فيها آلية للتنظيم الذاتي رغم التقلبات في البيئة، على سبيل المثال،التنظيم الذاتي لحرارة الجسم في الحيوان.

عمانوئيل كانط يرى ان الغائية تنطوي على ان الشيء لا يمكن توضيحه بالعلوم وانما فقط يمكن فهمه من خلال المقارنة. اما البايولوجي J.B.S.Haldane لاحظ ان "الغائية مثل العشيقة للبايولوجي: هو لا يستطيع العيش بدونها لكنه لا يرغب ان يراه الناس معها في الأماكن العامة.

موقف ارنست ماير (1904-2005)

يُعتبر العالم البايولوجي الألماني/الامريكي ارنست ماير من أشهر علماء البايولوجي في القرن العشرين. في كتابه الشهير عام 1942(انظمة التصنيف وأصل الانواع)، اقترح ارنست ماير ان نظرية دارون في الاختيار الطبيعي توضح كل التطور بما في ذلك سبب تطور الجينات على مستوى الجزيء. في  السؤال كيف تنشأ الأنواع في الأصل، اقترح ماير انه عندما تصبح مجموعة سكانية من الأحياء منفصلة عن المجموعة الرئيسية بالزمن او بالجغرافيا، هي بالنهاية تطور سمات مختلفة ولم يعد بالإمكان تهجينها. هذه العزلة او الانفصال هي التي تخلق انواعا جديدة. السمات التي تتطور اثناء فترة الانعزال تسمى "آليات الانعزال" وهي تمنع التهجين بين مجموعتين سكانيتين. لذا فان تطوير انواع جديدة هو الذي يقود عملية التطور.هو رفض وجود خطة لجعل الحياة اكثر تعقيدا. تكيّف الحيوانات لم يكن وفق خطة مصممة سلفا، مثال على ذلك الديناصورات التي كانت موجودة قبل 150 مليون سنة، من الواضح انها تكيفت جيدا مع بيئتها. لو غيرنا واحد او اكثر من الاحداث الدراماتيكية في تاريخ الارض كأن يكون التأثير الكارثي للكويكب الذي ساعد في القضاء على الديناصور قبل 66 مليون سنة، فان تاريخ الارض سيتغير ايضا. نحن لسنا هنا لنسأل عن هدف الحياة. الدرس بسيط وهو: في الطبيعة، عملية الخلق والتدمير يسيران جنبا الى جنب وان عشوائية الحياة جعلت من المدهش انها تطورت لتتضمن انواعا قادرة على التساؤل عن أصلها.

***

حاتم حميد محسن

....................

المصادر

1- Dose life on earth have a purpose? Bigthink.com, Aug3, 2022

2- Wikipedia, the free encyclopaedia

3- Ernst mayr and the Evolutionary synthesis

 

في المثقف اليوم