أقلام فكرية

النقصان في الذات والوجود

علي محمد اليوسفورد على لسان المفكر والمترجم الفلسفي د. عبد الغفار مكاوي عن آخر نص كتبه كارل ياسبرز احد اعمدة الفلسفة الوجودية بعنوان (تاريخ الفلسفة بنظرة عالمية) قوله : "الانسان بالاساس لا اكثر مما يمكنه ان يعرف عن نفسه". وهي عبارة مرادفة لعبارة أحد الفلاسفة الاميركان قوله :الانسان هو حدود ما يدركه ويعرفه عن ذاته وعالم الاشياء المحيط به في المجتمع والطبيعة.. واضيف عبارة اخرى لياسبرز قوله " انني لا اتحول الى موضوع امامي انا نفسي ". ارى في تعبير ياسيرز هذا استشكالا حول ادراك الذات في المداخلة مع الموضوع لا مجال الى مناقشتها الان.

في الفقرتين السابقتين اراد ياسبرز ان يقول ان الانسان هو وعي ذاتي لغوي تجريدي في ادراكه لذاته التي هي ماهيته التي اعتبرها انا تشمل مجموعة العواطف والاحاسيس والنزعات الفطرية والمكتسبة والغرائز التي تتوزعها اجهزة الجسم الداخلية التي يحتويها الضمير والعاطفة والوجدان وليس العقل.

رغم الفارق البيولوجي بين مثالية الضمير ومادية العقل... اجد ان الضمير عاطفة صادقة في حب الخير والاخلاق القويمة والوجدانات لا تخطأ اغلب الاحيان بخلاف العقل الذي يخطأ حتى بصرامته العلمية التي تحكمها التجارب العلمية والمعادلات الرياضية..

مالسبب الذي دعاني تغليب مصداقية الضميركمفهوم ميتافيزيقي على مادية العقل كمصطلح ادراكي معرفي متفق عليه؟

الاجابة المقتضبة ان العقل يعتمد الاحساسات التي مصدرها مدركات الحواس التي هي غالبا ماتكون قاصرة خاطئة في نقل الانطباعات الخارجية للعقل. اما الضمير فمصدر تكوينه وتغذيته هي مجموع الاحاسيس الداخلية التي تثيرها اجهزة الجسم لايقاظ صحوة الضمير في استشعارات غايتها اشباع حاجات الجسم البيولوجية والنفسية قبل نقل تلك الاستشعارت للعقل والبت فيها..

انا ادرك جيدا من الناحية الفسلجية البيولوجية ان قرارات العقل سابقة على سلوك استجابات العقل اشباع العواطف الوجدانية والاخلاقية للضمير التي بخلاف دائم مع صرامة العقل الذي لا يتقبل العواطف النفسية وايعازات السلوك ما لم يتم تخليق ردود افعال الدماغ /العقل في التاكد من صلاحيتها الفكرية.. السلوك النفسي يستهدي دوما بوصاية العقل والاستجابة التنفيذية لها. لذا تكون الاخلاق والضمير وكافة المتعالقات بها لا تعمل باستقلالية عن العقل وتحديدا عن خاصية الدماغ البيولوجية. 

العقل الانساني عقل خلاق يعلو قوانين الطبيعة في إدراكه الاشياء بتخليقها وليس في خلقها, قوانين العقل الانساني الوضعية هي إختراعات وليست إكتشافات مثل اكتشاف قوانين الطبيعة الثابتة. فالعقل يعقل نفسه ادراكيا ويعقل الطبيعة في قوانينها وطبيعة موجوداتها في وقت واحد, لذا دأبت الفلسفة ترديد عبارة الانسان ذات وموضوع ولا إنفكاك بينهما. بينما الطبيعة لا تمتلك عقلا تعي فيه ذاتها ولا تدرك الانسان موضوعا لها يتعايش معها بخلاف الانسان. كينونة الانسان لا تمتلك وصايتها على الضمير ولا على الاخلاق ولا على العواطف بمعزل عن طبيعة العقل الادراكية المعرفية.

كما اورد الدكتور عبد الغفار مكاوي على لسان جابرييل مارسيل وهو ايضا احد اعمدة الفلسفة الوجودية قوله " انني وفي كل الاحوال لا اكثر من مجموع الصفات التي يمكن ان يخلعها عليّ اي بحث اقوم به لنفسي او يتولاه غيري عنه" ص8 من تقديم النص المترجم 40 صفحة فقط. هنا جبريل مارسيل يعتبر ادراك الذات لنفسها (ناقصا) وهي في نفس الوقت موضوعا لغيرها ناقص الادراك التام ايضا.

توحيد العبارتين بمعنى يجمعهما معا هو ان الانسان بعيد عن الكمال في وعيه لذاته وفي تشكيل ماهيته وكذلك في تعامله مع مجتمعه. الانسان في حقيقته ناقص الكينونة البايولوجية وناقص الكينونة المعرفية. ولا فرق هنا بين الانسان العادي الذي تتوزع اهتماماته العمل اليومي وتكوين الاسرة ومحاولته الدؤوبة تحسين اوضاعه المعيشية في تحقيق طموحاته المتسلسلة حسب الاهمية. وبين الاخر الذي يمتلك التحصيل العلمي المميز او العمل ايا يكن نوعه اوايا يكن مستواه الثقافي او المعرفي. بمعنى كينونة الانسان ليست هي تحصيله العلمي المائز عن الاخرين ولا هي الشخص امتلاكه الملايين في تغييب دور ضمير العقل في كل منحى بالحياة.

الكينونة الانسانوية هي تجنيس نوعي وليس امتيازا عقليا يشمل مجموع الجنس البشري. الكينونة لاتمثل تمام وكمال ذات الانسان بل هي تعبير عن وجود انطولوجي متكامل يحتويه جسم الانسان مع العقل والاخلاق في تنوعاتها التجاذبية الاختلافية بما لا يمكن حصره.

هنا نعرّف الانسان كينونة وجودية بغض النظر عن التمايزات التي ذكرناها انه تلك الكينونة الموجودية الناقصة التي يكون سبب النقص فيها هو نقص حدود مايدركه الانسان عن ذاته وعالمه المحيط به كائنا بيولوجيا موجودا في مجتمع وطبيعة تحكمانه. فالانسان هنا يكون مجموع حصيلتي ما يدركه كذات مفكرة من جهة وما يكتسبه من خبرة معايشته لمجتمعه من جهة اخرى. ولا ضير ان تكون تلك الكينونة موضوعا لغيرها من نفس النوع البشري الاخرين.

لذا يكون نقص كينونة الانسان  ليس بعيب يرثه او يكتسبه, وانما نقص الانسان ياتي بسطوة محدودية الادراك العقلي المعرفي الفطري و الادراك العقلي الخبراتي التجريبي المكتسب في تاكيد الوجود البايولوجي الذي لا يختلف فيه عالم الذرة مع موظف ساعي البريد او عامل البناء او غير ذلك من ناحية كينونة الوجود كجسم وليس من ناحية فروقات العقل المعرفي الادراكي بين الاثنين. الكينونة بيولوجيا الوجود والعقل بيولوجيا التفكير.

هنا الفرق المعرفي بين الانسان العالم فائق الذكاء والعامل البسيط عادي الذكاء لا يجعل من كينونة العالم اقل نقصانا عن نقصان الشخص العامل كون الكينونة ليست معرفة عقلية بل هي وجود انطولوجي. الكينونة هي الوجود الانسانوي في عالم طبيعي ومجتمع يحيط به ويتعايش معه. وليست الكينونة ذاتا تعي وجودها والمحيط بانعزالية عما حولها او يحتويها.

بالحقيقة ديكارت في كوجيتو اثباته الوجود من مصدر التفكير نوعيا انما هو قام باثبات وجوده كينونة موجودية بايولوجية وليس موجودية عقلية تعي ذاتها بامتيازاجتماعي ... حين ربط تحقق الوجود بناتج التفكير المجرد للفرد المنفرد المنعزل .بهذا المعنى نحن اذا اخذنا الانسان كينونة موجودية تفهم وتفكر بأعلى مستويات الذكاء وبين شخص تأهيله التعليمي دون المتوسط في اكتسابه مهارة مهنية تمكنه تامين عمل و تكوين اسرة او غير ذلك, نجد النقصان البيولوجي يجعل النموذجين يعيشان نفس حال النقص المحكومين به في طبيعة الحياة.

فالعقل المعرفي المتميز وان كان يفوق العقل المحدود بالنسبة لغالبية الناس فهو اي هذا العقل المعرفي المتقدم هو ناقص بمحدودية ما يدركه علميا ويفكر به ذاتيا. بنفس نقص العقل المعرفي المتدني المستوى لكن يبقى الفارق النوعي عند العقل العالم لا يتساوى مع الادراك العقلي الذي يعيش الحياة بروتين تحدده وسائل العيش مثل الاكل والنوم واشباع الجنس وهكذا.

كينونة الانسان ونقصان تكويناتها

كينونة الانسان التي تتوزعها الاقانيم الثابتة التالية نجدها موزعة بين امتلاكها العقل ووعي الذات وامتلاكها الجسم وامتلاكها اللغة واخيرا امتلاكها الوجود الطبيعي الارضي – الكوني. هذه الجوانب وغيرها من التمايزات التي تمثل خصائص انسانوية شخصية لكينونة الانسان نجدها في حصيلتها العامة ناقصة في كل شيء يدركه الانسان تتشكل عنه حصيلته كينونة موجودية ولا تتشكل عنه ذاتا عارفة بكل شيء.. وهذه غير الخصائص التي يمتلكها الانسان ولا تمتلكها لا الطبيعة ولا مكوناتها الموجودية من كائنات حيوانية ونباتية.

خذ عقل انسان ما لا على التعيين هو في حالات عديدة ناقصا ويخطأ كما تخطأ عقول الناس بلا استثناء. ثم عندما نقول عقل الانسان هو ما يمتلك فهمه عن ذاته وحريته وحقوقه بالحياة وحقوق مجتمعه له او عليه. يكون العقل منقوصا بسبب محدودية الادراك ومحدودية الذكاء لديه ايضا. في معرفة ضبط سلوكه وتعامله السوي مع مجتمع يمتاز بسلوكيات متباينة وعواطف مختلف وما يتبعها من اخلاق وضمير وحب الخير ونزعة الشر التي تتلبسه وغيرها من مميزات نفسية عاطفية.

حين يختصر سيلارز الفيلسوف الامريكي اللامع قوله (الوجود لغة) لو نحن تعمقنا فهم هذه المقولة الصائبة المختزلة لكثير من التفلسف ان كل الوجود هو (لغة) لاغير. لعرفنا مدى اهمية اللغة بعد العقل في اهميتها التكوينية لوجود الانسان وماهيته بالحياة اي لكينونته الناقصة ادراكيا وليست الناقصة عضويا.

سيلارز الذي يقر بان الوجود بجميع تكويناته هو ادراك وتعبير لغوي انا اعتبرهذا الوجود حصيلة  ناقصة ايضا. بسبب نقص الادراك اللغوي ونقص تعبير تداعيات ردود الافعال الاستجابية الواردة من العقل في تعامله اللغوي والسلوكي مع وعي الذات والعالم في تطابق تام متعذر او في اختلاف ناقص قائم.

بمعنى عبارة الفيلسوف الاميركي سيلارز انت لا تستطيع التعبير عن ادنى خاصية عقلية او سلوكية او نفسية او معرفية او علمية او جمالية او ما لا حصر له دونما وسيلة تعبيراللغة في نقصانها وليس في تمام تعبيرها.. علما ان فلسفة اللغة وعلوم اللسانيات اعتبرت خيانة تعبير اللغة بمثابة جعل البشرية تسير نحو مراكمة الاخطاء في كل مجال من مجالات الحياة التي صنعت التاريخ الانساني بمجمل تكويناته وقادته الى سلسلة من الاخطاء التي جعلت من تاريخ الفلسفة مثلا هو تاريخ تصحيح اخطاء مسارات حياة الانسان بسبب تعبير اللغة الناقص عبر التاريخ.

فيصبح معنا امام التسليم بحقيقة ان تاريخ الفلسفة وتاريخ اللغة , وتاريخ المعرفة والوجود هو تاريخ تصحيح الاخطاء التي وقعت بها هذه المسارات عبر العصور. ان نتيجة كل هذه النقائص والاخطاء الملازمة لها انما تكون في محصلتها الانسان وجود معرفي يتقادم على مر العصور تصحيح اخطائه بالحياة له ولغيره طيلة حياته. وتدخل اللغة وسيلة معرفية فيه بدءا من انثروبولوجيا الانسان وصولا وليس انتهاءا بالفلسفة والعلوم الطبيعية ومنجزات التكنولوجيا والنظم السياسية والديمقراطية المتحررة.

اليوم فلسفة العقل واللغة ونظرية المعنى تجد في تصحيح تاريخ اخطاء اللغة هو المدخل الوحيد في تصحيح اخطاء تاريخ الفلسفة والعلوم الطبيعية باكملها. وهكذا الحال في معالجة اخطاء اللغة وتكوينها الناقص في التعبيرعن باقي مسارات الحياة الخاطئة في متراكمها عبر العصور..

نقصان الكون هو جزء مكمل من نقص حياة الانسان

نذهب كيف يكون الانسان ناقصا (كونيا) فوق نقصانه الارضي المتعدد الذي مررنا على جنبة منه في نقصان ادراك العقل ونقصان تعبير اللغة؟

بالاجابة المباشرة التي تحضر كل شخص ان هذا الفضاء الكوني الذي اكتشفه الانسان الذي يمثل وجود الانسان والطبيعة الارضية فيه نقطة تائهة في مجال لانهائي لا مدرك ولا محدود ولا تعرف بدايته ولا نهايته والى اين يذهب وما مصير الانسان في تعالقه معه.؟,

الوجود الكوني بكامله وليس الزمان ولا الضوء ولا الجاذبية ولا غيرها من خصائص كونية وقوانين طبيعية وفيزيائية هم جميعا ضمن وحدة سرمدية لانهائية هي في حقيقتها تمثّل تكوين كونية وجودية ناقصة هي الفضاء. وقد سبق واشار علماء الفيزياء الكونية تاكيد هذه الحقيقة التي احاول تلخيص ما يحضرني منها.

ذهب العديد من علماء فيزياء الكون ان هذا الفضاء اللانهائي هو مليارات تليها مليارات في متوالية هندسية لا تقف عند حد نهائي من كواكب ومجرات ونجوم انه ولد عما اسموه الانفجار العظيم لصدفة لا يمكن ان تتكرر بعد ملايين من السنين الضوئية لا في محاولة وجودها من غير علة ولا في تصنيعها مختبريا علميا هو في حركة دائبة ليس من الامتداد والتقلص التي اثبتها علميا انشتاين وحسب وانما من الحيرة التي خلقتها هذه الخاصية ان الكون دائم التوسع والامتداد نتيجة امتلاكه طاقة غير نافدة هي سبب الحركة التوسعية الامتدادية للكون...ما يترتب عليه ان فائض مسار التوسع الكوني يحتاج فراغات تستوعبه وتحتويه من اي نوع كانت.

الطاقة الحركية التي يمتلكها الكون في مجراته ومجموعاته الكوكبية التي لا نعرف مصدرها هي الدلالة الوحيدة التي نمتلكها في تاكيد انشتاين في النسبية العامة 1915 ان الكون يتمدد ويتقلص بعلاقة طردية واحيانا بعلاقة عكسية نتيجة تداخله مع عوامل موضوعية بالكاد نستطيع فهم جزء منها بفضل علماء الفيزياء والكون.

هنا تبرز امامنا مسالة لا يمكن اغفالها هي الا يحتاج هذا التمدد الانبساطي التوسعي للكون الى حيز دائمي من فراغ يتقدمه ويحتوي فائض حركته التوسعية الامتدادية الانبساطية في اتجاهات غير معلومة؟ الجواب بالتاكيد نعم. في حال اقرارنا ان الكون بحالة من التمدد الدائمي يحتاج فراغا يستوعب ويحتوي فائض تمدده التوسعي وهو ما يضعنا امام احتمالية اشار لها العلماء وحتى بعض الفلاسفة مثل ارسطو ان هذا الفضاء الكوني اللانهائي ناقصا بدليل اثبات حركته الدائبة في اشغاله حيّزات من فراغات فضائية لا حصر لها تدلل على نقصان الكون كوزمولوجيا.. رب معترض يقول ان فائض التمدد الكوني تحتويه وتستوعبه مجرات الثقوب الدودية السوداء التي تلتهم كل نفايات الفضاء التي هي على شكل كواكب انتهت دورة حياتها في نضوب الطاقة لديها. تذهب الموسوعة العلمية الى ان الثقوب السوداء تتكون من اربعة ابعاد تجمع الزمكان هي ابعاد المادة الثلاث زائدا الزمن الذي اضافه انشتاين. والثقوب السوداء الفضائية تمتلك جاذبية على مستوى عال جدا. حيث لا تخلص منها الجسيمات او موجات الاشعاع الكهرومغناطيسي مثل الضوء الافلات منها.

ماذا لو نضبت الطاقة الحركية للكون؟

السؤال ماذا يحدث في حال نضوب الطاقة المغذيّة الدافعة نحو توسع وتمدد الكون.؟ اذا قلنا ان الفضاء ناقص الوجود التام  نصطدم باثبات نظرية الكون بحالة من الاتساع والتمدد والحركة ما ينافي ان نحسم الامرانه الكون تام الكمال مكتف بذاته او نقول ان الفضاء الكوني ثابت اكتسب كامل حجمه وهو غير مرجح ولا صحيح مع حقيقته الكونية انه يتمدد ويتوسع بفعل طاقة الانفجار العظيم.. وقبلها مع لانهائيته المطلقة التي لا يدركها العقل الانساني.

امام هذه المعضلة تبرز امامنا الاستشكالات التساؤلية الدائمة:

- هل الانفجار العظيم الكوني الذي عمره 13,7 سنة ضوئية حقيقة ثابتة ام افتراض وهمي اوجدته النظريات العلمية؟ حول الاختلاف ان الكون مصنوع من خالق مع فرق الكون نتج عن الانفجار العظيم بالصدفة.

- هل فعلا الكون هو في حالة من تمدد وتوسع دائمي يحتاج فراغا يسبقه يحتوي تلك الامتدادات الفائضة عن اصل الكون وحجمه غير المدركين عقليا؟ بالتاكيد نعم طالما اخذنا بنظرية الكون يتمدد ويتسع.

- هل فعلا الكون وجود لا نهائي مكتف بنفسه لا يقبل الاضافة له كما يرفض الاخذ منه وكيف يتم انجاز مثل هذه التوقعات؟ بمعنى ماهي الآلية لحصول وتحقق مثل هذه الافتراضات؟

- هل الكون ناقص بالوجود ام هو كامل بالوجود؟ وكلا الوجودين واحدا لا يمكن ادراكه. لو نحن قلنا الكون ناقص ويحتاج الى فراغات تحتوي تمدداته لكنا نقبل بفرضية صواب نظرية التمدد والانكماش ليس للزمن بل وللكون باكمله. واذا قلنا الكون ليس ناقصا بل كاملا فهذا ينفي ان الكون حركة دائمية من التمدد والانبساط المكاني ناتجة عن طاقة حركية دائمية ذاتية استولدها الانفجار العظيم بقدرة نجهلها..

يترتب على ما ذكرناه التسليم بواحدة او اكثر من الفرضيات التالية  :

1. ان الله خلق الكون ناقصا يحتاج الى فراغات فضائية زمكانية يشغلها فائض تمدده الفضائي على الدوام. وهي نظرية فلسفية اثارها ارسطو قبل اثارة العلم الفيزيائي لها. اذا اعتبرنا الانفجار العظيم هو ارادة الهية وان حركة التمدد والانكماش والتوسع هي دليل قطعي على ان الفراغ المكاني وجود موجود ليحتوي ويستوعب التمددات الحاصلة في العشوائية الجغرافية التكوينية للكون. تكون نتيجة ما ذكرناه ان الكون مخلوق ناقص يتمدد ويتوسع ويحتويه فراغ فضائي يستوعب فائض ناتج هذا التوسع في حجم الفضاء.

2.  اذا كان الانفجار العظيم الذي دام مليارات من السنين الضوئية هو نتيجة صدفة عجيبة حيرت العلماء, فخاصية التمدد الكوني تحتاج ايضا الى فراغ يستوعب ويحتوي فائض التمدد. وهذه الفرضية على ما اعتقد هي (مقدس) الملاحدة من علماء الفيزياء الكونية. حول الفضاء الكوني ناتج الانفجار العظيم الذي يستتبعه التمدد والاتساع الذي يحتاج الى فراغات ليست مكانية بل فلكية تستوعبه وتحتويه يطلق عليها العلماء زمكانية.***

3. الانفجار العظيم الذي حصل بفعل فاعل هو الخالق فهل تمدد الكون نحو فراغ فضائي يحتويه هو دليل نقص اختاره الخالق في اثبات اعجازه التخليقي للكون غير المحدود غير المدرك في تقزيم محدودية ادراكات العقل الانساني.. انه جعل الكون ناقصا يزامنه التمدد التوسعي.

4. حركة التمدد التوسعي يصاحبها استهلاك الطاقة الكونية في ادامتها حركة الكون وتمدده. عليه يكون التمدد الكوني يصل مستقبلا ربما بعد ملايين او مليارات من السنين الضوئية الى مرحلة استهلاك الطاقة الديناميكية المغذية لاندفاع التمدد الكوني ذاتيا فيه ويعيش الفضاء حالة من عشوائية غير محسوبة لا يدركها العقل.

5. مثلما  اشار العلماء الى فرضية نهاية وفناء الانسان على الارض نتيجة استهلاك الشمس للهيدروجين ما يجعل درجة حرارة الارض تصل الى مادون الصفر من الصقيع الجليدي الذي يجعل استحالة العيش على الارض يصبح امرا واردا علميا .

كذلك سيكون نفس الحال معنا في نضوب الطاقة الحركية التي تديم حركة الامتداد الكوني ليرتد ايضا نحو التراجع الانكماشي وبذا لا يختل فقط نظام عيش الانسان على الطبيعة بافناء وانقراض يتهدده مستقبلا. بل يصيب الاختلال عشوائيا الكون بكل لا محدوديته ولا نهائيته.

باستنزاف الكون طاقته الحركية يتوقف عن التمدد ما يجعله يعيش مناخا جليديا انجماديا تنعدم فيه كل الاحتمالات في وجود انساني او اي شكل من اشكال الحياة يستوطن احدى الكواكب الفضائية.

***

علي محمد اليوسف /الموصل

............................

ملاحظة: المقال اجتهاد فلسفي خاص بكاتب المقال لا يستند الى مصدر علمي فيزيائي ولا الى نقل عن فكرة سابقة لاحد الفلاسفة او العلماء. لذا اتحمل اي خطأ فيزيائي علمي ورد بالمقال الذي هو مقال فلسفي تنظيري تجريدي. كما اود الاشارة الى اقتباس عبارة عن الموسوعة حول الثقوب السوداء فقط وردت في متن المقال.

في المثقف اليوم