أقلام فكرية

الثقافة ومدى حاجتها للفلسفة

كانت المقدرة على نقل المعلومات عبر الأجيال بوسائل غير التبادل الوراثي هي السمة الأساسية للنوع الانساني، بل ومن المهم تحديدا للانسان هي قدرته على استعمال أنظمة الرموز لغرض الاتصال. في الاستعمال الانثروبولوجي تشير كلمة "ثقافة" الى جميع ممارسات تبادل المعلومات  التي هي ليست وراثية. هذا يتضمن كل الأنظمة السلوكية والرمزية.

اختراع الثقافة

رغم ان مفردة "ثقافة" كانت متداولة على الأقل منذ عصر المسيحية المبكرة (نحن نعلم،مثلا، ان الفيلسوف الروماني شيشرون قد استعملها)، لكن استعمالها الانثروبولوجي تأسس بين نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن الماضي. قبل هذا الوقت، كانت "الثقافة" تشير الى العملية التعليمية التي كان الفرد يباشرها. وبكلمة اخرى، "الثقافة" ارتبطت بفلسفة التعليم. لهذا نحن نستطيع القول ان الثقافة كما نستعملها اليوم، هي اختراع حديث.

الثقافة والنسبية

في التنظير المعاصر، كان التصور الانثروبولوجي للثقافة واحدا من أخصب المجالات للنسبية الثقافية. وبينما بعض المجتمعات تشهد انقسامات عرقية وتمايز جنسي واضح، لكن مجتمعات اخرى لاتبدو تعرض مظاهر مماثلة. النسبيون الثقافيون يؤمنون بان لا توجد ثقافة لها رؤية اكثر صحة من أي ثقافة اخرى، انها ببساطة رؤى مختلفة. مثل هذا الموقف كان في صدارة المناقشات في العقود الماضية، وترسّخ بقوة من حيث نتائجه السوسيوسياسية.

التعددية الثقافية

قادت فكرة الثقافة لاسيما من حيث ارتباطها بالعولمة، الى مفهوم التعددية الثقافية. بطريقة او باخرى، يعيش جزء كبير من سكان العالم المعاصر في أكثر من ثقافة، كأن تكون بسبب تبادل تقنيات الطهي او المعرفة الموسيقية او أفكار الموضة وغيرها.

كيف ندرس الثقافة؟

أحد المظاهر الفلسفية للثقافة الأكثر إثارة للاهتمام هو المنهجية methodology التي بواسطتها كانت تُدرس نماذج الثقافة وعيّناتها. في الحقيقة، يبدو،ان المرء لكي يدرس الثقافة يجب عليه ان يزيل نفسه منها، والذي يعني ان الطريقة الوحيدة لدراسة الثقافة هي ان لا تشترك فيها. ان دراسة الثقافة تثير واحدا من أصعب الأسئلة ذات العلاقة بطبيعة الانسان: الى أي مدى انت حقا تستطيع فهم نفسك؟ الى أي مدى يمكن للمجتمع تقييم ممارساته الخاصة ؟ اذا كانت المقدرة على التحليل الذاتي للفرد او الجماعة محدودة، فمنْ هو الشخص الأفضل المؤهل للتحليل ولماذا؟ هل هناك وجهة نظر تتناسب بشكل أفضل لدراسة الفرد او المجتمع؟

ليس من قبيل الصدفة، ان يجادل المرء بان الانثروبولوجيا الثقافية تطورت في نفس الوقت الذي تطوّر وازدهر فيه علم النفس وعلم الاجتماع ايضا. جميع الحقول الثلاثة يبدو انها عانت من نفس العيب: وهو أساس نظري ضعيف فيما يتعلق بعلاقتهم مع موضوع الدراسة. اذا كان السؤال في علم النفس دائما شرعيا حول أي أرضية اعتمدها الخبير المهني باعتبارها أحسن رؤية عن حياة المريض مقارنة بالمريض نفسه، فان السؤال في الانثربولوجيا الثقافية يكون عن أية أرضية كانت هي الأفضل لدى الانثربولوجيين في فهم ديناميكية المجتمع قياسا بأفراد المجتمع نفسه. كيف ندرس الثقافة؟ هذا هو السؤال الذي لازال مفتوحا. حتى اليوم، هناك بالتأكيد عدة نماذج من البحث حاولت معالجة الأسئلة المثارة أعلاه عبر منهجيات معقدة. ولايزال الأساس يبدو بحاجة الى علاج وإعادة علاج من زاوية فلسفية.

***

حاتم حميد محسن

 

 

في المثقف اليوم