أقلام فكرية

أوهام نهاية الدولة في المفهوم الماركسي.. وفخ الأيديولوجيا

إن المنهج الذي تبناه ماركس في فلسفته السياسية، وفي بناء نظريته حول الدولة، يؤكد على ضرورة الابتعاد عن المطلق والخلود والتقديس والذاتيّة في رؤيتنا للظواهر الاجتماعيّة ومنها الدولة، والتركيز على النسبية في آليّة عمل الظاهرة التي نتعامل معها.

بتعبير آخر: إن المنهج الماركسي يرفض كل إضفاء المطلق على الحقائق الخالدة، أو على أي موضوع يُعْتَقُد أنه يوجد لذاته بعيداً عن العلاقات الاجتماعيّة الموضوعيّة والذاتيّة، بل يجب الانطلاق من التجربة الإنسانيّة، ذلك أن العالم المحسوس ليس هو سوى الفعاليّة العمليّة والمعرفيّة للنشاط الإنسانيّ الماديّ والروحيّ معاً، وأن العلاقة بين النشاط الإنسانيّ والمعرفة، هي علاقة جدليّة ديالكتيكيّة، ذات سيرورة وصيرورة مستمرة.

انطلاقاً من هذه الرؤية المنهجية الماديّة التاريخيّة، فأن البحث في الظواهر يجب أن يستقل عن الأيديولوجيات المسبقة التي وضعت داخل الغرف المغلقة، وأولها المفهوم المطلق الذي يضفي على الموضوع نوعا من التحيز واللاموضوعيّة. والأيديولوجيا حسب ماركس، هي الوهم الذي يقوم على طرح معرفة تعد نفسها مستقلة عن السيرورة الحيويّة للإنسان وعن وجوده الاختياري. وهذا ما يجعلنا نستنتج أن ماركس ينطلق من الواقع باعتباره الأساس الذي يفضي إلى المعرفة، وهو نفسه – أي ماركس - الذي أدى به إلى الارتباط بالفكر الثوريّ المعارض للأيديولوجيات، وبه سينتقد العلاقة بين طبقات المجتمع. إذاً من خلال هذا المنهج يُطرح علينا السؤال التالي: كيف نظر كارل ماركس إلى الدولة؟

الصراع الطبقيّ والدولة:

لقد أكد فكر ماركس في كتابيه (الجزء الثالث من الرأسمال) و(مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي)، وكذلك انجلز في كتابه (أصل الملكيّة والعائلة والدولة)، ولينين في كتابه (الدولة)، بأن ظهور اَلْمِلْكِيّةِ الخاصة يعتبر السبب الرئيس في تشكل النواة الأولى للدولة، هذه اَلْمِلْكِيّةُ التي فرزت المجتمع منذ البداية بين مالك ومنتج، وأوجدت بالضرورة علاقات استغلاليّة أدت إلى تناقضات وصراعات متواترة في حدتها، أفضت إلى خلق تحولات عميقة ومستمرة داخل البنية الاجتماعيّة، ممثلة في طريقة أسلوب الإنتاج المهيمن في كل مرحلة من مراحل تحول التاريخ البشري. وهذا ما جعل منظرو الماركسيّة وفي مقدمتهم ماركس يذهبون إلى القول بأن الدولة ما هي إلا ثمرة الصراع الطبقيّ، فمنه ولدت الدولة أول مرة، لكي تعمل على إخماد نيران التناقضات والصراعات التي نشبت ولم تزل تنشب بين طبقتين متناقضتين اقتصاديّاً، فالأولى: تملك وسائل الإنتاج وتطمح إلى تراكم وزيادة الأرباح، والثانية :طبقة منتجة لا تملك إلا قوة عملها، حيث استطاعت الطبقة المالكة أن تحول قوة العمل (أي جهد المنتج) ذاتها إلى سلعة، بعد أن استُلبت قوة العمل هذه اقتصاديّا واجتماعيّا وثقافيّا وروحيّا، وبعد أن قامت بتغريب العامل المنتج وتشيئه وتحويله إلا ترس في آلة.

إذن لقد استعمل كارل ماركس الصراع الطبقيّ من أجل فهم وتحليل الظواهر الاجتماعيّة، وعلاقة المجتمع بالحروب والأوبئة والثورات والغنى والفقر، وانتهى إلى القول: إن كل المجتمعات في صراع دائم، مادامت الأطماع تتنافس على السلطة والثروة، كما يؤكد على أن القوي وصاحب الهيمنة هو من يستطيع الانفراد بالسلطة والحصول عليها والهيمنة على الثروات، بدون أن يكون هناك الحاجة إلى التوافق المهاراتي والتعاقد، وأن الطبقات المستغلة تسعى دائما إلى الاغتناء والحفاظ على مكانتها الاجتماعيّة والاقتصاديّة، ويكون سلاحهم في ذلك القمع والسيطرة على حقوق الطبقة المسحوقة أو المستغلة، بيد أن تصور الماركسيّة للتاريخ يبين لنا أن هذا الظلم الذي مارسته وتمارسه الطبقات المالكة على القوى المنتجة ومنها البروليتارية من قبل الطبقة الرأسماليّة، (1)، لابد أن ينتج عن هذا الاستغلال المتوحش للطبقة العاملة ردود أفعال وثورات ضد الطبقة الرأسماليّة ونظامها. لأن من طبيعة الطبقة البرجوازيّة الوقوف ضد رغبات القوى المضطهدة ومنعها من تحقيق عدالتها ومساواتها، أي منعها من تحقيق إقامة نظام اجتماعيّ عادل تختفي فيه الفوارق بين الأفراد وتزول فيه الطبقات. هذا وينظر ماركس إلى المجتمع باعتباره وحدة عضويّة كليّة ومترابطة، ولا يمكن فهم أي جزء منها معزولا عن الأجزاء الأخرى، فالعلاقات التي تحكم المجتمع هي أساساً علاقة التكامل والتواصل والترابط، ولا مكان فيه لاصطدامات بين مكوناته، ومن خلال النص التالي يبين لنا ماركس كيف تحولت العلاقة بين الطبقة البروليتاريّة والطبقة البرجوازيّة إلى علاقة صراع. “يستتبع التملك الخاص لوسائل الإنتاج تقسيم العمل، ولهذا التقسيم وجهه الإيجابيّ فيما أنه يحقق تقدما في جعل العمل اجتماعيّا (بواسطة السوق) غير أن هذه القوة الإنتاجيّة تفلت من رقابة الناس وتنتج بدورها نتائجها الخاصة، إذ يستحوذ أصحاب الوظائف العليا على وسائل الإنتاج وتتيح ملكيّة هذه الوسائل للمالكين أن يتناقلوا وظائف القيادة التي تستبعد عنها غير المالكين، حينئذ تظهر الطبقات الاجتماعية، وعلى هذا الأساس لم يكن تاريخ كل مجتمع إلى أيامنا هذه غير تاريخ صراع الطبقات”.(2).

يحسم ماركس في أن التاريخ كله صراع بين الطبقات، والتاريخ دائما في طريقه نحو غاية محددة ومن بين مراحله، خضوع الطبقة البروليتاريّة لظروف مجحفة، سيؤدي لا محالة إلى التفاوت الطبقيّ وتجلي تناقضاته الكبيرة، وبالتالي اندلاع الثورة، كما يفترض ماركس بأن التوزيع غير المتكافئ داخل المجتمع سيبقى على حاله من خلال الإكراه الإيديولوجيّ، حيث أن البرجوازيّة تفرض على البروليتارية الرضوخ لظروف العالم الرأسماليّ، ونجده ينبه إلى أن البروليتارية ستثور على قوانين البرجوازية. “من خلال فهم جدل التاريخ الكليّ للماضي والحاضر والمستقبل، وسيقوم التناقض الجدليّ بين علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج المتوسعة باستثمار القانون الصارم الضروري للتاريخ، والذي نستطيع بواسطته التنبؤ بالمستقبل والتطور التاريخيّ التالي كأمر حتمي، وبناءً على ذلك سوف تصبح البروليتاريا ذات توجهات ثوريّة وتقضي على العلاقات الرأسماليّة للإنتاج وعلى القاعدة الاقتصاديّة للنظام الرأسماليّ تماما، مثلما قضت الطبقة الرأسماليّة الناشئة على الأساس الاقتصاديّ للنظام الإقطاعيّ، وسوف تقوم البروليتاريا باستحداث طريقة شيوعيّة للإنتاج، وتستولي على السلطة السياسيّة، وتقيم ديكتاتوريّة البروليتارية كمرحلة انتقاليّة قبل قيام المجتمع غير الطبقي، وفي هذا العالم الشيوعيّ المستقبلي لن تكون هناك أية مِلْكِيّةٍ خاصة أو تقسيم للعمل أو صراع طبقيّ أو استغلال للبشر أو اغتراب في أي من المؤسسات الأسريّة والأخلاقيّة والقانونيّة والحكوميّة، ولن تكون هناك أي إيديولوجية”. (3).

إن للصراع الطبقي إذاً نهاية بنظر ماركس ومنظري الماركسية، حينما تقوم الثورة من قبل القوى المنتجة المضطهدة على القوى المالكة والمسيطرة على السلطة، وهذا ما حدث في مرحلة العبوديّة عندما ثار العبيد على اسيادهم في الإمبراطوريّة الرومانية (سبارتاكوس) مثلاً. وهذا ما تم مع ثورات الفلاحين (1524_1525) في المانية، حيث كانت ثورة شعبيّة عارمة في الإمبراطوريّة الرومانيّة المقدسة، نتيجة للاضطهاد القاسي الذي تعرضوا له والأوضاع المعيشيّة السيئة التي عاشوها..(4). وهذا ما قمت به الطبقة الرأسمالية وحليفتها الطبقة العماليّة في الثورة الفرنسيّة ضد سلطة الملك والنبلاء والكنيسة (1789).(5). وكذلك في كومونة باريس (1871). وكانت حركة نقابيّة وعماليّة يساريّة، قامت بثورة تعتبر أول ثورة اشتراكيّة في العصر الحديث استولت على السلطة في فرنسا لمدة شهرين. وقامت بتعديل لون العلم الفرنسي إلى اللون الأحمر، وأجرت العديد من الإصلاحات أهمها: الإصلاحات التربويّة، وفصل الدولة عن الدين، وإلغاء العمل الليليّ، ومنع الغرامات و الضرائب المفروضة على أجور العمال، واستطاعت تشغيل المعامل التي تركها أصحابها هرباً ولجأوا إلى فرساي، تحول العمال والعاملات إلى جنود فوق المتاريس للدفاع عن إنجازهم، لكن كان قمع الثورة دمويا بشكل فظيع على يد "تيير"، وذلك في الايام الستة الأخيرة من عمر الثورة، مما اأدى إلى سقوط الثورة بعد مجازر دمويّة، لكنها كانت النار التي أوقدت العديد من الثورات الاشتراكيّة بعدها، وما زال الشيوعيون حول العالم يحتفلون بذكرى كومونة باريس إلى يومنا هذا. (6).

وهكذا واجهت البروليتاريا الطبقة البرجوازيّة، رافضة العيش داخل المجتمع الرأسماليّ، الذي يعتمد على تقسيم العمل وفق قوانين غير عادلة، وأمام طموحات الطبقة البرجوازيّة، رافضة استمرار استغلالها.

إن كل تلك الثورات التي جئنا عليها أعلاه عبر التاريخ، وغيرها من ثورات ستأتي لا حقا داخل المجتمعات والدول التي يسيطر فيها المالك المستبد على المنتج، لعبت وستلعب دوراً في تغيير طبيعة النظم الاجتماعيّ والدولة معاً بنظر ماركس وقادة الفكر الماركسي. بل ستؤدي بالضرورة هذه الثورات عندهم إلى (اضمحلال الدولة) في نهاية الأمر، لأنها كانت ولم تزل إلى جانب الطبقات والقوى المستغلة وغير عادلة، والمسخرة مؤسساتها وأدوات قمعها دائما لمصلحة طبقة على حساب أخرى، ولم ترع حقوق الأفراد داخل المجتمع، لذلك (تنبأ) ماركس بدولة شيوعيّة ستحارب الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج وستمنع الاستحواذ عليها من طرف طبقة معينة، والأهم من هذا ستختفي الإيديولوجيا لأنها كانت تمثل أداة للسيطرة بواسطة نشر الأفكار التي تفرضها الطبقة الحاكمة. كما أن ماركس يتحدث عن مرحلة أساسيّة بعد قيام الثورة، وهي المرحلة الانتقاليّة التي يسميها بـ(ديكتاتوريّة البروليتاريا)، وجميع المجتمعات البشرية مرت كما بينا في موقع سابق بمراحل تحكمها جدلية التناقض الطبقي، بدءا بالمرحلة البدائيّة وبعدها المرحلة العبوديّة ثم مرحلة الإقطاعيّة وبعدها الرأسماليّة، إلى أن تستقر الأوضاع في المجتمع الشيوعيّ الأقرب لتوفير إمكانيّة العيش بكرامة لجميع الأفراد، بحيث أن المجتمع الشيوعيّ هذاعلى حد تعبير ماركس، لا تتواجد فيه الطبقات، ويضمن الحريّة للجميع باعتبارها أساس الشيوعيّة، وإلى حين الوصول إلى هذه المرحلة يقبع المجتمع أثناء المرحلة الانتقاليّة في ظل تغير العلاقات الاجتماعيّة وستزول التمايزات الطبقيّة نتيجة استغلال السلطة الثوريّة التي تتمتع بها البروليتاريّة التي تمثل غالبية القوى الشعبيّة. وتحدث ماركس عن المرحلة الانتقاليّة بصفتها واحدة لجميع الشعوب لأنها هي المرحلة النهائيّة لعصر الثورة الاشتراكيّة العالميّة.(7).

يتبين إذن، أن الدولة كمفهوم سياسيّ وفلسفيّ لم يتناوله كارل ماركس بذلك التقديس الذي تعامل معه فلاسفة العقد الاجتماعيّ، وإذا كان هؤلاء قد أسسوا لقوانين الدولة وبينوا أهميتها وضرورتها لضمان الحريّة والحقوق للجميع، باعتبارها المشترك الذي يتشارك فيه كل أفراد المجتمع، إلا أن كارل ماركس راح يحذر من الدولة باعتبارها حاملة للإيديولوجيا وغير بريئة، وأنها لا تخدم جميع مصالح أبناء الوطن الوحيد، كونها هي نتيجة للصراع داخل المجتمع بين المستغِل والمستغَل وستتخلى عن الواجب والمسؤوليّة التي تم تأسيسها من أجلهما، وستتحول إلى اداة قمع بيد الطبقة المسيطرة على مقاليدها، وستقوم القوى المسيطرة عبر الدولة بفرض قوانين تخدم مصالحها وليس مصالح الشعب، وبناءً على ذلك فإن مصير الدولة سيكون الاضمحلال والزوال، لكي يقوم مجتمع جديد ينبع من ثورة البروليتاريا ومجتمعها الشيوعيّ الضامن للحريّة والمانع لاحتكار وسائل إنتاج الثروة.

ومع ذلك سيظل السؤال المشروع يفرض نفسه علينا هنا وهو: كيف ستسقط الدولة إذن؟.

اضمحلال الدولة وفخ الأيديولوجيا:

الشائع أن ماركس نظر إلى الدولة باعتبارها أداة للقمع والسيطرة وفرض الإيديولوجيا المهيمنة ضد الطبقة المسحوقة داخل المجتمع، وهذا ما قال به "انجلز" بأنها الجهاز القمعي الذي تمتلكه طبقة ضد أخرى، وهي في أحسن الأحوال شر ترثه البروليتاريا المنتصرة في الكفاح، من أجل السيطرة الطبقيّة، كما أنها ليست سوى منظمة مؤقتة تستخدم في النضال من أجل تحطيم الأعداء بالعنف، وأنه من التناقض القول بدولة شعبيّة حرة. وما دامت البروليتاريا في حاجة إلى الدولة، فإنها لا تحتاج إليها من أجل الحريّة وإنما لقمع أعدائها، وما أن يصبح بالإمكان التحدث عن الحريّة حتى تزول الدولة بوصفها دولة. فالدولة عند ماركس وانجلز بالتالي، هي النقيض الضروري للحريّة، ولابد من مرحلة في التاريخ تسقط فيها الدولة في ظل الحاجة الملحة للطبقة الشعبيّة التي ستتمتع بالحريّة بكونها أساس الحياة العادلة. حينئذ تبرز جماعة مشتركة يكون النمو الحر داخلها لكل واحد فيها هو الشرط لتحقيق الحريّة والعدالة والمساواة.. فما أن تزول التناحرات بين الطبقات عندئذ ستفقد السلطة العامة طابعها السياسيّ، فالسلطة السياسيّة بالمعنى الصحيح هي السلطة المنظمة لطبقة من أجل اضطهاد الطبقات الأخرى.

فالدولة إذن عند ماركس، مرتبطة بالاضطهاد لكونها تمثل سلطة سياسيّة، وزوالها هو إيجابيّ وفي صالح المجتمع الشيوعيّ الذي يخضع لمنطق السلطة العامة عوضاً عن السلطة ذات الطابع السياسيّ، ورغم هذا فإن ماركس لم يعط تصوره للمجتمع الشيوعيّ بالشكل المطلوب، بحيث يسهل فهم نظريته حول الدولة، وفهم غاية الرجل من هذا المجتمع المستقبلي، غير أنه واضح القول بمجرد قيام النظام االشيوعي تنحل الدولة من تلقاء ذاتها وتزول. هنا وقع ماركس برأيي ومن أيده في طرحهم لفكرة نهاية الدولة في فخ الأيديولوجيا، حيث من خلال المنهج الماديّ الجدليّ التاريخيّ الذي من خلال قوانينه ومقولاته قاموا بتحليل الماضي والحاضر وفقاً لمعطيات تاريخيّة فسحت لهم في المجال واسعاً كي يحللوا معطيات الماضي، وكذلك معطيات الحاضر ويكتشفوا حقائق موضوعيّة وذاتيّة عجزت عن إثباتها المناهج المثاليّة عموماً، وعند محاولة تحليلهم رسم أفق المستقبل الذي يفتقد إلى معطيات ملموسة، وبالتالي يقوم النظر إلى هذا المستقبل وفق استنتاجات منطقيّة تتكئ على معطيات الماضي والحاضر المعيوش. والاستنتاجات المنطقيّة تظل رؤى ومواقف ذهنيّة وفي أعلى مستوياتها نظريات هي أقرب إلى الأيديولوجيا، التي نعتها ماركس نفسه بأنها وهم.

لقد تبين معنا من خلال نجاح الثورات العماليّة أو حتى الشعبيّة التي أدت إلى قيام الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكيّة واستمرار أنظمتها حتى العقد الأخير من القرن العشرين، أن الدولة استمرت في حضورها القوي والفاعل، ورغم ما حققته من انجازات عظيمة لشعوبها، إلا أن شهوة السلطة عند الطبقة أو القوى التي سيطرت على الدولة في هذه الأنظمة قد حولتها إلى دول شموليّة سميت بأنموذج الدولة الستالينيّة، وهي دولة حوصرت فيها حريّة الفرد والمجتمع ورفض الرأي الآخر وبناء السجون للمختلف والتنكيل به، وزرع الخوف في عقول أبناء المجتمع، وفي العديد من الأنظمة الاشتراكيّة تحولت السلطة فيها إلى سلطة عشيرة وقبيلة وطائفة. الأمر الذي أفرغ كل منطلقات هذه الدولة من مضمونها الديمقراطيّ والعلمانيّ. لذلك انهارت أو سقطت معظم هذه الدول وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي.

نستخلص من كل الذي جئنا عليه اعلاه، أن نظريّة الدولة عند كارل ماركس ارتبطت بمسألة الأداة، لأنها تخدم طبقة معينة، وهي الطبقة الحاكمة من أجل فرض وضمان استقرار المجتمع الطبقيّ، ومع وصول الجميع إلى الحريّة ستنهار الدولة، وهذا ما اثبت فشله تاريخيّا، وفشل (الاناركيّة) أو اللاسلطويّة كفلسفة سياسيّة، قامت فكرتها على أن الدولة غير مرغوب فيها، وهي غير مهمة ومضرّة للمجتمع، وبالتالي راحت تروّج لمجتمع بلا دولة، و تسعى لتحجيم أو الغاء تدخل السلطة في سلوك العلاقات الانسانيّة. الأمر الذي أوصل دعاة الاناركيّة إلى التطرف، وتصنيف دعاتها تحت اسم "اليسار المتطرف ". (8). كما فشلت أيضاً مقولة مزيداً من الاشتراكيّة، يعني مزيداً من الديمقراطيّة، أي الحريّة.

***

د. عدنان عويد

.........................

الهوامش:

1- للتعمق أكثر في معرفة هذه المسألة راجع (كتاب أصل رأس المال - لأنجلز إصدار دار التقدم - موسكو) وكتاب (تحول قوة العمل إلى رأسمال لماركس. إصدار دار التقدم موسكو).

2- راجع البيان الشيوعي. تأليف ماركس وانجلز - ترجمة العفيف الأخضر -

3- للاستزادة في هذا الموضع راج موقع منبر 24 -“مفهوم الدولة عند كارل ماركس ونقده للدولة الرأسمالية”. بقلم حسن سمر: أستاذ باحث في الفلسفة السياسية.

4- راجع موقع المعرفة – حرب الفلاحين في ألمانية.

5- راجع موقع الموسوعة السياسية. الثورة الفرنسية - الإعداد العلمي - أحلام أزوتار نشر في: 2021-04-18)... وراجع أيضاً موقع بدايات - ماركس والدولة – تلخيص لكتاب – (لماذا كان ماركس على حقّ؟). لتيري إيغلتن.

6- راجع موقع المعرفة – كومونة باريس من قبل الطبقة العمالية ضد الطبقة الرأسمالية.

7- للاستزادة في هذا الموضع راج موقع منبر 24 مرجع سابق.

8- ويكيبيديا.

 

في المثقف اليوم