أقلام فكرية

النظرة الأخلاقية وحساسية السياق

إن الميزة الثانية للمعتقدات الأساسية السياقية (بعد أن تناولنا الأولى في البحث السابق في هذه السلسلة) التي يجب أخذها في الاعتبار هنا هي فكرة أن  تكون اساس أوقاعدة حساسة  للسياق، وبالتالي فإن ما هو أساس في سياق ما قد لا يكون أساسيًا في سياق آخر. دعونا نبدأ بالنظر في السياقات الاجتماعية المختلفة التي تنطوي على مجتمعات مختلفة لديها وجهات نظر أخلاقية مختلفة. فقد تكون هناك بعض الاختلافات في الافتراضات الأخلاقية التي تعتبرها هذه المجتمعات بشكل عام أمرً مسلم به، بالإضافة الى الوزن الأخلاقي المرتبط بالعديد من الاعتبارات الأخلاقية التي تلخصها القواعد على الرغم من أن المرء يتوقع أن تشترك أيً نظرتين أخلاقيتين في العديد من الافتراضات الأخلاقية الأساسية نفسها (على سبيل المثال، الافتراضات ضد قتل البشر والسرقة وما إلى ذلك).[1] وإذا كان الأمر كذلك، فإن إحدى الطرق التي يكون فيها الأساس حساس للسياق هي قد تأخذ المجتمعات المختلفة معتقدات أخلاقية مختلفة كأمر مسلم به.[2]

هناك احتمال مثير للأهتمام لأستكشافه هو المدى الذي قد تكون فيه تقييماتنا المعرفية حساسة للسياق بطريقة من شأنها أن توحي بأن قد يكون المرء  مسؤولاً معرفيًا عن الألتزام ببعض المعتقدات الأخلاقية دون تبرير في سياق، وغير مسؤول للألتزام بها في سياق آخر؛ حيث تشمل الاختلافات في السياق هنا مجتمعات مختلفة. فقد يكون للفرد نظرة أخلاقية تختلف افتراضاتها الأخلاقية الأساسية عن افتراضات نظرته الأخلاقية السابقة بمرور الوقت.[3] يشبه هذا النوع من الحالات، في بعض النواحي، الحالة الموضحة في الفقرة السابقة: هناك وجهتان أخلاقيتان متميزتان تخلقان سياقين مختلفين. ولكن حتى بالنسبة للمرء الذي تظل نظرته الأخلاقية ثابتة نسبيًا على مدى فترة من الزمن، والتي تعتبر معتقدات أخلاقية معينة أساسية في السياقات العادية والمشتركة للفكر والتداول الأخلاقي، فقد تكون هناك سياقات اخرى لا تكون فيها تلك المعتقدات الأخلاقية أساسية.  هناك نوع واحد من الحالات الملائمة لهذا الوصف هو السياق الذي يواجه فيه المرء تحديات متشككة في النظرة الأخلاقية للفرد، التحديات التي تستهدف تلك المعتقدات الأخلاقية، والتي تكون أساسية في سياقات المشاركة. سأوضح نوع الحالة التي أفكر فيها بمزيد من التفصيل.

دعونا نفرق بين السياق المشترك للفكر الأخلاقي والسياق المنفصل الذي لا يفكر فيه المرء ويتداول بالكامل من داخل نظرته الأخلاقية، ولكنه ينظر إليه من الخارج. والآن، حيث لا يتم التركيز على التحديات المتشككة في تلك النظرة في سياق ملتزم بالتفكير الأخلاقي، يكون المرء مسؤولًا معرفيًا في جعل  تلك المعتقدات والافتراضات الأخلاقية الأساسية (بدون تبرير) أكثر أو اقل اساسية بالنسبة إلى النظرة الأخلاقية. ومع ذلك، بمجرد أخذ التحديات المتشككة على محمل الجد، يتم تغيير السياق (بمعنى أن المجتمع الأساسي للتقييم المعرفي هو مجموعة المشككين). لم تعد تلك المعتقدات الأخلاقية الأساسية عادةً أساسية في هذا السياق المنفصل نسبيًا الذي يتم  فيه تحدي الافتراضات الأخلاقية الأساسية للنظرة الأخلاقية للفرد. لنفترض، على سبيل المثال  أننا نفكر في التحديات المتشككة في أعمق جوانب النظرة الأخلاقية للمرء، وتخيل أن هذا المرء يواجه مجموعة من النيتشويين الذين يجادلون، بأن المجتمعات الديمقراطية تنتج ضميرًا أخلاقيًا زائفًا، وبالتالي فإن الكثير من المعتقدات الأخلاقية التي يتم اعتبارها كأمر مسلم به في مثل هذه المجتمعات خاطئة أو مشكوك فيها على الأقل.  يبدو أن ما يحدث غالبًا في مثل هذه السياقات المنفصلة هو أن القواعد المعرفية السارية فيها تختلف عن تلك المعمول بها في السياقات المتفاعلة أو المنخرطة في سياقات من النوع  الأول،  حيث لا يجوز للمرء أن يأخذ المعتقدات الأخلاقية التي قد يعتبرها المرء كأمر مسلم به في سياقات من النوع الأخير كأمر مسلم به (كما ناقشناه سابقا). إن سبب الاختلاف في المعايير المعرفية التي تحكم هذه السياقات واضح إلى حد ما. لا يُطلب من المرء أن يكون لدي أسباب لبعض المعتقدات الأخلاقية التي تعتبر أساسية للنظرة الأخلاقية في السياقات المنخرطة المتفاعلة، حيث يكون الهدف والغرض من السياق هو التفاوض حول طريقته في عالم اجتماعي. لا يُسمح للمرء بأخذ المعتقدات والافتراضات الأخلاقية الأساسية للفرد على أنها أساسية في السياقات المنفصلة، حيث يكون الهدف والغرض من السياق هو فحص النظرة الأخلاقية للفرد في محاولة لاكتشاف وتصحيح أي تحيزات ثقافية أو شخصية.

تثير الحالات التي تتلاءم مع هذا الوصف العام والتي يدخل فيها المرء سياقًا منفصلاً أسئلة مهمة حول الظروف التي يصبح من المناسب في ظلها أو ربما يكون مطلوبًا الدخول في مثل هذا السياق بالإضافة إلى أسئلة حول أنواع المعايير المعرفية السارية في مثل هذه السياقات.

***

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

....................

[1] Francis Snare, "The Diversity of Morals," Mind 89 (1980), 353-69

[2] أنظر:

Donald G. Kraybill, The Riddle of Amish Culture (Baltimore and London: The Johns Hopkins University Press, 1989.

[3] للحصول على وصف لمثل هذه التحويلات الأخلاقية الراديكالية التي تنتج عن تحول "متقطع" في النظرة الأخلاقية للفرد.ن أنظر:

DePaul, Balance and Refinement, Routledge, 2013, 39-48.

 

في المثقف اليوم