أقلام فكرية

محمد يونس محمد: مفهوم الدولة.. الصولجان الدكتاتوريات الدين السياسي

هذا التاريخ الطويل دولة البشرية ما الذي فعلته من اجل الإنسان، او ما نقصد به الجوهر البشري، فنحن نعتبر الإنسان ليس هو البشر او الشخصية، بل تلك الفطرة السليمة، او ذلك المعنى الجدير، الذي تستجيب له البشرية بمودة واحساس واحترام، ونرى ثمة فارق كبير ما بين أن ندعو البشر شخص او كائن بشري، وما بين أن ندعوه كإنسان، فمن يستثمر الفطرة السليمة هو الشعور الإنساني، ومن يستثمر الفطرة الملوثة الغريزة البشرية، ونحن هنا في اطار فلسفتنا نطلق تلك الفكرة، والمنظور الاساس لهزيمة البشرية طيلة ذلك التاريخ الطويل هو اعتمادها على الغريزة وعدم اهتمامها بالمفهوم الإنساني، والمجتمعات الاولى التي تأسست نمت فيها الغريزة اكثر بكثير من المفهوم الإنساني، وسنواجه علم الاجتماع، والذي قد يرى المفهوم الإنساني لا يشمل كيان المجتمع العام، وهذا ما يتعارض مع الفلسفة الاسلامية، والتي تهتم ببناء مجتمع انسان وليس ببشري، ولابد من تفسير الامر موضوعيا، لا نحتاج التوسع كثيرا، لكن نركز على مفاهيم اساس، من مثل السلطة – الدولة المجتمع – ولنقف على علاقة الإنسان بتلك المفاهيم الثلاثة، والسلطة في تفسيرنا خصم لمفهوم الإنسان، فالسلطة القوة، ونحن نؤمن بتلك القوة اذا كانت لصالح الدولة والمجتمع، لكن اغلب المؤشرات تؤكد السلطة تدعم نفسها بتلك القوة، وتجعلها تمتد اكثر في حالة الخوف من الخصوم، والسلطة تجند كل الطاقات في الدولة والمجتمع لصالحها، ولا تقوم بالعكس لصالح الدولة والمجتمع .

التفريق ما بين الدولة والنظام السياسي مهم جدا، وحسب المفهوم والمبدأ العلمي للدولة لابد أن هي تهيمن على النظام السياسي وليس العكس، لكن كل التقديرات وعلى وجه الخصوص الايديولوجية تعارض هذه الفكرة وترفض تداولها، لذا عاشت الدولة في ظل الصولجان في القرون الوسطى، والمجتمع تحت ظل ذلك الصولجان، وفي تأسيس الدولة الحديثة استغلت الايديولوجيات الدولة والمجتمع عبر مفهوم الديموقراطية والانتخاب الحر، فدفعت المجتمعات الخسارة مضاعفة عن ذي قبل من عهود ساد بها الصولجان، حيث نمت روح الصراع بشكل بشع، وما كان من المفاهيم الايديولوجية الكبرى مثل الرأسمالية والاشتراكية، الا بث السم في العسل كما يقال، كانت الخسارة فادحة بعد تصاعد نفس الصراع، وصارت الرأسمالية تجذب البشرية من جهة، والاشتراكية تقوم بالجذب من الجهة الاخرى، وتفاقمت انفاس العداء من جهة الى اخرى، وتوسعت رقعة ودوافع الاغتيال السياسي الى اقصى الحدود، بل انتعشت الحروب السياسية، فضحايا الحرب العالمية الثانية، كان ما يزيد على اربعين مليون، وتلك الخسارة الفادحة لم تشكل من نسب عالية في الاهتمام عند الجهة التي تظن بأنها انتصرت بالحرب، وكذلك الجهة المهزومة لم تكن ايضا تمتلك التفكير بالخسارة عبر المفهوم الإنساني، وقد انحدرت الظروف الاقتصادية اللعينة في المانيا الى اقسى ما يمكن، وكأن تلك الحرب هي نوع من العقاب للشعوب، فالساسة اندحروا وخلف بدلا عنهم ساسة اخر، ولذلك اسمينا المجتمع السياسي بالمجتمع الطارئ، كون ذلك المجتمع رهين صدفة مواتية، ومن بعدها من ثم يتصاعد ايقاعه ويرسم لنفسه اهمية .

يهتم افلاطون بالنمو الذي يصيب كيان الدولة، وينمي فيها الاداء الجاد المشترك، وطبعا لا يزاح هنا العقل الخلاق، بل يبقى المحور الجوهري لتوسيع افاق الدولة في اكثر من جانب، وذلك الاهتمام والسعي لخلق علاقة توافقية ما بين الفرد والدولة، بالرغم من المفردتين عند افلاطون لهما معنى واحد، وتلك العلاقة صراحة لا تحتاج فرد بالمعنى الحرفي يتعاضد مع الدولة ويزيد من مقدرتها في التوازي مع الند والذي هو النظام السياسي، بل تحتاج الدولة الى وجود المجتمع المحلي يتعاضد معها، ويعرف جاك ماريتان المجتمع المحلي على أنه امة، ونحن نرى تلك الأمة تحتاج الى ادوات تلاءم تماما، وهي غالبا ما تكون مفقودة في المجتمعات العربية خصوصا، ففي المجتمعات العربية هناك ازاحة لمفهوم الأمة واستبداله بمفهوم زائف على مستوى الواقع وهو – القومية -، والقومية هي ستار الشعوبية السياسية، فالدول العربية يجمعها عوامل مشتركة واضحة، لكن النظام السياسي في كل دولة فرض القوانين الصارمة، والمثال المعيب جدا هو دولة المغرب، التي لا تمنح العراقيين تأشيرة الدخول، وهناك تعقيد بشع في بعض الدول التي تجتمع بلغة ودين وتاريخ مزيف ايضا، والدين بمفهومه الطائفي يحكم جميع البلدان العربية، وهو معيار التعامل الاساس في منح التأشيرة، ونحن لسنا ازاء ذلك الاثر النفسي السياسي المتطرف، بقدر ما نشير الى انعدام مفهوم الأمة الى حد ما في التفسير العام والخاص ايضا، وهذا ما يجعل مواجهة الدولة مع النظام السياسي عصيبة.

اذا كانت الدولة في التطور الذي انعش الدولة كمفهوم، لكن لم يكن بذات المستوى في رفع مستوى الدولة العملي، ونحن هنا لا نغالي، فاذا كانت الدولة هامش الصولجان في القون التي سبقت القرن العشرين، فقد حظيت بأهمية افضل في القرن العشرين، لكن امتاز على الواقع العملي النظام السياسي بسعة اكثر، وبوصف النظام السياسي القناة العملية لاستيعاب قوانين وصياغات ادارة الدولة، وقد ابتعد بالتدريج النظام السياسي في قيادة المجتمع، وبعد ذلك امتازت الدكتاتوريات البديلة لسلطة الصولجان، واصبح القمع لأي معرض بالقوة الشرسة، لكن يتم ذلك من خلال استغلال سلطة الدولة دون استعارة مقبولة، بل ما جرى هو اغتصاب لسلطة الدولة ومواجهة أي نمط من المعارضة بها حتى لو كانت معرضة سلمية، واذا سلمنا بالنسبة العالية لظلم الصولجان، فإن ما يشكل الظلم الذي يبثه أي نظام سياسي لحماية نفسه من ما يسميه اخطار خارجية او داخلية، وصراحة اغب الدكتاتوريات هي صناعة الرأسمالية او الشيوعية على السواء، ولم يعد للمبادئ أي تمثيل، بل الشراسة والوقاحة السياسية هي المعيار البديل، والطغاة هم من يكون صار بديلا للسابق فيقوم بمحو كل اثر لما سبق، بوصفه صورة مشوهة، لكن الوصف العام يؤكد لنا قد اصبح اللاحق اشد واكثر شوها، ولكن هناك من القطيع من يقوم بتلميع صورة الطغيان ويجملها، من ثم يقوم من جمل بلعن  ذلك الطاغية .

نحن هنا لسنا ازاء السلوك الاجتماعي للسياسة، لكن اردنا توضيح نقطة مهمة في انعدام أي معنى اخلاقي في السياسة، فهي تفس كفن للمكنات، أي ذلك الاستغلال لمبدأ الفلورنسي في الغاية تبرر الوسيلة، وذلك التبرير يتعارض تماما مع الفلسفة الاسلامية، وهنا نقف على بديل من اخر لعصر ما بعد الطغاة، وقد واجنا مبدأ غريب جدا، فيشكل الاسلام السياسي صورة من الانقلاب على الذات، واستبدل موقف الاحتجاج والرفض ضد منهج الطغاة والدكتاتورية، ليتمتع بسلطة مركبة ما بين القيم العقائدية والدافع السياسي، وطبعا القيم العقائدية هي وسيلة وليست هي الغاية، أي إن الاسلام السياسي قد استثمر ذلك المبدأ الرجعي بصورة مقلوبة، ووجه الاشكال العصيب بأن ستواجه دين وليس مبررات شخصية، وصراحة الفارق نجده هائلا ما بين الدين والمبررات الشخصية، فالنص في مضمون اية قطع يد السارق يعني منعه، والسماء الواسعة الرحمة لا تقبل بذلك العقاب الصارم الذي تفننت فيه الفرق والمذاهب الاسلامية، فمنها من يستخدم السيف لقطع يد السارق كاملة، ومن يجد نفسه ارحم يرى بقطع الاصابع فقط على اعتبار هي جهة التنفيذ، وصراحة الصولجان والدولة اكثر رأفة من تلك البداوة الدينية، وذلك الاستغلال العنيف للمعنى الإنساني للدين، لا يتوافق ابدا الا مع مظهر السور في القرآن، ونسوا أن ثمة قرآن داخل القرآن حيث تعالى قد امر النبي أن يتبعه، ولا يهتم للشكل بذات القدر الذي لابد من الاهتمام به الى المضامين وكشف ذلك الجوهر الامثل .

***

محمد يونس محمد

في المثقف اليوم