أقلام حرة

النزوع نحو العشائر في القوائم الانتخابية: منهج ام ارتداد

لكل ممارسة سياسية توابعها ومقدماتها  ،وايضا لها اسبابها ،وبطبيعة الحال لابد ان تكون هناك نتائج سياسية واجتماعية.

 

ان المتتبع للحالة السياسية في هذا البلد يجد هناك نزوعا فرديا وجماعيا نحو اختيار المرشحين الذين لهم روابط وانتماءات ووجاهة قبلية ،وعشائرية وهذا ماحصل في انتخابات مجالس المحافظات في 31/1/2009والتي جاءت بعد مخاض عسير ؛فلماذا هذا التوجه من قبل الفرد العراقي لو صح التعبير الى حاضنته الاولى بعد الاسرة ألا وهي العشيرة أو القبيلة ،وقد جاءت النتائج لصالح من ينتمي الى عشيرة كبيرة ، وان انتمى الفرد الى خط فكري معين فأنه لايكفيه هذا الانتماء دون ان تكون له جذور عشائرية في نفس المنطقة الانتخابية ،فالتصويت ابدا لم يأت بموجب الكفاءة فهذه قد اصبحت في المرتبة المتأخرة من توجه الفرد العراقي؟

 

للجواب على هذا السؤال اقول عندما يجد الشخص العادي ان السياسيين الكبار في البلد سواء كانوا في السلطة ،ام خارجها ،علمانيين هم أم انتموا الى حركات سياسية وتيارات واحزاب تتبنى الخط الاسلامي ،لما يجدها كلها تتراكض لشراء واقناع وترغيب شيوخ ورؤوساء العشائر ، فلماذا لايتجه هذا الفرد العادي ويعود الى جذوره ويصوت الى ابن عمه.

 

لهذه الظاهرة تراكماتها الثقافية والتاريخية فمنذ تأسيس مايسمى الدولة العراقية بادر فيصل الاول للتحرك نحو العشائر لاستمالتها نحو شخصه واقناعهم للولاء لعرشه ،وبشرعية جلوسه وتنصيبه ملكا على العراق والطريقة التي جاء بها الى هذا العرش ،وذلك بعد ان فقد عرشه على سوريا ،وبموازاة حركة فيصل الاول كانت هناك حركة المحتل البريطاني متمثلة خصوصا بمندوبة الاستخبارات البريطانية (المس بيل) في بغداد والتي كانت تعتبر هي ملكة العراق الفعلية حيث كان فيصل لايتخذ اي قرار الا بعد الرجوع اليها ،اقول سعت بريطانيا الى ارضاء العشائر واستمالتها ،وسعت كذلك الى خلق طبقة الاقطاع وتوسيعها وقد تم ادخالهم الى الحياة السياسية من خلال اشراكهم في الانتخابات النيابية انذاك ،لم يقتصر هذا الامر على الملك والانكليز بل امتد الى السياسيين الاخرين الذين وجدوا انفسهم قادة ورؤساء وزارة ،فقد سعى كل من ياسين الهاشمي ونوري السعيد وحتى جميل المدفعي الى خطب ود العشائر ،ولم يستثن من ذلك التوجه حتى الاحزاب التي يتراسها اشخاص يدعون (للقومية) والفكر العلماني فانهم كانوا يتجهون نحو العشائر للضغط على الحكومة.

 

سارت هذه الظاهرة حتى تضخمت في بعض المراحل واصبحت العشائر مراكز قوى اشعرت الحاكم انها اصبحت عبأ عليه يجب ضربه او تحجيمه وهكذا حدثت عدة صدامات بين الجيش العراقي والعشائر خصوصا في منطقة الفرات الاوسط ،وهكذا سارت الامور في العهد الملكي ،اما تحت ظل حكم صدام والبعث فقد كان للعشائر ايضا حصتها من هذا العهد فقد سعى الى ضرب الاسر الكبيرة والشيوخ التاريخيين وعمد الى خلق نخبة جديدة من الشيوخ يدينون بالولاء لهذا العهد ولشخص رئيسه وقد برزت هذه السياسة وتوسعت في عقد (التسعينيات) من القرن العشرين حتى سموا بشيوخ التسعينات فقد قربهم الحكم ووهبهم الامتيازات والاموال والسيارات وغير ذلك من طرق الاستمالة والقرب من العشائر.

 

اما عندما جاء المحتل الامريكي في عام 2003 وعند وصول طلائعه الاولى دعى الى مؤتمر عشائري في الناصرية يضم (40) من رؤساء العشائر في العراق ظلت قراراته وجدول اعماله مبهمة للكثير أو لجميع ابناء الشعب العراقي ،كذلك اخذ جيش الاحتلال يعطي امتيازات لرؤساء وشيوخ بعض العشائر واشركهم في كسر شوكة (المسلحين) سواء كانوا رافضين للاحتلال ،ام ارهابيين ، وكذلك اتجهت الاحزاب والحركات والتيارات ايضا نحو العشائر وفتحت شعبا داخل مقراتها خاصة بالعشائر ، الى ان وصل الامر بحكومة العراق ان تؤسس مجالس للاسناد في محاقظات الجنوب والوسط وكذلك في منطقة الفرات الاوسط واعطيت ومنحت صلاحيات واسعة وامتيازات كبيرة ،الامر الذي رفض من قبل مجالس المحافظات التي اعتبرت هذه الخطوة غير دستورية وتجرد ها من صلاحياتها الممنوحة لها دستوريا وقانونيا "اي بمعنى ان هذه المجالس ليس ضد الفكرة بقدر مااعتبرتها منافسا لها " كما دخلت رئاسة الحكومة في جدال وصل حد الخلاف مع رئيس اقليم كردستان حول هذه الخطوة.

 

لم يقتصر الامر على انتخابات مجالس المحافظات عام 2009 فقط بل كانت انتخابات الجمعية الوطنية بقوائمها المغلقة زاخرة برؤساء القبائل الكبيرة وخصوصا من الاحزاب والحركات التي تدعي العلمانية واللبرالية وكذلك انتخابات  مجلس النواب الحالي ضمت القوائم شيوخ ورؤساء العشائر وفي نفس الحركات والقوائم المعروفة بعلمانيتها وليبراليتها ،اما قوائم انتخابات مجلس النواب عام 2009فقد تراكضت الاحزاب وتنافست من اجل ضم اكثر عدد من الشيوخ الى قوائمها والامر الجدير بالذكر ان الاحزاب المتهمة بالطائفية لم تتحرك الى الكفاءات العلمية  في المدن التي تعتبر من غير ساحتها بل اتجهت الى العشائر لتتخلص من سمة الطائفية والامر الاكثر غرابة ان الحركات والتيارات والاحزاب التي تتبنى الفكر الاسلامي كانت (خجلى) من ان تطرح مفهومها الاسلامي لحكم محافظات العراق وسعت نحو العشائر ،ولذلك عدة اسباب منها 1- فشلها في تقديم الخدمات في المجالس التي انتخبت في 2005 ، 2- الخوف من الصاق تهمة الطائفية وبالتالي تحوز على غضب الجانب الامريكي والذي خلق (الطائفية) عند دخوله عام 2003واليوم يحاول ان يبعد  هذه التهمة عنه  3-الخشية من الصاق تهمة العمالة لايران لهذه الاحزاب وخصوصا في جنوب ووسط العراق 4-الخوف منتهمة امتلاك ميليشيات عسكرية ولذلك جاءت القوائم بعيدة عن اسمائها محاولة ابعاد سمة الدينية والاسلامية عن كياناتها.

 

اذن السؤال اذا كانت الاحزاب والحركات الكبيرة هكذا حالها فكيف هو حال الفرد العادي؟ الجواب من باب اولى ان يتجه هو الى جذوره الاولى  قبل هذه الحركات والسياسيين

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1307 الخميس 04/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم