أقلام حرة

العمل في فرقة اغتيالات إسرائيلية

 الحديث عنها وعن شرعية استمراره في الحكم بعد انتهاء فترته وتغييره بنوداً دستورية دون الرجوع إلى المجلس التشريعي الفلسطيني. إنه يفضل لأسباب مفهومة، الحديث عن "الشرعية الدولية" وعدم التزام حماس بها (على العكس منه).

لكن بعض الكتاب المشاغبين يصرون على الحديث "غير المناسب" مثل الدكتور محمود المبارك الذي أزعج السيد الرئيس أكثر من مرة، وهاهو يكرر ذلك بالتساؤل: لماذا لايحاسب الرئيس الفلسطيني إسرائيل عن "الشرعية الدولية" كما يحاسب حماس؟ فهناك عشرات إن لم يكن مئات المخالفات الإسرائيلية لتلك الشرعية التي يدافع عنها عباس.

ومن ذلك محاولة إسرائيل تحديد "يهودية الدولة"، وهو مخالف للشرعية الدولية لأنه يعني "طرد الفلسطينيين العرب من داخل الخط الأخضر، وعدم السماح بعودة اللاجئين، وتهويد القدس واستمرار احتلال الضفة الغربية والقدس وغزة والحفريات عند المسجد الأقصى ومصادرة الأراضي وسياسة الإستيطان، وكلها مخالفات تمت إدانتها دولياً إضافة إلى الجدار العازل والذي امتنع عباس عن الحديث عن عدم شرعيته رغم قرار المحكمة الدولية بشأنه, وأخيراً وليس آخراً حصار غزة الذي ما زال مستمراً...

ومادمنا في حصار غزة، فقد صدر قبل أيام تقرير اللجنة المستقلة الخاصة بالتحقيق في جرائم إسرائيل في غزة(0)، ورغم أن النص لم يخل من إدانة لإطلاق حماس صواريخها "عشوائياً" على إسرائيل، إلا أنه لم ينس الظروف المخففة التي تحيط بحماس، وهذا ما يجعل التقرير مزعجاً جداً لإسرائيل وشلتها مثل الرئيس الفلسطيني، وتزيد من صعوبة الأخير في اللجوء إلى الشرعية الدولية" هرباً من شرعية شعبه التي تعز على مثله.

 

ومع إشارتها إلى رفض ترويع المدنيين واستعمال العنف ضدهم، وهو ما تلقي به اللجنة اللوم على حماس أيضاً، وأشارت إلى أن "من الضروري أن يراعي المقاتلون في صفوف المقاومة لقواعد القانون الإنساني الدولي، حتى إن كان من حقهم استعمال القوة ضد قوة احتلال أجنبية"، قالت اللجنة في تقريرها "أن للفلسطينيين الحق في تقرير مصيرهم، الأمر الذي انتهكته إسرائيل – كما أقرت بذلك محكمة العدل الدولية. " وأشارت إلى أن "المادة 1 (4) من البروتوكول الإضافي الأول تمد الحماية التي تنص عليها اتفاقيات جنيف إلى أولئك الذين يكافحون ضد "الاحتلال الأجنبي" في ممارسة لحقوقهم في تقرير المصير. كما أن عديدا من الاتفاقيات الإقليمية عن الإرهاب تعترف بمشروعية حروب التحرر الوطني وقد رفضت محكمة العدل الدولية وصف استخدام القوة في مثل هذه الحروب بأنه غير مشروع

 وقال التقرير، "قد استمر الفلسطينيون في غزة يخضعون، لأمد طويل، لحصار قاس من جانب إسرائيل، وعلى الأخص منذ سيطرة حماس على غزة في منتصف عام 2007. ومن الواضح أن هذا "السجن" للشعب يمثل أحد الأسباب الرئيسية لإطلاق الصواريخ."

وقال: " فإن قيام الدولة الفلسطينية ليس نتيجة لاتفاقات أوسلو وإنما نتيجة لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني طبقا لقرار الأمم المتحدة بالتقسيم"

وقال: "وأيا ما كان الوضع القانوني الراهن لاتفاقات أوسلو، فإن هذه الاتفاقات لا تنكر أن فلسطين دولة، وأن هدفها الرئيسي هو اعتراف إسرائيل بفلسطين – والعكس بالعكس، كأساس لمعاهدة سلام بين الدولتين، وليس لإنشاء دولة فلسطين."

وقال: "من رأي اللجنة أن بعض أعضاء قوات الدفاع الإسرائيلية قد يكونوا ارتكبوا أعمال إبادة جماعية وأنه ينتج عن ذلك أن تكون دولة إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب الجريمة."

وتنصح اللجنة الفلسطينيين بتقديم الشكاوي لعدد كبير من المحافل الدولية والقضائية، لكن "المناضل" عباس يرفض مقاضاة إسرائيل على جريمتها بحق "شعبه" (1) , وهو موقف أكثر وحشية من موقف إسرائيل نفسها التي وافقت ولو شكلياً أن تجري تحقيقاً! هذا هو الرجل الذي يتلوى ألماً من أجل "الشرعية الدولية"...

كل ذلك لن يسر إسرائيل، لكنه سيزعج أكثر بلا شك المعتمدين عليها وعلى قوتها و"شرعيتها الدولية" من أجل بقائهم ومناصبهم. وكما نرى، فمن الصعب على من فقد الشرعية الوطنية أن يحصل على "شرعية دولية" حقيقية، وكل ما يمكن أن يأمل به في الحقيقة، هو "شرعية القوة الغاشمة".  وينما كان عباس يركز سهامه على غزة ويقوم بحماية إسرائيل من الملاحقة، كان العالم يغلي غضباً من البرابرة الذين انقضوا على غزة ويشمئز من وحشيتهم ويطالب بمحاكمتهم.

هنا في بلجيكا حيث كنت عندما كانت المذبحة تستعر، لم يكتف البلجيكيون بالتظاهرات التي عمت العالم، لكن الإحتجاجات شملت أشكالاً أخرى. فقد حذر اكبر تنظيم نقابي في البلاد ويضم عشرات الآلاف من المستخدمين والموظفين والعمال النقابات الإسرائيلية بأنها ستتعرض للمقاطعة الدولية التامة في حالة استمرارها في التواطؤ مع اعتداءات الجيش الإسرائيلي وقال انه سيتم طرد النقابات الإسرائيلية من المحافل العمالية الدولية. وشارك إتحاد اليهود التقدميين في مظاهرة كبرى تضامناً مع الشعب الفلسطيني وندد بالعمليات العسكرية الوحشية التي تنفذها إسرائيل ضد القطاع المحاصر وطالب وزير خارجية بلجيكا بعدم توقيع أي إتفاق في المستقبل مع إسرائيل طالما يستمر الإسرائيليون في خرق القانون الدولي.

ووجه عضو المفوضية الأوروبية المكلف بشؤون الإغاثة الإنسانية "لوي ميشيل" انتقادات أوروبية مباشرة للولايات المتحدة وهي الأولى من نوعها، وطالبت مجموعة اليسار في البرلمان الأوروبي من الحكومات والمؤسسات الأوروبية تعليق إتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية بشكل فوري، بل نال الضغط حتى المصارف التي تتعامل مع الأنشطة الإستيطانية في إسرائيل وبالتحديد بشأن علاقة ثاني مصرف في البلاد وهو مصرف "داكسيا" بإسرائيل فطالب الخضر الوالونيين بالتحقيق بشأن أنشطة المصرف في الأراضي المحتلة، مما اضطر وزير الاقتصاد أن يعد بالقيام بالتحقيق، موضحاً "ان قطع العلاقات مع إسرائيل هو من اختصاص وزارة الخارجية الإتحادية في بروكسل"!

وزير الخارجية البلجيكي لم يصل إلى قطع العلاقات مع إسرائيل، (وربما اتهمه عباس بالإرهاب لو أنه فعل) لكن موقفه كان بالتأكيد أرفع بما لايقاس من "الرئيس الفلسطيني". فإنتقد كارل ديخوخت موقف وزراء الخارجية الأوروبيين ووصف مواقفهم تجاه الممارسات والتجاوزات الإسرائيلية في قطاع غزة بأنها تفتقد إلى الشجاعة. وأيد مطالبة ايرلندا بضرورة فتح تحقيق رسمي في جرائم الحرب الإسرائيلية، وقال ديخوخت انه وإذا لم يتم إجراء تحقيق الآن في الجرائم الإسرائيلية فان مثل هذا التحقيق لن يحدث على الإطلاق.

 هؤلاء كلهم سيبدون أكثر فلسطينية من عباس، بل سيبدون"متطرفين" في الدفاع عن أهل غزة إن قورنوا برئيس السلطة الفلسطينية الذي كان همه الأول مطالبة حماس بالتزام الشرعية الدولية!

ولا تختلف "فلسطينية" عباس عن عربية حاكم مصر، ويمكننا هنا أيضاً المرور على مقارنة مع  بلجيكا. ففي الوقت الذي كانت فيه بلجيكا تلح على الإسراع بفتح المعابر وتمكين سيارات الإسعاف التي ارسلتها من الوصول إلى المصابين في غزة، كانت السلطات المصرية تطالب بلجيكا بإرجاء عمليتها الإنسانية كما اشتكت وزارة الخارجية البلجيكية!

ومثلما كان عباس يثير تقزز العالم بإحراج التضامن العالمي مع أهل غزة، ويشجع  الإسرائيليين على الإستمرار حتى القضاء على الحكومة الفلسطينية المنتخبة لكي يرثها بقوة السلاح الإسرائيلي، كان وزير الدولة المصري للشؤون الخارجية، "احمد أبو الغيط" يثير مشاعر مماثلة في بروكسل وخاصة تركيزه على ضرورة إحكام المقاطعة على حماس وتركيزه في أحاديثه مع الوزراء الأوروبيين على تحميل إيران وليس إسرائيل مسئولية المذبحة، حتى قال الوزير البلجيكي حرفياً للصحفيين: " نحن لدينا في بلجيكا العديد من الكلمات والمفردات لوصف مثل هذه الحكومات ولكن في حالة الحكومة المصرية فان المرء يعجز عن وصفها بأي وصف."!

لا يقتصر التناقض بين مواقف مختلف الناس من غزة ومواقف الجانب الإسرائيلي الأكبر (متمثلاً بإسرائيل ومبارك وعباس وبعض الخردة الأخرى) على موقف بلجيكا، فحتى في بريطانيا، الدولة الثانية في تحيزها لإسرائيل انتفض شعور إنساني حتى اتهمت قيادات إسرائيلية بريطانيا بقيادة "حملة صليبية" في أوروبا ضدها واعتبرت أن وزير الخارجية البريطانية ديفيد ميليباند يقف وراء "تلك الحملة القاسية." وتراجعت "أقطاب في الحكومة البريطانية" عن وعدها بتشريع قانون يمنع تقديم شكاوى أمام المحاكم البريطانية ضد ضباط إسرائيليين متهمين بارتكاب "جرائم حرب" ودعت الحكومة البريطانية مواطنيها إلى تجنّب شراء عقارات في مستوطنات الضفة الغربية أو بضائع منها، وقررت عدم استئجار مقر لسفارتها في مبنى تابع لمليونير إسرائيلي- روسي لأن شركته تنفّذ مقاولات بناء في المستوطنات وفي القدس!

فأين هؤلاء وهؤلاء من حكومة مبارك التي تحاصر الضحايا، وأقطاب حكومة عباس الذين لا يأنفون عن تجهيز إسرائيل بالسمنت لبناء حائط الفصل في أراضيهم؟؟

في أي جانب من الصراع نضع من يصف صمود أهل غزة الأسطوري، بأنه "الكذبة الكبيرة المسماة الإنتصار"؟ قال مارتن لوثر يوماً: “ لا يستطيع أحدٌ ركوب ظهرك .. إلا إذا كنتَ منحنيًا”. وقد برهن كل من شعب فلسطين ورئيسه صحة هذا القول، كل من جانبه!

قبل أيام أكد عباس في لقاء مع مجموعة من الأمريكيين، "أن السلطة الفلسطينية ستواصل تعاونها الأمني مع إسرائيل بغض النظر عن مستوى التقدم أو فقدانه في المفاوضات السياسية". وقال "إنه في مصلحة كل منا وإسرائيل."....إنه صحيح تماماً، إن كانت "منا" يقصد منها شخص محمود عباس، وليس الفلسطينيين.

عباس يقدم فضائله لإسرائيل بدون شروط ولا يربطها بتقدم في المفاوضات، لكن في الجانب الآخر، كانت الإيطالية الرائعة مورغانتيني، نائبة رئيس البرلمان الأوروبي التي شاركت في تظاهرات في الأراضي المحتلة ووضعت زيت الزيتون الفلسطيني على كافة موائد البرلمان الأوروبي في كل من ستراسبورغ وبروكسل، رمزاً لتضامن البرلمان مع الشعب الذي كانت اسرائيل تقتلع أشجار زيتونه، كانت تجاهد من أجل ربط منح إسرائيل المكانة الخاصة، بتقدم مسيرة السلام مع الفلسطينيين، كورقة ضغط على إسرائيل لإجبارها على سياسة أقل عدوانية، وهاجمت بضرواة الأسد زملائها في البرلمان الذين أرادوا مواصلة منح إسرائيل تلك الأفضلية "بغض النظر عن مستوى التقدم في المفاوضات او فقدانه مع الفلسطينيين"، على ازدواجية معاييرهم!

من من هؤلاء أكثر إنسانية، بل من منهم الأكثر "فلسطينية"، إن لم نستعن بمشاعر قومية متعصبة للإجابة عن السؤال؟ هل من غرابة في أنه الخيار الإسرائيلي للشعب الفلسطيني؟ إنه يتصرف أيضاً بإخلاص شديد لمن اختاره!

هذا التناقض المثير للإستغراب يتكرر كثيراً مؤخراً وسيتكرر كثيراً مستقبلاً مادام الأمر لم يفهم كما هو. خذوا مثلاً خبر تصويت وفد السلطة الفلسطينية بالضد من مشروع قرار يدعو لنزع السلاح النووي الإسرائيلي، خلال اجتماعات اتحاد البرلمانيين الدوليين في أثيوبيا في نيسان الماضي، ومثلاً آخر من رفض ذلك الوفد الإنظمام الى الوفود العربية التي انسحبت من قاعة الإجتماعات عند إلقاء ممثل إسرائيل لكلمته ورفع أعضاؤها بوجهه صور أطفال غزة.

وخذوا صورة أخرى له وهو يصرح في واشنطن أنه لن يطالب بعودة 5 ملايين لاجئ فلسطيني لأنه لايريد "تدمير إسرائيل". فمن يريد حماية إسرائيل ديموغرافياً، و يقلق من أن عودة الفلسطينيين سوف "تدمر إسرائيل" ليس فيه ذرة احترام لقومه وحقوقهم، ، بل لا بد أن يكون عنصرياً ونازياً ضد الفلسطينيين، ويرى في كثرتهم في دولة ما، حتى لو كانت دولتهم، تدميراً لتلك الدولة!

لاتتوقف الأخبار المدهشة عند هذا الحد، فآخر الأخبار تنقل لنا عملية أغتيال قامت بها قوات السلطة "الوطنية"، بعد محاصرة ثلاثة من القادة الفلسطينين المطلوبين من قبل إسرائيل في منزل في قلقيلية، وقتلهم لحسابها بعد رفضهم تسليم أنفسهم! (2) (3)

يتساءل المرء: كيف تحولت حركة مقاومة مناظلة، إلى عصابة لأغتيال المقاتلين الذين يقاتلون من أجل نفس الهدف الذي كانت تقاتل من أجله عقوداً طويلة مريرة؟  سؤال محير، لكن السؤال الأكثر حيرة يبقى:

 ما هو شعور العاملين في السلطة الفلسطينية ومؤيديها حين يدركون أنهم صاروا من الناحية العملية، عناصر في فرقة أغتيالات إسرائيلية؟

 

..........................

(0) http://www.arableagueonline.org/las/picture_gallery/thefourth1.doc

http://www.arableagueonline.org/las/picture_gallery/reportfullFINAL.doc   

(1) http://www.edleb.net/modules.php?name=Forums&file=viewtopic&p=114623

(2) http://arabic.cnn.com/2009/middle_east/5/31/Westbank.clashes/index.html

(3) http://arabic.cnn.com/2009/middle_east/5/31/hamas.cairo/index.html

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1075  الخميس  11/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم