أقلام حرة

(بهناز) والفلفل الحار في شارع الاستقلال

 معه مابعد الظهيرة في هذا الشارع مجيبا عن سؤالي عن اسم الشارع الذي نسير فيه واذا به يفاجئني بأن اسمه (شارع الاستقلال) وشتان مابين شارع الاستقلال في مدينة (استنبول) التركية وهذا الشارع الذي يستقل هو الاخر بخصوصية تؤكد اهمال دائرة البلدية في البصرة لواجبها ازاء هذا الشارع الذي تقع عند نهايته القاعة التي احتضنت شعراء المربد من عراقيين وعرب واجانب، وبدلا من ان يكون شارعا جاذبا للنظر ممتعا تراه والاوساخ والاتربة قد انتشرت فيه فضلا عن حيطان الابنية الكالحة، انه منظر يبعث على الاشمئزاز، بينما انت في (شارع الاستقلال) في استنبول تجد نفسك طيرا يسبح في فضائه وتود ان لاتغادره فتصطدم بواقع مرير ماثل في شارع شبيه له بالاسم فقط، وكم تمنيت لو ان العاملين في دائرة بلدية البصرة قد اطلعوا على تجربة دوائر بلدية دول الجوار العراقي ورأوا النظافة فضلا عن الابتسامة التي تعلو محيا ابناء الدول المجاورة الذين انعم عليهم بحكومات اهتمت بمواطنيها من خلال جعل بلدانهم جنة على الارض، بينما ارضنا وشوارعنا خربة ليس فيها سوى اصوات الانفجارات ودماء الابرياء من العراقيين التي تجسد حب السياسيين العراقيين لشعب مبتلى ومنكوب بهم، ففي شارع الاستقلال في استنبول ترى الاستقلال بعينه بمعنى ان المواطن يمتلك حريته الشخصية بأوسع مدياتها فصار شبيها بالهايد بارك في لندن وشوارع اخرى في مدن العالم ترى فيها الشباب يوزعون منشوراتهم المعارضة لرأي الحكومة، وبعضهم رفع لافتة، هذا في ظل وجود عناصر الشرطة الذين يؤمنون الحماية للجميع وليس كأفراد شرطتنا الذي يستلذون بتعذيب المواطنين في طوابير السيارات بذريعة توفير الامن الهش اصلا عبر تضييق الشوارع وخنق الناس واضاعة وقتهم في الانتظار الامر الذي نفهم لماذا تأخر العراقيون عن ركب الامم بينما غيرهم سبقهم بآلاف الاميال من الخطوات نحو المدنية والتطور، والفرق واضح من العقلية التي تدير الحكومة في هذا البلد وذاك حتى صار العراقي يتحسر على الماضي المليء بالآلام هو الآخر ولكنه اهون الشرين، فلااستقرار ولااستقلال ولاديمقراطية، وهم يكذبون ويدعون، بينما غيرنا يجسد ذلك بالواقع الملموس .

 

انت في شارع الاستقلال الاستنبولي تبهرك الاضواء التي علت سماءه كأنها قلادة في جيده، وعلى جانبيه انتشرت المحال التجارية والمطاعم والاسواق، وتمر من جانبيك الصبايا وهن في احضان الشباب مشفوعة لحظاتهم الجميلة هذه بالقبل الساخنة امام المارة، او لم نقل انه شارع الاستقلال الذي يمتلك فيه المواطن التركي حريته الشخصية،وتجد فيه ايضا ذلك الرجل الذي اجلس زوجته وابنه الى جانبه واح يعزف منشدا، وتلك الشابة التي تمسك كمانها بجنون، وليس في الشارع سيارة تفسد متعة المارة عدا قطار كهربائي صغير ينقل المواطنين من هنا وهناك، شارع تسقط الاضواء عليه لامعة مؤكدة لك ان دائرة البلدية في استنبول تعمل لسمعة بلدها وليس لاحزابها كما هو الحال في العراق، وقطعنا مسافة طويلة ممتعة في هذا الشارع الذي اصر اصدقاؤنا في جمعية المحررين الاقتصاديين في تركيا على اصطحابنا في نزهة للاستمتاع بمنظر شارع يفخرون به مثلما نحن نفخر بشوارع مدننا المليئة بالحفر والجدران الكونكريتية والسيطرات التي انشغل فيها عناصر الشرطة عن طوابير السيارات بالثرثرة مجسدين ساديتهم المريضة، يتعاملون بمزاجية مع هذه السيارة  وان وجدوا امراة فيها يتعمدون ايقافها وهم ينظرون اليها بطريقة مخجلة لاتليق بمجتمع يفخر بقيمه، ويصر اصدقاؤنا (اوزلم) رئيسة جمعية المحررين الاقتصاديين وامينها العام (توركاي) واعضاء هيئتها الادارية (مراد وسلطان وآخرون لااتذكر اسماءهم )، اما سفير الثقافة العربية (الدكتور محمد العادل ) رئيس الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون فكان يضمنا بجناحيه نحن اخوته العرب من الصحفيين الذين كان هو سببا في دعوتهم للملتقى الاقتصادي الاعلامي الذي نظمته جمعية المحررين الاقتصاديين، ولاانسى ماحدث لي فجأة حين شقت الطريق علي شابة تركية اقتربت مني للتعارف فدفعتها (سطان) بقوة عني الامر الذي اثار انتباه الجميع، فعلق (امين بن مسعود) الصحفي في جريدة الشروق التونسية هاتفا ( كاد اخونا ابراهيم يتعرض للاختطاف من شابة تركية لولا سلطان)، وضحكنا مستمتعين بتلك اللحظة الخاطفة حتى دخلنا الى مطعم يقدم الكباب التركي بطريقة تختلف عما يقدم في العراق، فالكباب هناك يأتيك في طبق معدني وعليه المرق وتحته اللبن وثريد الصمون ولك ان تأكل من دون تعليق فأنت ضيف وعليك ان تحترم مضيفيك مهما كان السبب على قاعدة (ياغريبا كن اديبا) ليس بمعنى ان يقول شعرا او قصة انما يتعامل بأدب مع مضيفه، ومن عادتي انني اتناول الفلفل الحار بكل بساطة من دون ان اشعر بحرارته الامر الذي اثار فضول صديقة اعلامية ايرانية كانت من بين المدعوين معنا فتناولت قطعة فلفل لتستنجد بزميلة صحفية لنا من المغرب الشقيق كي تناولها قدح الماء، لان فمها اشتعل نارا، فظن الجميع بأنه مقلب مني وان بعض الظن اثم، فتناولت القطعة ذاتها ليصدقوا بأنها لم تكن مزحة، وكان على (بهناز) وهذا اسمها ان لاتغامر، حتى ان (نادية) الصحفية المغربية التي كانت تجلس بجانبي تصورت انني ورطت بهناز، فكانت ورطة جميلة ضحك لاجلها جميع من كان يجلس معي عند تلك الطاولة .

 

الم اقل لكم انه شارع الاستقلال بحق وحقيقي يجد الانسان فيه حريته فيستمتع بتناول قطعة الفلفل الحارعلى طريقة بهناز !

 

صحفي وشاعر وكاتب عراقي

عضو منظمة الدفاع الدولية

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1372 الاثنين 12/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم