أقلام حرة

أوجاع مهددة بالسرطان

الكذب على الصدق، والتحايل على الإستقامة، والتكبر على التواضع، والجهل على الثقافة، والدجل على الدين، والخلل على التوازن، وهكذا حتى اذعنت خارطة العقل في كثير من مقاطعها للتآلف مع الحاصل، بل وبالتحالف معه، وأُسقِطت المعايير الصحيحة للأشياء ؛

 

وبهذا أتيح للكثير من الجهلة وألأراذل والمنافقين في هذا الصوب وذاك أن يتسللوا، ليفرضوا انفسهم على سواهم بالمنصب تارة وبالوجاهة تارة أخرى، بل وحتى بالثقافة والشعر على نمط عاشقي كلمات الغزل الرخيص هذه الأيام ...

 

فرحلت أقوام وحلت بدلها أقوام، فقدنا شعراء ومثقفين وكتاب، وعلماء وأصحاب كفاءات، من مهندسين ومعلمين وأطباء، وما زلنا نفقد، بل فقدنا أرشيف الكثير من آثارنا وشخصياتنا .

 

ليتنا نحافظ أونتذكر اونصون بحق انجازات الطيبين وابداعاتهم، ليتنا نتعرف الى مساحات ما تبقى من الطاقات العلمية، لننشغل بالحديث عنها بدل الإنشغال وإشغال عقول الناس بعراك (المناصب الحكومية) هذه الحالة التي أشغلت الجميع عن حديث الثقافة والمعرفة والعلماء ؛ أقصد علماء الفيزياء والطب والكيمياء والفلك ؛

ممن هم في طريقهم الى الإنقراض، خاصة هذه الأيام، حيث يصعب على العاقل ان يرتقي الى المنبر الحر .

 

والسؤال بناءا على ما تقدم، هل ان اصحاب الكفاءات أي ما تبقى منهم، يستطيع أن ينجز ما قام به قبله، اي يستكمله، فمثلا هل يستطيع مدرسو اليوم أن يحققوا ما قام به مدرسو ألأمس؟ وهل يقدر أطباء اليوم أن ينجزوا ما أنجزه أطباء ألأمس؟

 

ثمن الحاصل هنا، أن موازين الموضوعات قد تلكأت، لتحل محلها موازين جديدة كما أسلفنا؛ المعايير تغيرت بعد ان تبددت الثقة بين الناس .

 

اما الخبر من باب القياس، فهو أن مريضا بالمثانة في مدينتنا المتعبة، قد فرض عليه المرض طوقه، ليدور هنا وهناك بحثا عن منقذ لمثانته، التي أصيبت بالتلف التام، ما يفرض عليه إجراء جراحة من نوع خاص، بمعنى أن المصاب يحتاج الى جراح ماهر في هذا الإختصاص، ومن حسن الحظ كان الخيالي وشوقي غزالة، ممن ينبغي إجلالهم في إختصاصهم والتباهي بهم، ولهذا وبعد التي واللتيا، إتضح ان الأول مقيم في بغداد لكنه مسافر، والثاني في أربيل، فما كان من المريض، إلا الذهاب من الجنوب إلى الشمال بحثا عمن يعالج مرضه، الذي قد يؤدي به الى الموت ؛

 

والسؤال هنا كم عدد ألأطباء في مدن الجنوب، وكم عدد اصحاب الكفاءات ؟ كم بنينا في الجنوب من المسشفيات المؤهلة لإداء العمليات الكبرى ؟ كم حققنا في باب الطب وباقي المجالات العلمية كالطاقة والكهرباء والخدمات، وكم كرمنا في باب الإعمار والتنمية ؟ ماذا عملنا لإستيعاب الجيل الحالي من الشباب، اقصد طلبة الجامعات العراقية والإعداديات ؟

 

بكلمات اخرى اقول كيف حال مؤسساتنا الطبية والتربوية والتعليمية والثقافية، ومؤسسات مجتمعنا المدنية والحكومية في باب الخدمة والإنجاز ؟

 

هنا وبحسب ما يقال ؛ لماذا لا يصار الى إختيار مرشحين من اصحاب المؤهلات في كل محافظة وفي كل الإختصاصات للإرتقاء بهم كثروة لا تنضب ؟

 

فمثلا يجري إختيار هيئة مسؤولة عن جراحة القلب والباطنية في ميسان واخرى في الناصرية وهكذا مع باقي المحافظات، ويتبعُ نفس البرنامج مع باقي الإختصاصات كالآثار وحماية البيئة، وبهذا نتلافى ما نحن فيه ونصون أونحافظ على ما تبقى من هذه الطاقات، مثلما نحتاج أن نحافظ على حلالنا وثرواتنا الأ ثرية التي سرق اكثرها .

 

ومسك الختام، اقول انه عندما نبتديء بتأسيس مؤسسات مهنية وعلمية، لمناقشة حماية الإنسان وتحصين عقله من التلكوء والإنهيار عن طريق مؤسسات المجتمع المدني على الأقل، وعندما تصبح ارادة الحاكم جزء من ارادة هذه المؤسسات، عندما ترتقي إرادة الشعب، لتتخذ استحقاقها الصحيح، عندما تتنحى السلطة عن اسحقاقاتها المالية وألأبههـ وتية *، عندئذ فقط يمكننا ان نعالج ما نحن فيه لنرتقي .

 

* من الأبهة أي النزعة الى السلطة والسلطان، النزعة الى التفاخر بالملك والمنصب والجاه   .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1429 الاربعاء 16/06/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم