أقلام حرة

الإنتخابات الإيرانية (1) تزوير التزوير

 

والثاني قال بأن الشعب لم يكن يريد أي من المرشحين وإنما يريد التخلص من النظام بشكل عام، والعديد من هؤلاء جمع المقولتين بطريقة غير واضحة فاتهم الحكومة بإجبار الشعب على انتخاب من ضمن خيارات لايريدها هذا الشعب، وثم بتزوير الإنتخابات لصالح واحد من تلك الخيارات: نجاد.

في هذه المقالة سأحاول أن احلل في أكثر من جزء، المسائل المطروحة على الساحة الثقافية السياسية العربية بشكل خاص في هذا الموضوع وسأخصص القسم الأول منها للسؤال عن حقيقة التزوير ودلائله وأخصص قسماً لرصد موضوع التدخل الأجنبي في التأثير على الإنتخابات وآخر لموضوع الديمقراطية الإيرانية ورابعاً لأحمدي نجاد نفسه.

وفي حين تعاملت بعض الأقلام مع الحدث بالحذر الصحفي المطلوب مثلما كتب الدكتور سيار الجميل وسليمان تقي الدين ومازن كم الماز وسهر العامري وآخرين، ولديهم وجهات نظر مختلفة تماماً فيما بينهم، فأن الغالبية الساحقة لم تفعل ذلك وقدمت رأيها غالباً دون دعم بأسباب أو أدلة أو استندت إلى أدلة غير دقيقة. وأنبه هنا إلى أن هذه المجموعة لايجمعها جامع عام، فمنها من عرف عنه الأمانة في الكتابة ومنها ما ليس كذلك.

من الكثيرين من القسم الثاني الذين ركزوا بأن الشعب كان لا يريد أي من المرشحين، اقتطف ما يلي:

الحزب الشيوعي العمالي العراقي - ان هذه العملية لهي خدعة إسلامية من طراز خاص،

 صادق إطيمش - الجرح العميق الذي يهز كيان هذه الدكتاتورية الدينية السوداء

عماد علي - ..سيطرة النظام الايراني على الاوضاع بالقوة المفرطة

حميد تقوائي - والآن يبدو واضحا للجميع: ليس بامكان الجمهورية الاسلامية ان تقوم بانتخابات ..لا تسمحوا لهم بان يفلتوا من نهايتهم.

سعيد علم الدين - ان ما يحدث اليوم في ايران بعد تزوير نتيجة الانتخابات..... هي انتفاضة شعبية مباركة تعبر عن حيوية هذا الشعب الايراني الاصيل وستحقق اهدافها بتنظيف ايران من ادرانها في نهاية المطاف. الحزب الشيوعي العمالي الأيراني - ثورة عظيمة تتجسد امام اعيننا.

ومن يقرأ مقالات هؤلاء السادة وممثلي الأحزاب (حذفت روابطها اختصاراً، يمكن إيجادها بواسطة كوكل) يرى بوضوح أن كل منهم استند إلى إفتراضاته الخاصة وأمانيه في كيف يجب أن تكون الحقيقة، ولم يراجع ذلك وإلا لأكتشف أن الحقيقة بعيدة عن رأيه بأكبر مسافة ممكنة. فلم يثر أي مصدر حسب علمي الشكوك في نسبة الناخبين التي بلغت اكثر من 80% من الشعب الإيراني. ومن الطبيعي أن كل من هؤلاء إنما جاء لينتخب واحداً من المرشحين، أي أن 80% من الإيرانيين وجدوا مرشحيهم ضمن القائمة المقبولة، ولا شيء يدل على أن الناخبين أجبروا على الخروج من بيوتهم لينتخبوا أحداً هم بالضد منه.

ومما لا شك فيه أن الإتهامات بتزوير عدد من البطاقات وإضافتها إلى العدد الكلي، أمر وارد، لكننا لا نملك دليلاً عليه، ومن الصعب القيام به على نطاق واسع. إضافة إلى ذلك فأن النسبة التي شاركت في الإنتخابات هي نسبة متوقعة وتتناسب مع نتائج الإستبيانات الغربية التي سبقت الإنتخابات كما سنرى. ويبدو لي أن التأثير الصوري للتلفزيون كان أكبر لدى هؤلاء في تكوين آرائهم من الأرقام التي توفرت لديهم عن الإنتخابات. فقد صوت لموسوي والآخرين الملايين في هذا البلد الذي يقارب عدد المسموح لهم بالتصويت من سكانه الأربعين مليوناً، وليس منه الصعب إخراج مئة ألف منهم في تظاهرات، وليس غريباً أن تكون هذه المئة ألف أكثر تأثيراً صورياً وانطباعياً من عشرات الملايين الذين صوتوا لنجاد وبقوا في بيوتهم سعداء بالنتيجة.

ومن الذين تتجه شكوكهم إلى أن الإحتجاج كان ضد  التزوير لصالح نجاد وعلى حساب موسوي:

حسن مدن - إن جيلا جديدا من الإيرانيين والإيرانيات الذين اتحدوا خلف مير حسن موسوي

حامد الحمداني - كانت كل التقديرات تشير إلى شعبية موسوي الواسعة، والثقة التامة في فوزه

مالوم ابو رغيف - حسين الموسوي المرشح الذي فضله الشعب الايراني على احمدي نجادي،

عساسي عبدالحميد - زور الخامينائي الانتخابات و احتفظ بالأحمق نجادي على رأس الجمهورية

ساطع نور الدين - جمهور يميل في غالبيته الساحقة نحو الاصلاحيين

صادق إطيمش - كانت هذه النتيجة مفاجئة ليس للشارع الإيراني فقط ، بل ولكل متابع للحملة الإنتخابية التي جرت في إيران ولكل مراقب للساحة السياسية الإيرانية، حيث كان الإحتمال الأكثر رجحاناً هو المنافسة المتوازنة على الأقل بين الرئيس الحالي ومنافسه الأكثر حظاً بالفوز الموسوي .

كاظم حبيب - تؤكد الكثير من المصادر في وزارة الداخلية الإيرانية عن عمليات تزوير كبيرة جداً, وإلا لما انقلب الرقم 35% من الأصوات إلى 65% من الأصوات لصالح احمدي نجاد. وعلى المرشد الأعلى أن لا يبقى أعمى

عبدالخالق حسين - وقد حرم الشعب من الخبز والحرية ولا أي بصيص أمل لهم للمستقبل....فشاركت بكل ثقلها هذه المرة في الانتخابات من أجل إلحاق الهزيمة بمحمود أحمدي نجاد ومنعه من الفوز ثانية والتخلص منه.

عبدالخالق حسين - معظم المحللين السياسيين يعتقدون بالتزييف. فالدعم الجماهيري للمرشح الإصلاحي مير حسين موسوي قبل الانتخابات كان كبيراً جداً في المدن.

حمزه الجناحي - اعتقد وبعد مرور اربع سنوات على حكم نجاد ورفض سياسته الداخلية من قبل الشارع الايراني اكيد لا تجعل حصوله على هذا الرقم منطقيا

ونلاحظ أن الغالبية من الكتاب هنا أشاروا إلى مصادر مبهمة مثل "كل التقديرات" و "كل مراقب للساحة السياسية الإيرانية" و "الكثير من المصادر في وزارة الداخلية الإيرانية" و "معظم المحللين السياسيين"، ومنهم من لم يشر إلى أية مصادر، واعترف القليل مثل السيد حمزة الجناحي بأنه يستند على "إعتقاده" بأن الرقم غير منطقي.

ويؤكد رأي الصحفي الأمريكي المعروف فريد زكريا، وجهة نظرنا في تأثير التلفزيون حين قال في سي إن إن أن النسبة التي فاز بها أحمدي نجاد تدعو للشك بالنظر إلى عدد المتظاهرين, وكذلك أورد أن موسوي خسر في منطقته أيضاً وهو أمر غير وارد.

وجدت مقالاً واحداً كتب في صفحة "عراقنا" الإلكترونية يشير إلى مصدر ما، قال أن الإندبندنت نشرت حديثاً لروبرت فسك حول وثيقة تقول أن النتائج الحقيقية للإنتخابات هي أن موسوي فاز بالمرتبة الأولى وفاز كروبي بالثانية ولم يحصل نجاد سوى على المرتبة الثالثة! (1) وحاولت أن أتبين الأمر ومعرفة ما يستند إليه هذا الصحفي المعروف، لكني لم أجد المقال المذكور في الإندبندت، التي وجدت فيها بالفعل مقالة لروبرت فسك، لم يكن فيها أي حديث من هذا النوع، ولم تعط "عراقنا" رابطاً للمقالة التي تقصدها إن كان فسك قد كتب غيرها.

لكن من المعروف أن الحكومة الإيرانية، ربما بحجة منع تنظيم أعمال العنف، منعت بعض المواقع الإلكترونية خلال الإيام الأخيرة قبل الإنتخابات وبذلك حجبت مصدراً للمعلومات، رغم أنه ليس مصدراً موثوقاً، لكنه كان يمكن أن يقود إلى مصادر موثوقة بشكل غير مباشر. إلا أن الحكومة الإيرانية لم تستطع منع العديد من المواقع الأخرى تماماً, وبالفعل استعملها المحتجون لتنسيق تظاهراتهم. وفي اليوم الأول للتظاهرات أكتشفت أن موقع وكالة الأنباء الإيرانية قد تم تعطيله تماماً، فأغلق بذلك أهم مصدر لأخبار الجانب الحكومي، وبقي الموقع مغلقاً حتى آخر محاولاتي للوصول إليه، وربما حتى الآن. وقدم كوكل إبتداءً من يوم أمس خدمة الترجمة المجانية بين الفارسية والإنكليزية، وهي تخدم المحتجين أكثر، خاصة وأن لكوكل قدرة إنتقائية كبيرة لما يجده ويهمله من أخبار، لكن الطرفين يمكن أن يستفيد منها.

لايمكن أن نجد مصدراً حيادياً نلقي إليه بثقتنا، خاصة في مثل هذا الموضوع، وأملنا الوحيد في نفي أي خبر هو في إيجاد "شاهد من أهلها" له مصداقية كافية، ويقول بما لا يناسب خطاب أهلها. وبالفعل وجدت من خلال روابط على موقع هولندي إشارة إلى مؤسستين بحثيتين أمريكتين مستقلتين كانتا قد أجريتا استبياناً في إيران هما كل من (Terror Free Tomorrow)  (2) وهي مؤسسة غير ربحية تجري بحوثاًُ عن موقف الناس من التطرف و (“theAmerican Strategy Program” the New America Foundation)  وغطى البحث الذي في العديد من فصوله جوانب هامة من الديمقراطية الإيرانية، وشمل إيران من خلال 1001 مقابلة تلفونية تناسب توزيعها مع نسبة السكان وتم تمويل البحث من صندوق روكفلر أخوان (Rockefeller Brothers) واستنتج البحث أن أحمدي نجاد سيفوز على خصمه بمقدار يزيد قليلاً عن 2 إلى 1، وبالتالي فليس هناك أية غرابة في نتائج الإنتخابات التي أستغربها العديد من الكتاب. وجرى الإستفتاء بين 11 و 20 مايس أي قبل الإنتخابات ببضعة أسابيع فقط  ونشر في 8 حزيران،. والبحث الهام موجود هنا(4). 

وأثار البحث في تقديمه ومضمونه الكثير من النقد للنظام السياسي الإيراني وقدم الكثير من المعلومات الهامة ليس فقط عن ما ينتظر من الإنتخابات وإنما أيضاً عن تطلعات وطبيعة الشعب الإيراني.

ومن أهم ما جاء في البحث "أن نسبة عالية سوف تنتخب الرئيس محمد أحمدي نجاد، وأن الإيرانيين يؤيدون بأغلبية كبيرة إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة ويريد 77% منهم أن يخضع المرشد الأعلى، مثل غيره من القادة، للإنتخاب المباشر الحر، وأن يمكن مساءلته من قبل الشعب."

 وجاء فيه "أن الرغبة في علاقات أفضل مع الولايات المتحدة ونظام أكثر ديمقراطية، كانت من الأولويات التي بقيت على حالها خلال السنتين الأخيرتين كما تبين جميع الإستبيانات".

ويرى التقرير أن الإستبيانات الإيرانية تكون أما تحت تأثير الحكومة، أو من خلال مؤسسات مؤيدة لها، وتفتقد إلى المصداقية" وقال أن البحث الذي قاموا به كان على العكس من ذلك حيث جرى بواسطة التلفون من داخل إيران وغطى جميع المحافظات الـ 30. (3)

وبين التقرير أن من المتوقع أن يحصل نجاد على نسبة 34% من الأصوات وأن أقرب المنافسين له سيكون موسوي، الذي ينتظر أن يحصل على 14% منها. فيما يبقى 27% من الذين لم يقرروا بعد، واكثر من 60% من الذين لم يحددوا رأيهم بعد يتجهون نحو الإصلاح السياسي وإجراء تغييرات على النظام الحالي.

وورد في التقرير أن 7 من كل عشرة إيرانيين يرى أن الإنتخابات ستكون عادلة، وشكك بحريتها وعدالتها 1 من عشرة فقط.

وجاء أيضاً أن موسوي اعتمد في دعاياته الإنتخابية كثيراً على الجانب القومي وأصله الأذري متوقعاً أن تلعب هويته الأذرية دوراً في حصوله على الأصوات، لكن الإستبيان بين أن نسبة الأذريين الذين كانوا ينوون التصويت له هي 16% فقط وهي لا تزيد إلا قليلاً عن المعدل العام في البلاد الذي حصل عليه. وبالمقابل قرر 31% من الأذريين التصويت لأحمدي نجاد.

الأولوية رقم واحد بالنسبة للإيرانيين هي الوضع الإقتصادي، وهناك نسبة كبيرة من الإيرانيين ليست راضية تماماً عنه الوضع الإقتصادي، لكن لحسن حظ نجاد (كما جاء في التقرير) أن معظم هؤلاء لايحملونه مسؤولية ذلك الوضع. وقال ثلث الذين تم استبيان آرائهم أن وضعهم الإقتصادي تحسن خلال فترة حكم نجاد، بينما رأى نصف الذين أدلوا برأيهم أن حالهم بقي على وضعه.

وبعد الإقتصاد اعطى الإيرانيون الأولوية بشكل مقارب جداً، لموضوع حرية الإنتخابات والصحافة و ثم رغبتهم بعلاقات أفضل مع الغرب، ولم ير أغلبية هؤلاء في الحصول على السلاح النووي (وليس التكنولوجيا النووية) أهمية كبيرة على المدى البعيد.

ويريد 77% من الشعب الإيراني علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة, ويفضل 68% منهم أن تعمل إيران مع الولايات المتحدة على حل مشكلة الحرب في العراق، ويدعم 60% مفاوضات غير مشروطة مع أميركا حيث رأى 6 من كل عشرة أن أهم ما يمكن لأميركا أن تقوم به لتحسين صورتها:  إقامة تجارة حرة مع إيران والإنسحاب من العراق وزيادة عدد تأشيرات الزيارة (الفيزا) للإيرانيين للدراسة والعمل فيها. ورغم الرغبة الشديدة لدى الإيرانيين من أجل تطوير ديمقراطيتهم، إلا أنهم يعارضون أن تلعب الولايات المتحدة دوراً في نشرها في إيران، ولا يريدونها ان تلعب دوراً في مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

ولا يفضل 62% من الإيرانيين عملية سلام تعترف بإسرائيل، ويفضلون لو أن جميع المسلمين يستمرون في محاربة إسرائيل حتى لا تعود موجودة في الشرق الأوسط. ولا يزيد من يدعم معاهدة اعتراف بإسرائيل عن ربع الإيرانيين، حتى لو تمت إقامة دولة فلسطينية. ويدعم 64% من الإيرانيين تقديم إيران للمساعدات العسكرية والمالية لدعم مجموعات المعارضة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي. لكن 52% منهم يفضل الإعتراف بإسرائيل إن جاء كجزء من صفقة متكاملة مع الولايات المتحدة.

ويدعم 60% من الإيرانيين دعم حكومتهم للميليشيات الشيعية في العراق، مقابل 33% يعارضون ذلك، و 62% لدعم حزب الله مقابل 31% يعارضون. ومرة أخرى يجد أكثر من نصف الإيرانيين بقليل أن من المقبول إنهاء هذا الدعم ضمن اتفاقية شاملة مع الولايات المتحدة.

ولدى 78% ممن يصفون أنفسهم بأنهم من الشيعة في إيران نظرة إيجابية بالنسبة للسنة والمسيحيين. وابدت نسبة 8% فقط من هؤلاء نظرة سلبية إلى السنة و 11% نظرة سلبية إلى المسيحيين وانقسمت الآراء بالنسبة لليهود لكن الذين لديهم نظرة إيجابية كانت اكثر من العكس. وعكست هذه النسب نتائج أفضل بالنسبة لقبول الآخر من الإحصائيات التي أجريت في دول الجوار مثل السعودية.

ويميز الإيرانيون بوضوح بين الشعوب وسياسات دولهم. فهم لا يحبون الولايات المتحة وإسرائيل لكنهم يحبون الشعوب التي تسكن فيها ( المسيحيين، الأمريكان، العرب، السنة، واليهود).

وتبلغ نسبة من ينظرون بشكل إيجابي إلى المسيحيين 6 إلى 1، والنظرة الإيجابية إلى السنة 9 إلى 1 والأمريكان 2 إلى 1 واليهود 5 إلى 4 وتبين الآراء بأن الإيرانيين يودون السنة بأكثر مما يودون العرب من جيرانهم (تقل قليلاً عن نسبة تقديرهم للأمريكان كشعب)، مما يؤشر أن النظرة الطائفية التي تقسم المسلمين إلى سنة وشيعة ليست ذات قوة هامة في شق الهوة بينهم وبين جيرانهم العرب.

ويبقى التعبير عن الرغبة في ديمقراطية أفضل وعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة مستقراً في كل من الإستبيانات الثلاثة التي أجرتها المؤسستان والتي شملت البلاد خلال السنتين الأخيرتين، ويشمل ذلك حتى المؤيدين لأحمدي نجاد.

أن المراجع لإستنتاجات هذا الإستبيان يكتشف بسهولة خطأ الإستنتاجات المتسرعة التي اندفع إليها الكتاب المتأثرون بالإعلام, وبدون تمحيص، في معظم النقاط التي تم التطرق إليها، مقابل نسبة أقل جاءت منسجمة مع نتائج ذلك الإستبيان.

فمثلاً هناك جدول يقول بأن 59% من الإيرانيين مقتنعين بالمرشحين الموجودين في قائمة الإنتخابات، (مقابل 23% لايجدون مرشحهم المفضل بينها) أي أن غالبية الإيرانيين تجد الفرصة لإنتخاب من ترغب به رغم التحديد الذي يسلطه النظام الديمقراطي المتبع في إيران.

كذلك لا صحة لإستغراب مختلف الصحفيين من نسبة الأصوات التي نجح أحمدي نجاد في الحصول عليها، ولا غرابة في ما أشار إليه فريد زكريا في السي إن إن بأنه ليس معقولاً أن يخسر موسوي في منطقته أيضاً، لأن نجاد قدم خدمات هامة لفقراء تلك المنطقة أيضاً (سنعود إلى ذلك في إحدى الحلقات القادمة). ويبين التقرير أن أحمدي نجاد كان يتمتع بشعبية في المدن والقرى وليس في الأخيرة فقط.

وأن عبارات مثل "الجرح العميق الذي يهز كيان هذه الدكتاتورية الدينية السوداء" ليس له انعكاس على أرض الواقع حتى إن كان تصور الكاتب قريب من ذلك وأن عبارات مثل ".سيطرة النظام الايراني على الاوضاع بالقوة المفرطة" بعيدة عن الدقة وتتجاهل الكثير من الحقائق، بالنسبة لغالبية السكان على الأقل، وقد لا يكونون ممن يهتم الكاتب برأيهم. ولم نجد في التقرير أثراً لإنقلاب النسبة بين الـ 35% و الـ 65% التي تحدث كاظم حبيب عن "مصادرها الكثيرة في وزارة الداخلية الإيرانية".

وإن كان هناك ما يناقض الواقع من تعبير فربما كان تعبير الدكتور عبدالخالق حسين حول حرمان الشعب من الخبز، فجميع المرشحين الآخرين كانوا أبعد من نجاد عن "خبز" الفقراء، وكذلك بعيدة عن الواقع مبالغته في عبارة " ولا أي بصيص أمل لهم للمستقبل"، فمن الواضح أن الجماهير الإيرانية تريد التغيير، لكنها تأمل أن يتم ذلك من الداخل ومن خلال تطوير نظام الإنتخابات الإيرانية. وإن كانت الجماهير قد "شاركت بكل ثقلها هذه المرة في الانتخابات من أجل إلحاق الهزيمة بمحمود أحمدي نجاد ومنعه من الفوز ثانية والتخلص منه" كما يقول الدكتور عبد الخالق فمن المؤكد أن موسوي ليس الشخص الذي يمكن أن يعهد إليه بمثل هذه الأمال ولا يشجع تاريخه على عقد الكثير من الآمال التقدمية عليه، فكيف استطاع أن "يقيم الجماهير"؟

لا أقول أن هذا التقرير مدعاة للثقة التامة، لكن مما لا شك فيه أن هناك مؤشرات هامة على درجة من المصداقية المقبولة على الأقل، وهي بلا شك أكبر بكثير من المصادر (وغالباً تقديرات مجردة) التي اعتمد عليها الكتاب. سأكون مسروراً لو أن أحداً منهم بين لي أن ما استند إليه كان مصدر أكثر ثقة من المصادر التي اوردتها والتي سأوردها في الحلقات القادمة من هذه المقالة، وحتى ذلك الحين سأعتبر ما كتبته الأكثر مصداقية.

إن الميل إلى تصديق كل ما يقال بالضد من إيران والإسلام صار مرضاً ثقافياً عربياً وعلمانياً ويسارياً يجب الإنتباه له، فهنا يكاد الكاتب أن يفقد جميع أدواته المعتادة من حذر وانتباه للفخاخ الإعلامية وعاداته في مراجعة المعطيات والتساؤل عن المصادر ومصداقيتها، فيصبح الجمع أشبه بقطيع يسير في اتجاه واحد دون أن يتساءل أحد فيه عن صحة الطريق ولا ينظر أي من أفراده إلى أين ومن الذي يقوده.

لكن الخطأ، وأكثر منه، الكذب، له فضل هام وأساسي، وهو أنه يدفع بالمرء للبحث باهتمام أكبر بكثير مما يفعله عادة عندما لا يشعر المرء انه قد تعرض لهجوم كذب، وبذلك يكتشف حقائق لم يكن سيكتشفها لو أنه ترك ليتصرف بنفسه دون استفزاز ذلك الكذب وتشجيعه لإجراء البحث، وحرصه على أن لايقع في الفخاخ التي يضعها له، كما وقع معظم الكتاب الأفاضل أعلاه.

بقي أن أقول أن نسبة المشاركة في الإنتخابات كانت قياسية وأنها بلغت ضعف ما بلغته بعض أكثر الديمقراطيات تطوراً في العالم، وهذه مسألة هامة. والنقطة الأخرى أن الحاسبات لا تستعمل في الإنتخابات في إيران، وهي مصدر أساسي من مصادر التزوير التي يسعى ناشطون في الغرب بجهد إلى التنبيه إليها وإلغائها، والتي تتجه النية إلى استعمالها في العراق أيضاً للأسف, وسط صمت مطبق من قبل جميع الأحزاب عن هذه المسألة الخطيرة.

 

صائب خليل: [email protected]

.................

المقالة القادمة ستكون عن التدخلات الأجنبية في الإنتخابات وما بعد الإنتخابات.

(1)  http://www.irakna.com/index.php?option=com_content&view=article&id=4707:2009-06-19-14-09-16&catid=3:2009-04-25-14-05-05&Itemid=7

 (2)  http://www.terrorfreetomorrow.org

(3) http://www.newamerica.net/

(4)  http://www.terrorfreetomorrow.org/upimagestft/TFT%20Iran%20Survey%20Report%200609.pdf

(5)  http://www.youtube.com/watch?v=WSH8-LYJ9nM

    

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1084  السبت 20/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم