أقلام حرة

لماذا الآن / رائد السوداني

 في 19 /8/2..9والتي طالت العديد من المباني الحكومية وأهمها مبنى وزارة المالية، ومبنى وزارة الخارجية الكائن في المنطقة المحصنة (الخضراء )، وأيضا راح ضحيتها أكثر من مئة شخص، وما يقرب الألف جريح ، بعد هذه الاحداث تحركت آلة حكومة نوري المالكي الاعلامية والدبلوماسية وبكل قوة متهمة سوريا بأنها هي التي تحتضن مخططي وممولي العمليات هذه، وأن هذه العملية بالذات قد خطط لها ومولت من سوريا، وعليه دعت مجلس الامن الدولي لتشكيل لجنة تحقيقية دولية شبيهة بلجنة التحقيق في مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، على أن اتهام سوريا ليس بالجديد فمنذ حصول الاحتلال وبدء الاحداث سواء الناجمة عن حالات المقاومة أو عمليات ارهابية تطال ابناء الشعب العزل فأن سوريا متهمة برعاية هذه العمليات ، علما أن رئيس الوزراء السيد المالكي كان في زيارة إلى سوريا قبل يوم من هذه الاحداث أي في يوم 18 /8/2..9وقد وصفت هذه الزيارة بأنها من أنجح الزيارات، وتساءلت أن سوريا لم تتهم بهذه التهمة لأول مرة فلماذا إذن هذا التحرك، فهل أن استهداف المنطقة المحصنة (الخضراء) هو السبب الرئيس في اتخاذ حكومة السيد المالكي هذه الخطوة ؟ الحقيقة توصلت في المقال المذكور إلى نتيجة أن المالكي لا ينظر إلى ضحايا المناطق الاخرى أي في بابل، والموصل، وضحايا كركوك وتلعفر، ومدينة الصدر بنظرة مختلفة عن الضحايا الذين وقعوا في الاربعاء الدامي، إذن لماذا هذا التحرك في حينه ؟ ذكرت وقتها أن الامر لايخص العراق، وأيضا لا يخص أي سياسة مرسومة من قبل الحكومة العراقية، ذلك أن أي سياسة لم ترسم من قبل الحكومة العراقية بعد التغيير الذي حصل في عام 2..3فالعراق وكما هو معروف واقع تحت الاحتلال العسكري الامريكي، وكذلك تحت وصاية مجلس الامن الدولي من خلال الفصل السابع .المهم كانت سوريا في ذلك العام (2..9) قد عادت إلى لعب دور مهم في الساحة اللبنانية بعد أن خرجت أو بعبارة أدق أجبرت على الخروج من لبنان بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من التواجد العسكري الكثيف في لبنان، وكذلك التحكم في مجريات الاحداث في هذا البلد من سياسية وامنية، أيضا كان لسوريا موقفا مبدئيا من قضية المفاوضات مع (إسرائيل )، ويتواجد على أراضيها أكثر قادة المقاومة الفلسطينية الرافضين لسياسة فتح الابواب بالكامل مع إسرائيل، وفي مقدمة هؤلاء خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وغيره من قادة الحركة، وأيضا تتواجد هناك قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة وزعيمها أحمد جبريل . ويجب الاشارة إلى العلاقة المتميزة بين إيران وسوريا وأيضا العلاقة الممتازة بينها وبين المقاومة اللبنانية والمتمثلة بحزب الله .هنا وجد من قبل الموجهين والراعين (لسياسة) الحكومة العراقية وأعني بها الولايات المتحدة الامريكية أنه يجب من توجيه حالة من الضغط على سوريا كي توجه بوصلة سياستها تجاه الاملاءات الامريكية، أو على الأقل إيجاد جسر بينها وبين قوى الاعتدال حسبما أطلقت عليها الاجهزة الامريكية وهي حكومات السعودية، ومصر، والاردن . تلقت الحكومة السورية هذه الرسالة وقرأتها بكل إمعان، ووعت للدروس التي فيها، وسارت على طريق فيه من الذكاء، والدهاء الشيء الكثير، فهي قد أبقت على علاقاتها المتميزة مثلا مع إيران، ومع حزب الله، وفصائل المقاومة الفلسطينية، وبنفس الوقت خطت خطوات كبيرة نحو أكثر حكومة من الحكومات التي تدعى بالاعتدال تأثيرا ونفوذا في المنطقة ولدى أمريكا وأعني بها الحكومة السعودية حتى أن زيارة الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى دمشق ساهمت وبشكل فعال في التسريع بتشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري، في هذه الاثناء بدأت الوفود الامريكية بالحضور إلى دمشق وبشكل لافت وملحوظ .بنفس الوقت بدأت صرخات الحكومة العراقية بالتلاشي وكأن الأمر لم يكن فيه متهمين قد ظهروا من على شاشة التلفزيون الرسمي ليؤكدوا رواية الحكومة، فهناك يقين بأن الضغط قد أتى بثماره وعليه لا ضرورة للاستمرار بهذه اللعبة .في  ذلك الوقت بدأت التهيئة إعلاميا وسياسيا، ونفسيا لانتخابات مجلس النواب حيث بدأت حملة التشويه والتشويه المضاد، والاتهام والاتهام المقابل .بطبيعة الحال جاءت النتائج بصورة لم تظهر أي فائز من الكتل والقوائم المشاركة، وحدث ما حدث من تشكيك بالنتائج وبالتالي الطلب من مفوضية الانتخابات بأعادة الفرز يدويا، لكن كانت أهم محطة توقفت عندها الأنظار لو صح التعبير هي الجولات التي قامت بها قيادات الكتل الفائزة الى العديد من البلدان المجاورة وغير المجاورة للعراق، في مقدمة هذه البلدان هي السعودية، والاردن ثم سوريا وتركيا، وإيران البلد الذي كلما زاره وفد حتى يبدأ بتلقي الانتقادات والاتهامات بالعمالة والانقياد الى إيران وتلقي التعليمات منه، والمفارقة أن القائمة العراقية التي انتقدت كثيرا الوفود التي زارت إيران وجهت عتابا الى مسؤولي هذا البلد بعدم دعوة قيادات العراقية لزيارتها وفعلا وجهت الدعوة وزار وفد من القائمة طهران واجتمع الى عدد من المسؤولين الايرانيين .تعتبر قائمة دولة القانون وهي قائمة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي القائمة الوحيدة التي لم تزر أي بلد بعد الانتخابات واعتبرته موقفا مبدئيا تسير عليه ولا رجعة عنه، معتبرة الوفود والقوائم الاخرى ما هم الا باحثين عن الحل خارج الحدود وهذا ما لا تريد ان تفعله هذه القائمة وقيادتها، حتى أن رئيس الوزراء صرح بالقول انه ألغى او أجل الكثير من الزيارات إلى خارج العراق كيلا تُجَير للدعاية المضادة، أي بمعنى أن لا تحسب هذه الزيارة وهو بوصفه رئيسا للوزراء بأنها تدخل ضمن الزيارات التي قامت بها القوائم الأخرى، وهذا الكلام بطبيعة الحال مقبول من جانب ومردود من جانب آخر، فأما مقبول ذلك عائد أن القوائم والكيانات السياسية مارست التشهير والتسقيط فيما بينها حتى لم تترك خط رجعة عن هذه الاتهامات ولا تستثنى أي جهة شاركت في الانتخابات عام 2.1.، وأما مردود فأن الحكومة ودولة القانون ترفضان توصيفها بحكومة تصريف أعمال والحقيقة أن هذا الوصف غير موجود في الدستور لكن واقع الحال يفرض عليها أن لا تلزم أي حكومة قادمة بأي التزام خصوصا الالتزامات الخارجية، وهذا ما معمول به في الولايات المتحدة فالرئيس المنصرف تبقى صلاحياته كما هي حتى الدقيقة الاخيرة من ولايته لكن كعرف سياسي وأخلاقيات العمل تفرض عليه المشاورة مع الرئيس المنتخب وأيضا بان لا يضعه في التزام قد يكون له رأي آخر فيه، فلماذا إذن يتخوف السيد رئيس الوزراء من فتح منافذ للعراق بوصفه رئيسا للوزراء كامل الصلاحيات  .بعد ستة أشهر من هذه المماحكات والاتهامات المتبادلة، ظهرت على الملأ أخبار التقارب بين دولة القانون وبين الحكومة السورية من خلال اتصال هاتفي أجراه السيد نوري المالكي مع رئيس الوزراء السوري وكانت المبادرة في الاتصال من الجانب السوري لكن تبين فيما بعد وعلى اثر زيارة وفد دولة القانون إلى سوريا واجتماعه بالرئيس السوري، تبين أن السيد المالكي قد فتح آفاقا اقتصادية أمام السوريين قبل شهرين من هذه الزيارة التي حدثت منتصف أيلول 2.1.، جاء هذا التأكيد على لسان الناطق الرسمي للحكومة العراقية، ثم جاء الاعلان الاكثر تأثيرا والمتمثل بالاتفاق حول تصدير النفط العراقي عبر سوريا .أن زيارة وفد دولة القانون ولقائه بالرئيس بالرئيس بشار الاسد أثار عدة أسئلة، منها هو السؤال المهم من وجهة نظري القاصرة والذي يقول لماذا الآن ؟ وللجواب على هذا السؤال يجب أن يُطرح سؤال آخر هو إذا كانت دولة القانون قد قررت وحسبما ذُكر أن تفتح خطوط إتصالات مع الخارج فلماذا البداية مع سوريا ؟ هل تملك سوريا مفاتيح الحل لأزمة تشكيل الحكومة العراقية وإذا كانت كذلك فما هو الدور الإيراني وهل الدور أو الأثر السوري أكبر ونفس السؤال ينطبق على الأثر التركي والسعودي ؟ وسؤال آخر إذا كانت سوريا لها هذا الامتياز مع باقي البلدان الاخرى فأين امريكا؟ أين أكبر سفارة في العالم وهي السفارة الامريكية في بغداد، فأن قبلت الولايات المتحدة بدور سعودي أو حتى اردني فهذا طبيعي لانهما لايخرجان عن العباءة الامريكية وحتى الدور التركي البارز بقوة فأن بتنسيق أمريكي بالمباشر لإيقاف المد الإيراني فهو يحظى بموافقة ضمنية أمريكية، إذن لماذا سوريا ولماذا الآن ؟ أما لماذا سوريا فلربما اعتقد القائمون على دولة القانون أنها تملك الكثير من مفاتيح الحل، فالقائمة ربما تتحرج زيارة إيران حتى لا يقال أنها لجأت إلى البلد الذي يرعى الطائفية من خلال بعض الاحزاب الشيعية فأن فتحت قناة اتصال مع سوريا يمكن من خلالها الاتصال بإيران دون ضجيج، وأيضا سوريا يمكن لها أن تكون جسرا مع السعودية التي غلّقت الابواب دون المالكي بزعم أنه طائفي، كذلك لسوريا علاقات وثيقة مع زعيم التيار الصدري الرافض بشدة لتولي السيد المالكي رئاسة الوزراء مرة اخرى، والأهم أن سوريا لها اتصال مع أمريكا .هنا سؤال لماذا يحتاج المالكي سوريا بالنسبة لإيران وأمريكا وقد رشح عن الاخبار انهما يسعيان لتوليه الحكم مرة اخرى ؟ للاجابة عن هذا السؤال هناك عدة محاور الاول ان هدف دولة القانون هو تولي الحكم ودونه تسقط كل الاعتبارات ففي ولايته الاولى وحتى يثبت انه غير طائفي ضرب التيار الصدري بقسوة شديدة واصفا إياهم بانهم اسوأ من القاعدة لكن عندما ظهرت نتائج انتخابات مجلس النواب سارع إلى لقائهم واصفا إياهم بالأخوة، وكذلك حتى يثبت أنه غير طائفي لم يوافق في الدخول في الائتلاف الوطني رغم الدعوات العديدة الذي دعته للانضمام الى هذا الاتلاف وايضا حال ظهور النتائج التي جاءت عكس ما توقع من اكتساح للساحة سارع إلى الاعلان عن الامر قد انتهى من خلال الائتلافين معترفا فيما بعد انه قد قرأ الساحة قراءة غير دقيقة ولذلك لم ينظم الى الائتلاف حيث انه اعتقد ان المجتمع العراقي قد خلع الصبغة الطائفية متيقنا ان التصويت سيكون لصالح قائمته كما هو الحال بالاتصال مع سوريا حيث اعلن احد اعضاء دولة القانون بانهم قد قرأوا الساحة والحالة العراقية قراءة غير دقيقة ظانين ان العامل الخارجي غير مؤثر بشكله المباشر، ولذلك أعدوا العدة لزيارة عدد من البلدان مبتدئين بسوريا وربما فيما بعد الكويت، وهذا يقودنا الى المحور الآخر هو ان لا ثابت عند دولة القانون فلو كان الخيار الوطني هو من الثوابت كما يعتقدون وان الائتلاف الوطني هو خيار طائفي لا يفي بمتطلبات المجتمع الجديدة المبنية على نبذ الطائفية كان عليهم ان يبقوا على خياراتهم ولا ينظموا الى تحالف وطني يضم ائتلافهم والائتلاف الوطني، وايضا لو كان لديهم من الثوابت هو نبذ العامل الخارجي لما ذهبوا إلى دمشق معلنين خطأ حساباتهم وقراءاتهم للساحة، أما المحور الآخر فهو ان سوريا لديها ما تأخذه من العراق على الأقل اقتصاديا في هذه المرحلة وفعلا اتفق الجانبان حول تصدير النفط العراقي عبر سوريا، فهل اعتقد السيد المالكي أن هذا الاتفاق بالتزامن مع زيارة وفد دولة القانون ستفتح الآفاق لولايته الثانية من خلال اقناع الحكومة السورية باقناع حلفائها بقبول السيد نوري المالكي رئيسا للوزراء فكما مر سابقا أن سوريا وخلافا لكل المحيطين بالعراق لها علاقات ونفوذ مع وعلى كل الفعاليات السياسية العراقية بما فيها الرافضة للتغيير، والمقاومة له، وذلك خلافا مثلا عن الاردن والسعودية فهما يرعيان صورة واحدة من الطيف السياسي العراقي، وكذلك خلافا للاّعب الايراني ذي الصبغة الشيعية، وكذلك الطرف التركي الذي ينظر الى العراق بكليته من ارث العثمانيين، فما تبقى هما سوريا، والكويت التي هي أيضا لها ما تريده من العراق وتضغط على أن تأخذه، على أنها المتضرر الاكبر من سياسة حكومة العراق برئاسة صدام حسين، لا بل أن مجرد ذكر مفردة العراق يزعج الكويت، وهذا البلد له حظوة عند الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو لاعب رئيسي في احداث العراق لكنه متواري عن الانظار يظهر بين الحين والاخر ليظهر تأثيره على السياسة في العراق كما حدث مع مسألة تزويد امريكا للعراق بطائرات ف16وقضية الخطوط الجوية العراقية التي اضطرت الحكومة العراقية إلى الاعلان عن افلاسها وتصفيتها، وايضا لها مطالب على الحدود مع العراق وفعلا أعلن وبنفس توقيت الزيارة إلى سوريا أٌعلن عن البدء بتثبيت الحدود بين البلدين والاعلان جاء من الحكومة العراقية .السؤال لماذا الآن ؟هل شعر السيد المالكي أو قائمة دولة القانون أن الزمن المتبقي ليس في صالحهم وبالتالي عليهم القيام بأي خطوة مهما كان ثمنها أو هل هذه الخطوة تأتي ضمن فقدان البوصلة التي تشترك بها الفعاليات السياسية العراقية أو تقع ضمن التيقن أن لا أثر ولا قرار  لدى هذه الفعاليات بدليل أخذ المتابع للحالة العراقية يسمع ورغم مرور أكثر من ستة أشهر على اجراء الانتخابات بمفردة ان المباحثات بين الكتل غير جدية وهل صحيح انها غير جدية أم هو اعتراف مهذب بعدم امتلاك القرار، أو ربما افهمت دولة القانون أن رغبة الراعي الامريكي أن تفتح ملفات العراق على كل الجهات والاطراف .هذه اسئلة ستجيب عنها الاحداث والوقائع في القادم من الايام .

 

 

رائد عبد الحسين السوداني

      [email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1531 الخميس 30/09/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم