أقلام حرة

أحلام سائق طاكسي / حميد طولست

ويطالبني كلما لقيني في المقهى الذي اعتدنا قتل الوقت بها، ويحثني على كتابة مقالات تهم مهني النقل وتتطرق للأوضاع الداخلية التي تمس معاناة الجماهير ومن بينهم سائقي الطاكسي، هؤلاء البؤساء الذين لا يستطيعون بدخلهم المنخفض جدا أن يضمنوا الخبز الحافي لهم ولأبنائهم.. ويقول لي وهو يتكلم بصدق الطفل، وجسارة المواطن الشريف، وقلب المحب للمهنة وللوطن: اترك الكتابة عن السياسة والشؤون السياسية الوطنية والدولية وما يفعله الوزير الأول وحتى الثاني والثالث، ودع عنك الولايات المتحدة وما تقوم به في العراق وفي افغانستان وما يضمره الرئيس الامريكي بوش من شرور للأمتين العربية والإسلامية. نحن - يواصل حديثه بانفعالية لذيذة - أحق بالكتابة لفضح ما نحن فيه من بؤس وضياع لا أحد يسمع به من المواطنين والمسؤولين، وقد زاد في آلامنا، يقيننا بأننا مهملون ومنسيون، حيث حصلت كل القطاعات على نصيب من الاهتمام دون الإلتفات إلى قطاعنا، رغم أننا نعمل مثلهم ونقوم بما قدر الله لنا من إخلاص وتفان في للملك والوطن.. لم أتركه يكمل شكواه المتكررة، وقلت له ذات مرة: إن هناك نية لدى وزارة النقل في مساعدة العاملين بهذا القطاع، واخبرته بما نشرته الصحف وما صدر من تصريحات المسؤولين و في مقدمتهم وزير النقل الجديد القديم السيد غلاب الذي وعد أثناء تقديم مدونة السير-التي اُثارت حينها ضجة عارمة-  برصد مبالغ هامة للنهوض بقطاع النقل عامة ولا شك أنه لم ينس سائقي سيارات الاجرة بأنواعها، لأنكم الأساس و"الديناموا" أي المحور في هذا القطاع الحيوي..

 سكت قليلا ثم قال: إن مخططات الحكومة طويلة وبطيئة، وأكثريتها للتسكين ودر الرماد، ونحن في وضع لا يحتمل التماطل و" التجرجير" بعد ما شهدته البلاد وما نعيشه جميعا بما فينا الحكومة من غلاء فاحش شمل كل شيء وعلى وجه الخصوص المواد الغذائية، ثم أردف قائلا في انفعالية ملحوظة، وكأنه يتدارك شيئا ما نسيه. إن التصريحات التي لا تتضمن مؤشرات ولا بيانات ولا معلومات ولا جدولة زمنية لا تحقق درجات أفضل، فهي في غالبيتها تكون للمخادعة والتسكين وربح الوقت.. فمرارتنا نحن السائقين من هذا الوضع الشاذ، تكمن في شعورنا العميق بأن بلدنا كان يمكن أن يكون كسويسرا وفرنسا أو غيرها من البلاد الديمقراطية المتقدمة: تنظيماً ونزاهة ً لولا هذا البلاء المستشري الذي اسمه الانتهازية والزبونية والمحاباة والرشوة واستغلال النفوذ. والذي خلق وضعا عير سليم يهدر إمكانياتنا المادية والبشرية، ويمنح الإمتيازات " لاكريمات " للبعض دون وجه حق، ويؤدي إلى ضياع مبدأ تكافؤ الفرص أمام المواطنين، ويقود إلى تشويه إرادة الناس عن طريق استغلالهم واستعبادهم واحتقارهم.. فالكل يحتقر السائق المسكين، بدأ بالزبون وانتهاء بشرطة المرور التي يوجد بها من – نحمد الله أنهم أقلية قليلة- لا يحترم من السائقين إلا من له نفوذ وقرابات أو مضلات نقابية أو سياسية. تجدهم متربصين، ليس لتسهيل المرور والقيام بالدور المنوط بهم. لكن لاصطياد سائقي "الطاكسي" المساكين دون غيرهم، مما يجعل هذا السائق حاقدا شاعرا بالإهانة والذل. فكم من سائق يتهم بحرق الضوء الأحمر تجنيا وظلما وعندما يحتج يواجه بتهم أخطر. نحن لسنا ضد قانون السير أبدا، فهو واجب على الجميع. لكن من يحمي السائق المسكين من جبروت بعض رجال شرطة المرور والمخالفات الملفقة التي تُبقي السائق بدون شغل وتفرض عليه الوقوف لساعات أو أيام في طوابير امام الكوميساريات ليؤدي ضريبة مخالفة لم يرتكبها ولا يجد إلا الدعاء، والمظلوم أقرب إلى الله من حبل الوريد..

 لم يكن لدي رد عليه سوى أن أطمئنه بأن الأمر يحتاج إلى خطوات عدة ولأن الأمور تتطلب وقتاً غير قصير لتطبيق المخططات ورصد الميزانية التي ستكون كبيرة بالنسبة لعددكم .. يصمت محدثي، فأحس بصمته  يحدثني ويشي بمعاناته مع ضعف الدخل والغلاء الفاحش الذي عرفته أثمان السلع والمحروقات .. وفي النهاية تمنى محدثي أن لا تأخذ قرارات الحكومة الجديدة القديمة المجرى الروتيني المعتاد والطويل الأمد الذي عرفته الحكومات السابقة.. ورغم علمي بأن مثل هذه المقالات إن كتبتها فلن تعجب الكثير إلا أنني نزولاً عند رغبة هذا السائق ووضعيته، سأسلك هذا الطريق. واكتب بين الفينة والفينة مقالاً أروي فيه بعضاً من معاناة هذه المهنة.. 

 

حميد طولست

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1534 الاحد 03/10/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم