أقلام حرة

وثائق ويكيليكس، دوافعها ومراميها / رائد عبد الحسين السوداني

 في عام 1974عندما اضطر ريتشارد نيكسون الرئيس الامريكي إلى الاستقالة بعد كشف صحفيان لفضيحة التنصت على المرشحين الديمقراطيين وقد كانت هذه العملية بأمر نيكسون الذي تحمل المسؤولية ورحل عن البيت الأبيض ،لكن مع ذلك السؤال الذي يجب أن يطرح هو هل الحرية مطلقة أمام الأعلام الغربي عموما والأمريكي خصوصا وهل أن بأمكان هذا الأعلام أن يتناول كل ما تقع عليه يدي هذا المفصل المهم ،وهل هذا الأعلام  له أن يبدي رأيا يخالف توجهات النظام الأمريكي الستراتيجي وأقول النظام وليس الادارة وذلك عائد لأن السياسة الأمريكية بفلسفتها العامة ثابتة وهذا يعود إلى النظام أما الطريقة في تنفيذ وتفسير هذه الفلسفة هي الادارة 0اذن علينا أن نتتبع بعض الأمثلة مارستها السلطات الامريكية مع الصحافة والاعلام حتى يتبين للمتابع هل الصحافة وبكل مفاصلها هي حرة بالمطلق أم لا ،ففي عام 1991عندما شنت الولايات المتحدة حربها على العراق لإخراج الجيش العراقي الذي احتل الكويت في 2/8/1990لم يُسمح للصحفيين بنقل كل شيء عن مجريات الحرب فقد اختارت الدوائر الأمريكية عدد من الصحفيين لمرافقة القوات في زحفها وضربها للعراق وليس لهم الحق في نقل كل شيء بل يُزودون بالمعلومات من قيادة الجيش ،نفس الأمر تكرر في عام 2003 عندما غزت القوات الامريكية العراق ولم يسمح للصحافة بنقل كل شيء إلا بعلم الدوائر الرسمية الامريكية وما تزودها بها ،هذا على الجانب العسكري0 أما على الجانب  السياسي نجد حادثين قد حدثتا لصحفيين أبديا رأيهما بإسرائيل ففي 7/يونيو /2010أجبرت عميدة الصحافة الأمريكية هيلين توماس على الاستقالة من مؤسستها بسبب توجيهها إنتقادات إلى الاسرائيليين ودعتهم إلى مغادرة فلسطين علما أنها تغطي أخبار البيت الأبيض مدة تقارب الخمسين عاما ، وبعد هذا التاريخ فصلت شبكة cnn أبرز مقدمي برامجها (ريك سانشيز) لمجرد أنه انتقد مقدم برنامج يهودي ونعته بالمتعصب ،إذن نحن أمام حالة عسكرية وحالة أخرى تتعلق بعقيدة وفلسفة النظام الأمريكي لم تتسامح أمامهما الأدارة الأمريكية ولا حتى المؤسسات الأعلامية التي ينتمي اليها الصحفيون وكي لا نظهر بمظهر الذي يأخذ الحقيقة من الامور التي تدخل في مصلحة  هذا البحث من ناحية معتقداته ،ولكي يتجرد الباحث والقاريء الا من قول الحقيقة كلها أقول ،ان مؤسسة  nprالاعلامية الامريكية  فصلت المحلل السياسي جوان ويليامز لانه انتقد المسلمين وهذا مخالف لسياسة المحطة ،اذن كيف والحال هذه  ان يستولي موقع الكتروني يملكه شاب استرالي على مئات الالاف من الوثائق العائدة الى الاستخبارات العسكرية وينشرها رغم مطالبة السلطات الامريكية بعدم نشرها ،هنا يبدر سؤال كيف تسنى لصاحب موقع ويكيليكس أن يستولي على هذا الرقم الهائل من الوثائق ،هل أن النفاذ إلى سجلات ووثائق البنتاغون بهذه السهولة واليسر بحيث يستطيع أي صحفي وأي محب للاستطلاع أن يطلع على مخزون هذه المؤسسة العملاقة ،أو أن صاحب هذا الموقع قد اغرى العديد من افراد الجيش الامريكي وجعلهم يزودونه بكل هذا العدد الضخم من المعلومات ،فإذا صدقنا الاحتمالين فنحن إذن أمام دولة لا تنطبق عليها مواصفات الدولة العظمى بكل الاحوال وهذا مستبعد على الاقل في الوقت الحالي فإذا نستبعد هاتين الاحتمالين يبقى أمامنا مبدأ التسريب المتعمد وبقوة ،بطبيعة الحال أن كل فعل أو عمل سياسي له دوافعه ،وأيضا له مقاصده ،فما هي دوافع الدوائر التي أوحت أو صرحت لتسريب هذه الوثائق ؟ هل أن للسباق الممل بين (الفرقاء ) السياسيين العراقيين للوصول إلى منصب رئيس مجلس الوزراء الذي أستمر منذ اعلان نتائج الانتخابات في أواخر آذار 2010 وحتى الآن (أواخر أكتوبر 2010) ،أقول هل لهذا السباق أثر أو علاقة في نشر هذه الوثائق ومن المقصود في هذا السباق فيما  إذا نشرت الوثائق ستصيبه الأضرار هل هو نوري المالكي رئيس الوزراء ولماذا ،فنوري المالكي خدم المصالح الامريكية  خدمة لم يستطع أي من الاطراف العراقية أن يقدمها لهم فهو قد أفرغ الساحة تقريبا من كل صوت معارض أو مقاوم للوجود الامريكي خصوصا في ساحة الجنوب العراقي حيث ضرب التيار الصدري وبقوة في البصرة ،والعمارة ،والكوت ،ومدينة الصدر ،والديوانية ،كما انه على الجانب السياسي وقع اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة، واتفاقية للتعاون الستراتيجي لم تعرف تفاصيلها لحد الآن لأغلب اطراف العملية السياسية العراقيين فلماذا اذن يكون هو المعني من هذا التسريب ؟ ربما شعرت الدوائر الامريكية أن المالكي وبعد انتخابات مجالس المحافظات في 2009وانتخابات مجلس النواب في 2010 ونتائجها التي اظهرت تفوق قائمة (دولة القانون )التي يتزعمها نوري المالكي ومن ثم إعلان ترشيحه عن التحالف الوطني الذي هو أساسا إعلان تحالف بين دولة القانون والتيار الصدري وعدم امتثاله لرغبة جوزيف بايدن المتمثلة بتقاسم السلطة بين المالكي واياد علاوي ربما اشعرت الدوائر الامريكية ان من الممكن ان يشب المالكي عن الطوق الامريكي او هكذا يريد كما انه جيّر الانجاز الامني باسمه مع العلم ان الستراتيجية الامريكية التي اعلن بوش بموجبها زيادة عديد القوات الامريكية مايقرب 21000جندي امريكي كان لها الاثر الفعال في هذا الانجاز 0وعليه يجب وضع المالكي عند حدوده كما تفكر الدوائر الامريكية ويجب احراجه خصوصا انه في وضع هش وخير وسيلة في ذلك هو نبش الماضي القريب وبتفاصيله (الطائفية) لانها الجزء الحساس في النسيج الاجتماعي العراقي فقد جعلته التراكمات الزمنية عاملا رئيسيا في توجيه البوصلة السياسية العراقية ،أما إذا كان المقصود والمعني هو العملية السياسية برمتها فأن هذه العملية قد ولدت ولادة امريكية فلماذا تسعى الدوائر الامريكية إلى تشويه صورة هذه العملية ؟ الحقيقة أن هذه الجزئية فيها بعدين البعد، الاول ان العملية السياسية ورغم الضربات التي وجهت الى التيار الصدري وانصاره انتجت برلمانا فيه اربعين نائبا من التيار وهو اكبر عدد من النواب يمثل حزب واحد أو حركة بمافيها حزب رئيس الوزراء وحركة الدكتور اياد علاوي وبذلك يجب خلط الاوراق من جديد على (الفرقاء ) السياسيين اثناء بحثهم تشكيل الحكومة ويأخذون بنظر الاعتبار ما جاء في هذه الوثائق خصوصا ان الادارة الأمريكية قد أخذت على المالكي تحالفه مع التيار الصدري ،أما البعد الاخر هو داخلي أمريكي فأمريكا تعاني في افغانستان عسكريا وطبعا بالتزامن مع الازمة العسكرية تعاني امريكا من الازمة المالية والتي تؤثر على تجهيز القوات هناك ،كما تشهد الولايات المتحدة موسم التجديد النصفي للكونغرس الامريكي بشقيه النواب والشيوخ لكن الامر الاهم هو تلميع الصورة القاتمة التي رسمت لامريكا في العالم عموما وعند شعب الولايات المتحدة وبما أن باراك اوباما من اولى مهامه هو تغيير المظهر الامريكي السيء الذي تكون بعد غزو افغانستان والعراق وبروز الفضائح التي شاهدها العالم في أبي غريب وغير أبي غريب من السجون الأمريكية في العراق كما أن المتاعب التي سببتها السياسة المالية الامريكية للعالم كما أن سياسة الغطرسة التي مارستها ادارة الرئيس بوش سببت في خلق كراهية شديدة من قبل شعوب العالم ،هنا يجب أن يتدخل اوباما ويزيل هذه الصورة القاتمة المعروفة عن بلاده وايضا فيه غمز للداخل الامريكي وفي هذا الوقت بأن القيام بهذه الاعمال جاء تحت انظار الادارة السابقة 0

 

هناك ذكر لبعض الاحزاب الشيعية بأن لها ميليشيات وتتلقى مساعدات مالية وعسكرية من إيران منها منظمة بدر وكتائب حزب الله وحزب الفضيلة الاسلامية والسبب في ذلك هو كما ذكر آنفا هو نبش الماضي القريب والسبب الآخر هو الاشارة لهذه الاحزاب بأن لا عاصم يعصمكم من اليد الامريكية فعليكم أن لا تذهبوا بعيدا عن التوجهات الامريكية ومارسمته الدوائر الامريكية للعراق 0

 

البعد الاخر لهذا التسريب المتعمد هو اقليمي يشمل إيران الرافضة للمشروع الامريكي وهي داخلة في صراع نفوذ على منطقة تعتبرها الولايات المتحدة منطقة مشروعها الامبراطوري كالعراق وفلسطين ولبنان وبلدان الخليج العربية وحتى مصر كما أنها تدخل في صراع على المشروع النووي الايراني والتجاذبات الحاصلة إزائها ،اذن شعرت الدوائر الامريكية ان تسريب هذه الوثائق المتعلقة بايران سوف يجعل ايران متهمة بصورة اكثر من قبل المجتمع الدولي وكذلك يسهم  في جعل الشرخ الطائفي اكبر ويسهم ايضا في تكريس اتهام الطائفة الشيعية بان ولائها لايران 0اما سوريا فهي تعتبر من دول الممانعة كما يصفونها هذه الايام وايضا لها علاقات ستراتيجية مع ايران وكذلك ان لبنان يمر هذه الايام بمرحلة خطيرة تتعلق بمسألة المحكمة الدولية وقرارها الظني المتعلق باتهام اعضاء من حزب الله اللبناني وكذلك هناك انباء عن تحركات اسرائيلية تحضيرا لحرب ضد هذا الحزب ومعروفة العلاقات بين الحزب وسوريا 0وهنا يجب ان تتنبه سوريا ان امريكا غير خافي عنها ما تقوم به  وتستطيع ان تحرجها وتؤذيها ايضا وعليها ان لا تبتعدعن الطروحات الامريكية هذا ماتسعى اليه الدوائر الامريكية 0

 

أما نتائج هذه التسريبات على المستوى العراقي وعلى مستوى تشكيل الحكومة العراقية فانها ستكون حكومة تنظر الى قبول ورضا الامريكي قبل أن تنظر الى مصالح الشعب العراقي وحتى لو استمر السيد نوري المالكي في منصبه فلن يكون الا اضعف من الماضي وذلك لانه متهم حسب هذه الوثائق والتي اعترفت البنتاغون بانها وثائق صحيحة . ومن النتائج الاخرى هي لابد من اكباش فداء لهذه التسريبات فهل ستكون هذه الاكباش هي من الرؤوس الكبيرة أم من صغار المسؤولين والضباط الصغار ؟ طبعا جرت العادة في ان الرؤوس الصغيرة هي التي تدفع الثمن دائما . 

 

رائد عبد الحسين السوداني

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1558 الاربعاء 27/10/2010)

 

 

في المثقف اليوم