أقلام حرة

معترك محموم / حميد طولست

وقبل أن تنزاح روائح شهيوات سيدنا رمضان عن مناخرنا و التي حاصرتنا في كل الأسواق، والأحياء، والأزقة الضيقة وحتى بيبان "الديور" وداخلها وأتت على البقية الباقية من صبر الناس وتصبرهم، واصابت ميزاتياتهم بفقر دم مزمن . وكالعادة وفي غفلة من الناس اختفت فجأة كل الشهيوات المتنوعة من شباكية وبروات وحرشة وملاوي، واحتلت مكانها التوابل والفحم والتبن والعلف، وامتلأت الدنيا بروائح من نوع آخر، تزكم الأنوفآ مصحوبة بضجيج بعبعة الأكباش .

هذه الأكباش الموجودة بكثيرة وتنوع وكفاية لكل المغاربة –حسب البلاغات الرسمية المعتادة التي تبثها وزارة الفلاحة بقرب كل عيد أضحى- وقد غطت كل الفضاءات والساحات وهي ومغرية بألوانها وأشكالها وأثمنتها هي الأخرى متنوعة ومتفاوتة، من منتوجات سردية سمينة إلى أخرى بلدية معلوفة أو رعوية ؛ وبين هذه وتلك، سيقف وكالعادة الكثير ممن هم على باب الله ـ وما أكثرهم ـ ممن لا يملكون ثمن أي نوع منها،،مشدوهين تشدهم إلى الأكباش رغبة "التبوريد عليها"، أعينهم مفتوحة بصيرة واياديهم مغلولة قصيرة، أجرتهم كسيحة لا تفي بمصاريف الأسرة في أيامها العادية قبل أن تبهدلها مصاريف المناسبات المتلاحقة العطلة الصيفية، الدخول المدرسي، و شهر رمصان المعظم، وعيد الأظحى. وفي خضم هذا التيه واللاملاذ، وهذه الحياة المكتظة بشبقية الهواجس الاستهلاكية الطارئة، يرتب الإنسان المغربي بطل المعارك المأساوية المنذور للاطمأنينة، إحباطاته الكثيرة حاملا رايات اليأس والمآسي والقلق، باحثا عن الكبش الأقرن، مستسلما لشركات الكريدي المتخصصة في تلقف بؤس "الغلابة" بأذرع مفتوحة ـ على الآخرـ لتقدم العطايا الحاتمية، والهدايا التكريمية الصخية اللامحدودة، من أنواع السلفات المغرية والمقرونة بالعطايا والإكراميات، سلفات مرة " مضوبلة " ومرة أخرى "مثلثة" أي ثلاثة في واحد.

الخطر كل الخطر حين يفعل هذا الكرم الحاتمي فعله لا في الأفراد والأسر فحسب، بل حين يتعدى ثأتيره إلى الغالبية العظمى من المواطنين ويعتقد ساعتها الجميع أن " الكريدي " هو الحل الأوحد لكل المشاكل الاقتصادية التي تعترض مسار حياتهم، ويبقى الخطر الأكبر حين يستسلم الجميع لإغراءات شركات القروض ومغرياتها، فتندفع الجماعات لممارستها كحق ومكتسب، و لا تستفيف مما تلبسها إلا بعد أن يكون الطوق قد أحكم قبضته، ووقعت الفأس في الرأس" كما يقول المثل و أصبح المقترض رهينة متطلبات المقرضين وشروطهم، راضخا لقواعدهم أسيرا لبرمجاتهم، فإذا تعثرت خطوات الدفق مرة، أو تأخر التسديد عن موعده مدة، ولم يبق أمام المقترض إلا الأداء ( أومنيـــــن ؟؟أي هيهيات؟؟) أو السجن، فهذه الشركات ـ لطيبوبتها ـ تقترح جدولة تلك الديون، أي تسديد الديون المترتبة بديون أخرى جديدة تغرق المقرَض إلى (شوشته كما المصريون)، في كابوس جديد ينظاف إلى جملة الكوابيس المحاصرة لأفقه المزدحم بالاحباط والألم والمعاناة الدائمة، فلا يسع هذا الكائن اليائس حينها إلا أن ينشد مع قيس بن ذريح أبياته :

 

أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ........ويجمعني والهم بالليل جامــع

حتى إذا قضى العيد أنشد مع المعتمد بن عباد :

بالأمس كنت بالأعياد مسرورا .......فجاءك العيد وانت ب"الكريدي " مأسورا

مع التصرف والإعتذار للمعتمد .

 

حميد طولست

[email protected]

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1571 الثلاثاء 09 /11 /2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم