أقلام حرة

من أين انطلقت "ثورة الجياع" الإيرانية؟

الحقيقة أن الساسة الغربيون لا يفوتون فرصة لإثبات ذلك. فترتفع اليوم حساسية تلك المقاييس إلى درجات أفلاطونية في الدفاع عن حرية التظاهر وضرورة عدم المساس بالمتظاهرين، وكانت حساسية ميزانهم قد انخفضت بشكل كبير في مذبحة غزة، كعادتها في كل مجابهة بين هذا الميزان وبين إرادة إسرائيل.

 

لم يستدع الأمر خبيراً في الصحافة ليكتب عن ذلك، فأوردت واحدة من القارئات تساؤلاً عن تصريح أوباما وغيره بأن "الإيرانيين أحرار في اختيار رئيسهم" وبين مقاطعة هؤلاء للفلسطينيين عندما اختاروا حكومة لاتعجب الغربيين. ويسأل كاتب أمريكي الرئيس أوباما الذي كان يدعو السلطات الإيرانية بعدم التعرض للمتظاهرين، إن كان هو سيسمح بمتظاهرين يعيثون فساداً في واشنطن دون أن يمسهم! وتساءل عرب لماذا لم يحس أحد بتأثر هذا الضمير الغربي لما يقوم به الحكام الدكتاتوريين المدعومين من الغرب في بلادهم من انتهاكات أبعد كثيراً من إنتهاكات الديمقراطية الناقصة في إيران. إلا أن قمة الطرافة هي عندما يتحدث باراك عن ضرورة هزيمة "التطرف"!

 

ومن الملاحظات الظريفة التي كشفتها الأحداث أن أوباما تجنب دعم المتظاهرين بشكل واضح، قائلاً أنه لا يريد أن تستغل السلطة هذا الدعم بالضد من المتظاهرين، وهو قول له دلائله العميقة عن رأي الإيرانيين بالتدخل الأمريكي والسياسة الأمريكية رغم تمييزهم للشعب الأمريكي عنها، وهو يذكرنا بقول أحد السياسيين في العراق أن الكتل تريد أن توقع المعاهدة لكن الجميع يخشى ردة فعل الشعب الإنتخابية!

 

لكن الحذر الأمريكي لم شمل الجميع فصرح كيسنجر أنه يجب اللجوء إلى "تغيير النظام" في حالة فشل الإحتجاجات في إحداث الثغيير (1) ولم يكتف باراك بعدم استبعاد الخيار العسكري بل أكمل: "وننصح الاخرين بان يفعلوا مثلنا ونحن نعني ما نقول".

 

لكن الأمر لم يقف بالتأكيد في الغرب عند حدود التصريحات العنيفة وتحريض المتظاهرين ولا وقف عند حدود الوصاية والتهديدات الإرهابية، بل كان هناك دعم إعلامي وتنظيمي كثيف للمحتجين على النتائج، قبل تواجد أي دليل على ادعاءاتهم بأن نجاد قد فاز بالتزوير وأنه لايمثل الأغلبية الإيرانية.

 

ينقل إلينا فهمي هويدي في مقالة له في "الخليج" أن محطة الإذاعة البريطانية أعلنت أنها استخدمت قمرين صناعيين إضافيين لتقوية إرسالها الموجه باللغة الفارسية إلى إيران. وطلب من شركة جوجل إيرث أن تعمم على أنحاء الكرة الأرضية صور مظاهرات طهران التي تلتقطها الأقمار الصناعية. كما طلب من محرك بحث جوجل أن يوفر على الإنترنت ترجمة النصوص من الفارسية إلى الإنجليزية، لنقل آراء الإيرانيين الغاضبين إلى العالم الخارجي. وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الخارجية الأمريكية وجهت رسالة إلكترونية إلى الشبكة الاجتماعية “تويتر” أن تؤجل خطط الصيانة المقررة لها، حتى لا تتوقف لحظة عن تمكين الإيرانيين من تبادل المعلومات سواء فيما بينهم، أو بينهم وبين العالم الخارجي، رداً على قرار الحكومة الإيرانية وقف خدمة رسائل الهاتف النقال.

  ويلاحظ هويدي أنه "من المذهل أن يجد المرء بعض وسائل الإعلام العربية وقد تبنت ذات المواقف الغربية و”الإسرائيلية”، من دون أن تطرح المصالح العربية العليا في الحسبان. وهي كارثة مضاعفة، من ناحية لأنها تعني أنه لا توجد لدى الدول العربية استراتيجية واضحة تحدد مصالحها، ومن ناحية ثانية لأن الإعلام العربي يسهم بطريقة غبية وغير قابلة للتصديق في تحقيق الطموحات الغربية و”الإسرائيلية”.

"ربما كشفت أحداث طهران عن ثغرات عدة في النظام الإيراني. وفي الوقت ذاته فإنها فضحتنا حتى رأينا أنفسنا في وضع سياسي مخلٍ للغاية."

 

أشارك السيد هويدي شعوره، فمن النادر أن تجد بين سيول المقالات التي تأخذ نفس الموقف الأمريكي الإسرائيلي من الأحداث، ولأسباب مختلفة، أن تجد بينها تحليلاً متأنياً مدققاً فيما يقال وما يكتب، وكأن مثقفوا الأمة قرروا المساهمة في التظليل عليها!

 

لم يمض بعد زمن طويل على المؤامرة الغربية على فنزويلا، وعلى إطلاق النار من السطوح على التظاهرات لإثارة الشغب، فكيف مسحت تلك الأحداث من ذاكرة كتابنا، فلم يلحظوا الشبه أو يشككوا في الدوافع؟ لحسن الحظ أن هناك من لاحظ مثل ذلك في مكان آخر، وأشار إلى التشابه بين ما حدث في إيران وأسلوب السي آي أيه في إثارة القلاقل في دول أخرى مثلما حدث في فنزويلا. فهنا أيضاً  كانت ردود الفعل والتهديدات سريعة بشكل غير طبيعي ودون إعطاء الحكومة أية فرصة لمعالجة الأمر واتباع الشكاوى بطريقة قانونية سليمة، وحينها قرر السياسيون الأوروبيون التشكيك بالإنتخابات قبل انتظار نتائج التحقيقات وانطلقت التظاهرات بعد دعوات من مصادر مثل موقع ألـ فيس بوك. وكانت هناك تقارير سريعة عن إطلاق نار في 15 حزيران بعد أن استولى المتظاهرون على بناية للحرس الحكومي ولم يكن واضحاً من الذي أطلق النار، وهو مايذكر بإطلاق النار الذي نظمته السي آي أي في فنزويلا من أسطح البنايات على المتظاهرين. (2)

 

إبتدأت ثورة "الجماهير الجائعة للخبز" حسب وصف أحد الكتاب المتحمسين لكل ما هو أمريكي بلا استثناء، إبتدأت بالإنترنت! لم تكتف تلك "الجياع" بتأمين الوصول إلى بعضها بواسطة التويتر الذي لا يعرفه أكثر مستعملي الإنترنت من البرجوازيين ومن درسوا الحاسبات منا أيضاً. بل استخدمته هذه "البروليتاريا الرثة" بكثافة غير معتادة لتنظيم تظاهراتها رغم محاولة المنع الحكومي، و كان لها من السيطرة على تقنيات الحاسبات والإتصالات ما مكنها من مهاجمة المواقع الحكومية وتعطيل بعضها مثل موقع وكالة الأنباء الإيرانية، لفترات امتدت حتى ساعة كتابة هذه الكلمات!

 

إنها لظاهرة جديدة في عالم الجوع، وهي تستحق بلا شك فحصاً متمعناً. وبالفعل قام أحد المتمرسين بالحاسبات بالبحث عن مصدر الرسائل الإلكترونية التي نظمت تلك "البروليتاريا" الرثة، فاكتشف ما أذهله...أتركه يتحدث لكم:

"تساءلت إن كان من يكتب تلك الرسائل من الإيرانيين فعلاً، أم أنها من عمل أجهزة الدعاية؟ وبالفعل تمكنت من حصر وضعوا حوالي 30 الف رسالة إنترنيت (تويتر) خلال الأيام القليلة الماضية، وكانت هناك تشابهات مثيرة للإنتباه منها:

1-   أن كل منهم أنشأ حساباً في التويتر يوم السبت 13 حزيران

2-   شارك كل منهم بعدد هائل من الرسائل منذ أن بدأ حسابه

3-   كانت الكلمة المفتاحية المستعملة بكثرة "الإنتخابات الإيرانية".

4-   باستثناءات قليلة كان الجميع يكتب بالإنكليزية

5-   نصفهم استعمل نفس الصورة الرمزية

6-   كل منهم كان له آلاف الأتباع مع عدد قليل من الأصدقاء، وكان معظم هؤلاء الأصدقاء مشتركين بين الجميع.

ومن خلال البحث في الكوكل وجدت أن ثلثي الرسائل جاءت من "جيروزاليم بوست" (صحيفة إسرائيلية يمينية )  ونشرت تلك الصحيفة مقالة عن ثلاثة أشخاص انظموا إلى الشبكة قبل ساعات وحصلوا على ألاف الأتباع، وتساءلت: "لماذا تنشر مؤسسة إخبارية قصة عن ثلاثة أشخاص انظموا تواً إلى تويتر؟ هل يستحق ذلك النشر؟ وكانت جيروزاليم بوست هي الوحيدة حسب علمي التي نشرت تلك القصة."

ويضيف الكاتب: "بالطبع أن موسوي لعب دوراً هاماً في إثارة الإضطرابات، فمتى كان المرشح يعلن نفسه فائزاً قبل أن تحسب أية أصوات؟ ثم حين يواجه بحقيقة خسارته يقول بأن عملية الإنتخابات كلها مزورة؟

"لقد بدأ هؤلاء التويترز بالصراخ حتى قبل أن يتم عد الأصوات، تماماً كما فعل موسوي". (3)

 

نشكر هذا الرجل الذي بين أن "ثورة الجياع" للخبز والحرية في إيران، إنطلقت من مكاتب صحيفة اليمين الإسرائيلي العنصري: جيروزاليم بوست!

..................

 (1) كيسنجر يدعو لتغيير النظام في حالة فشل المحتجين بذلك

http://informationclearinghouse.info/article22892.htm

(2) الشبه مع فنزويلا: فيديو

http://www.youtube.com/watch?v=1G5eExjpfKo

(3) الثورة بدأت في جيروزاليم بوست!

http://www.chartingstocks.net/2009/06/proof-israeli-effort-to-destabilize-iran-via-twitter/

خارطة نتائج الإنتخابات حسب المحافظات

http://www.fivethirtyeight.com/2009/06/iranian-election-results-by-province.html

 

في المثقف اليوم