أقلام حرة

إنتخابات إيران 3- تحليل مفصل لإعتراضات موسوي

أنها أقلية حصلت على تركيز إعلامي أكبر مما حصل عليه مناوؤها المؤيدين لنجاد؟ هل أن ندا قتلت برصاص الشرطة أم قناص مجهول لسبب مجهول؟

 

ليس سراً أن أميركا وإسرائيل ترغب بشدة برؤية سقوط أحمدي نجاد (عدا دعايات مثيرة للضحك لتخليص موسوي من السمعة السيئة لمن توده إسرائيل مثل هذه المحاولة من شاكر النابلسي (1)  ) وهذا سبب كاف لمراجعة ما يصل إلينا من أخبار وفحص مدى دقتها وقوتها بغض النظر عن كمية تكرارها والمشاهد المؤثرة التي تقدم فيها. على الإنسان أن يدرك أنه يعيش في عالم معرفي ملوث بشكل هائل، وأن يلبس حذره المنطقي، لتصفية وترشيح ما يتنفسه من إعلام، كما يلبس الجندي قناع الوقاية عندما تتعرض وحدته لهجوم كيمياوي.

 

إذن لنحلل المعطيات بهدوء ونبحث عن الأدلة الدامغة أو القوية، ولنميز بين قوة الدليل وكثرة القائلين به، ولنجرؤ أن نقف مع ما يقوله صوت العقل البارد وليس المتأثر بكثرة التكرار، ولنتسلح بالشك حتى بما قد نتعاطف معه، بل وخصوصاً مع ما نتعاطف معه! ولنبدأ تساؤلنا بالمعترضين على الإنتخابات ونفحص جدية أعتراضاتهم وبراهينها. لننظر في أقول مير موسوي الذي خسر الإنتخابات التي يتهمها بالتزوير.

 

لقد وجدت رسائل موسوي التي تحتوي اعتراضاته على الإنترنت لكنها كانت للأسف بالإيرانية فقط، ويبدو أن النسخة الإنكليزية قد رفعت من الموقع المعروف بمناصرته التامة لموسوي، لمن يعرف الإيرانية، الوثائق هنا (2).

 

التحليل الوحيد الذي وجدته لإعتراضات الموسوي كان ما قدمه السيد كافه أفراسيابي (Kaveh L. Afrasiabi) وهو من المتخصصي بالعلوم السياسية (3) ، وكان قد عمل إلى جانب خاتمي في مشروع "حوار الحضارات"، والذي كتب مقالة حلل فيها النقاط التي جاءت في تلك الإعتراضات، إضافة إلى مشاركته في أكثر من مناظرة تلفزيونية عرض فيها وجهة نظره التي تتلخص بأن ما جاء في تلك الإعتراضات ضعيف إلى درجة كبيرة ولا توحي إطلاقاً بأن صاحبها لديه أدلة على ما يقول.

يقول " أفراسيابي" أن من الضروري "التمييز بين الإشاعات والأدلة الصلبة، وهناك الحاجة للكثير من الأدلة الصلبة لإلغاء إنتخابات وطنية كبرى". أقتطف لكم بعض ما قاله في مقالته (4):

 

"بالرغم من التعاطف الطبيعي مع الحركة الإصلاحية في إيران، كشخص عمل إلى جانب محمد خاتمي في "حوار الحضارات" أميل إلى صرف النظر عن ادعاءات السيد مير حسين موسوي لأنه لم يقدم أية أدلة."

 

في الساعة 11 صباحاً من يوم 12 حزيران، وبعد ساعة واحدة من إغلاق صناديق الإقتراع عقد السيد موسوي مؤتمراً وأعلن نفسه "الفائز المؤكد" وفقاً لـ "معلومات وردته من مختلف أنحاء البلاد". ولم يكن هناك أية جهة قد قامت بعد بأي إحصاء حينها، وكان فريق موسوي نفسه يشكو من قطع الحكومة للإتصالات، فكيف حصل على تلك المعلومات. علماً أن الأرقام التي كانت وزارة الداخلية تنشرها كل بضعة ساعات على موقعها على الإنترنيت كانت تشير إلى فوز أحمدي نجاد، وبنفس نسب إستبيانات الرأي قبل الإنتخابات التي قامت بها مؤسستين مقرهما في واشطن (5) ..

 

من الواضح ن الشكوى التي قدمها موسوي إلى مجلس صيانة الدستور كانت قليلة في محتوياتها المحددة وكثيرة في أعتمادها على ادعاءات حول أمور حدثت قبل الإنتخابات، وهو ما لا يتناسب مع ادعاءه الشديد الثقة بالفوز بالإنتخابات والتي قدمها في صفحتين:

 

"النقطة الأولى التي اعترض عليها لاعلاقة لها بعملية التصويت وتتعلق بالمناظرات التلفزيونية و عبارات أحمدي نجاد الخشنة حول بعض رؤوس النظام والتي اتهمهم فيها بالفساد والمحسوبية."

 

"النقطة الثانية: تتعلق أيضاً بالمناظرات، وفيها يتهم موسوي أحمدي نجاد بإهانة آية الله خميني وكذلك تعريض الأمن القومي للخطر بكشف بعض أسرار الدولة."

 

"النقطة الثالثة: يشتكي موسوي من أن بعض ممثلي موسوي ومرشحين آخرين لم يتم قبولهم من قبل وزارة الداخلية، ولم يتمكنوا بذلك من مراقبة التصويت. ومن الواضح أن هذا الإتهام لا يعني بالضرورة وقوع تزوير، كما أنه لم يشر إطلاقاً إلى الآلاف من "المراقبين المستقلين" والذين تم اختيارهم من قبل المرشحين وتم قبولهم من قبل وزارة الداخلية وكانوا متواجدين في مراكز التصويت في أنحاء البلاد المختلفة. ولو كان لدى موسوي شكاوي حقيقية لكان قدم قائمة بالمخالفات التي يفترض أن فريقه من المراقبين قدموها له، ورغم ذلك فقد خلا تقريره من حتى إشارة واحدة من هذا النوع."

 

"النقطة الرابعة: إشتكى موسوي أن وزراة الداخلية لم تحسب جميع الأصوات باليد وأعلنت النتائج بينما كانت بعض مراكز الإقتراع مازالت تعد الأصوات. وهذه نقطة هامة، لكن من الناحية الأخرى فأن بعض المراكز التي تم إعلان نتيجتها كانت في طهران، وكان موسوي قد حقق التفوق فيها، مما يستبعد احتمال التزوير، خاصة وأن الفارق بين الطرفين كان (أكبر كثيراً مما تبقى من الأصوات)، لا يقل عن عشرة ملايين صوت."

 

"النقطة الخامسة: إدعى موسوي أن مئات من مراكز التصويت كانت تشكو نقصاً في إستمارات التصويت وفي بعض الحالات كان هناك تأخير بمقدار عدة ساعات. وهذا أيضاً ليس دليلاً على تزوير, وليس غريباً في إنتخابات ذات نسبة مشاركة عالية بلغت 40 مليون ناخب. كذلك بالمقابل فأن العديد من المراكز مددت فترة التصويت لعدة ساعات بعد الوقت المخطط لنهاية عملية التصويت رسمياً للسماح للصفوف الطويلة من الناخبين للإدلاء بأصواتهم. وذكر موسوي أن بعض مناطق التصويت سجلت عدداً من المشاركين زاد عن عدد المسجلين فيها. ولا يذكر موسوي هنا أن بعض تلك المناطق كان هو الفائز فيها كما حدث في يزد. فهل يعني ذلك أن موسوي يجب أن يتهم بتزوير الإنتخابات فيها؟"

 

"النقطة السادسة: يقول موسوي: "إضافة إلى تلك الخروقات، كتبت في يوم التصويت 80 رسالة إلى السيد كادخوداي، المتحدث باسم مجلس الصيانة. ولعل السيد موسوي أراد إعطاء انطباع بأن لديه أدلة أخرى على التزوير لم يذكرها في النقاط السابقة، لكن النص لا يحتوي على أي شرح لمحتوى تلك الرسائل."

 

"النقطة السابعة: تقول: "السيد أحمدي نجاد حصل على وقت كثير مخصص له بشكل غير قانوني من قبل الراديو والتلفزيون الحكوميين،  وأشار إلى أنه يتوقع أعمالاً ضد الأمن، وأوحى بشكل ضمني بأنه سينتصر واتهم خصومه بالتآمر. وبالتالي فأن (بضعة وسائل إعلام) توقعت فوزه قبل بضعة ساعات من إنتهاء التصويت. "

 

"لكن الحقيقة هي أن موسوي هو الذي ادعى بأنه الفائز وبشكل مباشر وغير ضمني، بعد ساعة واحدة من إغلاق الصناديق، لكن مع ذلك فهذه النقطة هي الأخرى لا علاقة لها بما ينتظر أن يقدمه موسوي من براهين على حدوث التزوير في الإنتخابات. "

 

"النقطة الثامنة: يشكو موسوي هنا أن السيد أحمدي نجاد تجاوز القوانين التي تمنع التدخل السياسي للقوات المسلحة والميليشيات (البسيج). لكن موسوي متهم هو الآخر بنفس المخالفة، حيث كان في مراكزه الإنتخابية مراكز خاصة لتحريك البسيج! "

 

وفي النهاية يطالب الكاتب السيد موسوي باحترام رأي الأغلبية الذين أعادوا أنتخاب أحمدي نجاد بدلاً من الإستمرار بإدعاءاته ضعيفة الأساس، لمجرد أن الإنتخابات أفرزت الفائز "الخطأ" الذي لا يقف مع مصالح الغرب وإسرائيل.

 

ونلاحظ هنا مناظرة بين الدكتور "أفراسيوي" و الصحفية المعروفة "أمانبور" تبين إلى حد ما وجهتي النظر في الموضوع، مع ملاحظة أن هناك شخصين من جانب تأييد التظاهرات واتهامات التزوير مقابل شخص واحد معترض على صحتها، كما أن نسبة الوقت المعطى لكل من الشخصين في جانب موسوي يزيد عن الوقت الكامل المعطى لـ "أفراسيوي" (6). وهناك مناظرة تلفزيونية أخرى كان التوزيع في الوقت والعدد فيها أكثر عدلاً (7).

وأخيراً هذه مقابلة أخرى للدكتور أفراسيوي، يكرر فيها أراءه التي جاءت في المقابلات الأخرى. (8)

ومن أهم ما ذكره أفراسيوي" في المقابلات التلفزيونية أن تفسير فوز أحمدي نجاد يعود جزئياً إلى حقيقة نشاط الرجل الذي قام بزيارة جميع المحافظات، على العكس من موسوي الذي أكتفى ببضعة مدن كبيرة. وذكّر أن السيد موسوي كان قد قال بنفسه في أنتخابات 1986 بأنه مندهش بأن البعض قد قال عن تلك الإنتخابات بأنها مزورة, وتساءل كيف يمكن الغش مع كل هذا العدد من المراقبين؟

 

من كل هذا يبدو لي أن الشكوك بنتائج الإنتخابات غير مبررة بشكل كاف لإثارة كل تلك الضجة، ولم يكن هناك أي شيء غريب في نتائج الإنتخابات، بل أن أي شيء آخر كان سيكون غريباً، فهي قريبة جداً من نتائج استبيان الرأي الذي أقامته مؤسسة أمريكية (5) مقرها في واشنطن ويجلس في مجلس إدارتها العديد من المحافظين الجدد المعادين لإيران مثل المرشح السابق للرئاسة جون ماكين. كما أن نتائج هذا العام متناسبة تماماً مع النتائج التي حصل عليها أحمدي نجاد عام 2005 ضد نفس فريق من نفس الإتجاه الأقرب إلى "الليبرالي" ، حيث حصل على نسبة 61.69%.

 

من كل هذا، يحق لنا أن نتساءل: هل يثور الغرب وإعلامه ضد أحمدي نجاد من أجل الديمقراطية في إيران أم من أجل إسقاطها ثانية كما فعلوا قبل نصف قرن مع مصدق؟

 

 

(1)  شاكر النابلسي: لماذا رحَّبت وفرحت إسرائيل بنجاح نجاد ؟

     www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=176177

(2) http://www.flickr.com/photos/mousavi1388/sets/72157619594948019/comments/

(3)  http://www.campaigniran.org/casmii/?q=afrasiabi

(4)  http://www.middle-east-online.com/english/opinion/?id=32888

(5)  الإنتخابات الإيرانية (1) تزوير التزوير

      http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/index.htm

(6)   رأي مخالف من أمانبور في سي إن إن، (لا حظ كمية الوقت التي تعطى لكل من الجهتين)

http://www.allthingscnn.com/2009/06/who-runs-iran.html

(7)  مناظرة تلفزيونية بين دكتور "أفراسيوي" والدكتورة "أفاري" المؤيدة لجانب موسوي

 http://pulsemedia.org/2009/06/19/a-voice-of-reason-riz-khan-interviews-2-iranian-scholars/

(8)  http://mrzine.monthlyreview.org/afrasiabi170609.html

(9)  مقالة أخرى للكاتب حول الموضوع: من أين انطلقت "ثورة الجياع" الإيرانية؟

     http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/24iran.htm

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1091  السبت 27/06/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم