أقلام حرة

بمناسبة انعقاد مؤتمر شرم الشيخ: العراق الجديد وحركة عدم الانحياز

منطقته وشعوبها الأمن والسلام، بعيداً عن الانحياز إلى الشرق أو الغرب وصراعات مصالحهما.

 وهكذا انعقد مؤتمر (باندونج) للدول الآسيوية والإفريقية، وكان (ولادة جديدة) لها تأثير واضح وطبيعي على سياسة الدول التي حضرت المؤتمر ووقعت على بيانه الختامي، وتأثير أكبر ساعد على ظهور تيار ضخم أحدث ضجة عالمية كبيرة، وأفرز رجالاً أمثال عبد الناصر، وتيتو، وقد سمي هذا التيار فيما بعد حركة عدم الانحياز .

 وللأمانة نقول بأن هذا التجمع : كان قوة تشمل قارتين غنيتين بالثروات المعدنية والطبيعية والبشرية، مما جعلته يؤثر بعض الشئ في القرار السياسي العالمي، وبصراحة أكثر وبدون مجاملات نؤكد هنا على : أن دول عدم الانحياز رغم قوتها الذاتية، فإنها ظلت عاجزة عن مواكبة التخطيط التنموي السليم، ولم توفق في وضع خطط اقتصادية مستقلة تكون بمثابة قاعدة وحجر أساس تستند عليه الحركة في مشاريعها، حتى على المجال السياسي، هنالك أخطاء قاتلة، فالجو السائد يوحي،آنذاك،بأن أكثر دول الحركة كانت تدور ضمن فلك المعسكر الشيوعي، وهذا تناقض خطير بين ما وقعت عليه في مؤتمر باندونج بالحياد وبين ممارساتها الدولية الفعلية، ومنهم من يقول : إن الأوضاع وتشابك (المعادلات الدولية)، وتمركز مصادر القوة والسلاح في المعسكرين الاشتراكي، والرأسمالي، إضافة إلى ظروف الحرب الباردة أدت بصورة طبيعية إلى انحياز دول العالم الثالث إلى هذا الطرف أو ذاك،أقطاب النظام القديم، من اجل الحصول على مكاسب إقليمية ومنافع آنية لابد منها .

 فالعرب مثلاً اتجهوا صوب موسكو لتمويلهم بصفقات الأسلحة في الحرب مع إ إسرائيل حليفة واشنطن، وهكذا فعلت بقية الدول باتجاهها إلى الطرف الدولي حسب ما تمليه عليها مصالحها، لكني رغم اعتقادي بموضوعية مثل هذا التحليل،ننبه إلى حقيقة غائبة نحاول أن نتناساها دائماً وهي: أن (المعادلات الدولية) في عصر الحرب الباردة كانت إفرازا (لنظام عالمي) تمخضت عنه معطيات التوازن بين المعسكرين الغربي والشرقي، وأول أهداف التوازن المذكور : حماية مصالح الدول الكبرى.

 موسكو مثلاً ساعدت دولاً عديدة لا من أجل سواد عيونها، بل لأن من وراء هذه المساعدة مصلحة إستراتيجية لموسكو ذاتها وكذلك فعلت واشنطن .

 ولكي نفهم أكثر ووفق معايير خبراء العلاقات الدولية ستظهر أمامنا مصاديق مرعبة تبرهن بواقعية أن دول العالم الثالث :

 - لم تفهم ما يجري دولياً بصورة دقيقة .

 - ولم توظف (المعادلات الدولية) لصالحها، دون الدخول فيها كأطراف، لكسب منافع كبرى .

 يجب أن لا يتبادر إلى الذهن بأني أدعو إلى الاعتماد على الأطراف الدولية الكبرى لحل أزماتنا،ومشاكلنا، والانتقال من مرحلة التخلف إلى مرحلة أخرى متقدمة، الذي أريد أن أقوله وبكلمات موجزة : هو ضرورة بذل جهد إضافي ونوعي لفهم ما يجري حولنا، والتعامل معه بعلمية وموضوعية، للوصول إلى نتائج إيجابية تخدم القضايا الوطنية والإقليمية على السواء، ودول العالم الثالث وبضمنه العراق لم تتعامل بمثل هذا التصور التحليلي ففقدت الكثير، رغم مشروعية قضاياها، وعدالة مطاليبها، بعضها أعتمد على موسكو، والبعض الآخر اعتمد على واشنطن بصورة تدعو إلى الشفقة، دون أن تتلمس (طريقاً خاصاً) تعتمد فيه ذاتياً على نفسها وثرواتها، البشرية والطبيعية،وتضع خططاً تنموية مدروسة وفق دراسات خاصة بمجتمعاتها لتحديث بناها التحتية الأساسية، فظلت أ سيرة هذا الطرف الدولي الكبير أو ذاك، يملي شروطه الجائرة عليها (دون نقاش)، لأنها أصبحت دون وعي وإدراك طرفاً في لعبة التوازنات الدولية، وكانت ضحية النظام القديم بكل معنى الكلمة .

 ونتساءل أين موقع دول العالم الثالث وبضمنها العراق إذاً في النظام الدولي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الاميركية ؟ وما هو دورها الجديد بحركة عدم الانحياز؟ الحق يقال:

 - أنها لم تتعلم الدرس جيداً .

 - ولم تفهم قوانين التاريخ ومعطياته للخروج من أزماتها الحادة، وأقول أزماتها وليس مشكلاتها لأن الأخيرة لا حصر لها ولاعدد، ولذا ستبقى أسيرة الأقطاب الدوليين المؤثرين في العلاقات الدولية، وهذه حقيقة مرة لا بد من تجاوزها .

 فبعد التحولات الجديدة، وهبوب رياح التغيير، وسقوط المعسكر الاشتراكي، وزوال الإتحاد السوفيتي، وظهور معالم نظام دولي جديد، لم يلاحظ أحد أن دول العالم الثالث أدركت خطورة الموقف وتصرفت بشئ من الحكمة، رغم معرفتها بأنها هي الضحية في النظام الدولي الجديد، لم تتحرك، وترتب أوضاعها،وتثبت مواقعها مثلما يفعل الكثيرون لإثبات وجودهم ووزنهم الدولي.

إن السياسيين العراقيين مطالبون بوضع سياسة خارجية جديدة تعتمد على معطيات العلاقات الدولية لتحصيل مصالح العراق في النظام الدولي الحالي، وفق رؤية محلية عراقية أصيلة تستلهم معطيات افرازات المجتمع العراقي، ولا تقلد تجارب الآخرين بصورة تفتقر للإبداع والخصوصية.

الدكتور قاسم خضير عباس

متخصص بالقانون الجنائي والعلاقات الدولية

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1109  الاربعاء 15/07/2009)

 

 

في المثقف اليوم