أقلام حرة

لعبة المصالح الدولية في العراق

 نبوءة مجنون !! لأن الظروف، والواقع السياسي، وقتذاك لا يشجع على تصديق مثل هذه الأحلام البعيدة.

 لكني اعتقد أن (الكسيس) لم يقل ذلك من فراغ،وهو العارف بتقلبات التأريخ وقوانينه، بل ربط آرائه بأهمية إدراك الأثر الجغرافي في صنع حضارة الأمم، وموقع أمريكا وروسيا الجغرافي يغري الرجل، ويغري غيره، بأن يقول أكثر من ذلك.

ومع هذا فأن نبوءته لم تكن تصدق لولا قيام معاهدة ( يالطة)، المنتجع الروسي الخلاب، حيث إجتمع روزفلت، وستالين، وتشرشل، وأتفقوا على تقسيم مناطق النفوذ في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ولذا قسَمت الخريطة السياسية بين موسكو وواشنطن، فحصل الإتحاد السوفيتي السابق على نفوذ كامل في شرق أوروبا،وحصلت الولايات المتحدة الأمريكية على نفوذ كامل في غرب أوروبا .

ووجدت بعض الدول نفسها حسب النظام الجديد مقسمة الى (نسب مئوية) !! دون أي إعتبار لرغباتها ورغبات شعوبها وتطلعاتهم، فيوغسلافيا كان النفوذ فيها بنسبة 75 في المائة للإتحاد السوفيتي، و25 في المائة للولايات المتحدة الأمريكية. أما اليونان فكان التقسيم فيها مناصفة بين الطرفين !!

ثم إلتقى( قادة الأحلاف ) المنتصرة على هتلر للمرة الثانية ووقعوا إتفاقية (بوتسدام) لتقسيم ألمانيا الى شرق يتبع موسكو،وغرب مع وا شنطن !! وبقيام الأحلاف العسكرية كحلف (وارسو) وحلف (الأطلنطي) كان العالم على حافة الهاوية من جديد، بسبب التناقضات المذهبية للمعسكرين. ولكن معرفة الأطراف التامة بخطورة (المواجهة المباشرة) بينهم جعلتهم يتبعون سياسة الإستقطاب .

فموسكو ساندت حركات التحرر، وأيدت حكومات ثورية عديدة،وساعدتها على تخطي أزماتها الإقتصادية ؛ وقد إ ستفادت أيضا من هذه الدول الفتية التي وقفت بوجه المعسكر الرأسمالي وأفكاره المرتكزةعلى أ سس السوق الحر.

وواشنطن مدت يد العون لحكومات تقليدية،وأنظمة حكم (عسكرية ومدنية) لوقوف الأخيرة بوجه (المد الشيوعي) وبوجه الخطر المتمثل (بالإشتراكية الماركسية) ومتبنياتها بشأن القطاع العام ومؤسساته.

وهكذا أوصلت بعض بؤر التوترالدولي الى حروب محلية أو إقليمية محدودة فضَل الطرفان أن يتقاتلا بالواسطة، وأن يجربا كفاءة سلاحهما دون أن يتورطا فيها مباشرة. لأن (المصالح الإستراتيجية) تقتضي مناورة المستفيدين بدون مجابهة حقيقية .

بلحاظ أن (عنصر المصلحة) بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي كان سمة من سمات (عصر التوازن الدولي) السابق الى جانب سباق التسلح.

وندرك هذا بوضوح بعد ظهور الأسلحة النووية وبدأ مرحلة (الرعب النووي) التي من معالمها ظهور فترة (الحرب الباردة)، وهي بلا شك نتيجة منطقية لتوازن قوى مرتبطة بتوازن مصالح عالمية، فإذا ماتعرضت هذه المصالح للخطر فسيكون من السهل التخلي عن أقرب الأصدقاء،وهذا ماحدث أبان ثورة تموز 1958 بقيادة الزعيم رئيس الفقراء عبد الكريم قاسم

 فلوجود صراع خفي بين أمريكا وبريطانيا بشأن العراق، ولأسباب أخرى متعلقة بمصالح واشنطن وخوفها من موسكو، لم يُمد يد العون لإنقاذ (الملك فيصل) الذي يعتبر أقرب أصدقاء بريطانيا وأمريكا .

  ففي يوم ثورة تموز كان مقرراً عقد إجتماع (لحلف بغداد) في أنقرة يحضره(الملك فيصل الثاني والأمير

عبد الإله ونوري السعيد)،إلا ان انقرة سمعت أنباء الثورة في نفس اليوم حيث قتل الملك وولي عهده،والتأم

مجلس حلف بغداد) برئاسة (جلال بايار) رئيس الحكومة التركية، وحضور(شاه إيران)، و(إسكندر مرزا) رئيس

جمهورية الباكستان، و(سلوين لويد) وزير خارجية بريطانيا، وحضر(جون فوستر دالاس) كموفد أميركي بصفة

مراقب.

وبعد مداولة شؤون العراق أعلن (شاه إيران) تضامناً مع الرئيس التركي إرسال قوات برية وجوية لإسقاط

حكومة الثوار في بغداد؛غير ان (سلوين لويد) و(جون دالاس) تذاكرا فيما بينهما فقال (دالاس) :

-(إذا قررتم إرسال قوات الى العراق فلا تعتمدوا علينا خشية إثارة السوفيت) .

وهذا التصرف كما قلنا سابقاً نتيجة لإفرازات (معادلة التوازنات) المرتبطة بتوازن المصالح.

 

الدكتور قاسم خضير عباس

خبير قانوني متخصص بالقانون الجنائي والعلاقات الدولية

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1125  الجمعة 31/07/2009)

في المثقف اليوم