أقلام حرة

وظلم ذوي القربى / حميد طولست

بعض وسائل إعلام بعض الدول المعادية لوحدة المغرب على الخط وتدخلها السافر واللامشروع في الشؤون الداخلية للمملكة المغربية، والذي هو في حقيقته ضرب من ضروب الحرب بوسائل غير عسكرية ضد المصالح العليا للمغربية -وخاصة منها الإعلام الإسباني- الذي يهدف لإضعاف موقف المغرب في المفاوضات غير الرسمية مع ممثلي البوليساريو ، والتشويش على مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب انسجاما رغبته في إيجاد مخرج مشرف لأطراف النزاع والمحافظة على ماء الوجه بعيدا عن منطق الغالب والمغلوب.

 لم يكن لجوء الإعلام الاسباني للمغالطات والمزايدات وفبركة الصور وتزوير الحقائق، والذي ضرب في الصميم أخلاقيات مهنة الصحافة، لتقديم التدخل المغربي لتفكيك المخيم على أنه إبادة، أكثر استفزازا وغرائبية من سعى قناة الجزيرة القطرية لتشويه صورة المغرب بشتى الأشكال ضدا على ما تدعيه من شعار – الرأي والرأي الآخر–الذي لا ينسجم وحقيقة توجهها الانحيازي الذي لا يعرف الحياد والموضوعية المفروضة في مثل هذه المواقف التي يتبناها بعض إخواننا العرب والمسلمين إزاء قضايانا الوطنية العادلة، وهم بين لاه و لامبال بأحوالنا ومعاناتنا، وصامت متفرج على محننا. لا يحركون ساكنا، وكأننا لا نمت لهم بصلة الإسلام والمصير المشترك. حيث -ومنذ فترة طويلة- التزم الشارع السياسي العربي الصمت لسبب أو لآخر.. فلا أحد من العرب والمسلمين، إلا القليل، رفع يوما صوته منددا بما يقع في تندوف من تجاوزات وجرائم وفضاعات يندى لها جبين الإنسانية وآخرها ما تم التعاقد عليه بين منظمة تابعة للبوليزاريو وأعضاء 'كنيسة صخرة المسيح' في ولاية ويسكونسن،(جريدة الجزائر تايمز) للسماح لها بنشاط تنصيري كامل، يتخذ من تعليم اللغات غير البريئة مطية للوصول إلى الأهداف التنصيرية، -مقابل ما تمنحه للبوليزاريو من دعم مادي ومعنوي. فتبعث سنويا بالمئات من أطفال المخيمات للكنائس الغربية، كما كشف ذلك جانيت لينز، راعي كنيسة صخرة المسيح بالولايات المتحدة الأمريكية، في حديث له أمام اللجنة الرابعة بالأمم المتحدة، الخاصة بالمسائل السياسية وتصفية الاستعمار أن كنيسته تستقبل حوالي 200 طفل صحراوي، تتراوح أعمارهم ما بين 10 و14 سنة،

ومع كل هذا وذاك، لم تكلف دول العُرب والإسلام نفسها عناء التضامن كلما انتهكت حرمات هذا البلد بينما نجد أن مجموع التحركات التضامنية مع قضية الصحراء المغربية في العواصم والبلدان غير العربية تفوق في عددها وتأثيرها نظيرتها في الأقطار العربية والتي ظلت كلها إما مشرذمة ليس بين أقطارها أي تنسيق، أو أنها هبة عاطفية اندفاعية لحظية لم يترتب عليها أية نتائج . وفي أحيان كثيرة كانت تمنع  قبل حدوثها، أو تقمع في بدايتها. 

لم نرى حينها ولا بعده، وللأسف، من البلاد العربية والإسلامية، اهتماما لمعاناة المغرب، رغم أن حجم المشترك بينها لا مثيل له، ولم يتداعى لمصابه أحد من الأشقاء-كما يدعون- بالسهر والحمى، لا حين طرد بعض جنوده من على "جزيرة ليلى" أرضه التي يشهد التاريخ والمواثيق بأنها ملكه، ولا حين طوح اسبانيا بعلمه الوطني من فوق صخورها في خرق سافر لكل المواثيق الدولية.. ولا عندما عقدت جبهة المرتزقة مؤتمرا في المنطقة العازلة بكل وقاحة وصلف. كما لم يستنكر أحدهم زيارة ملك اسبانيا للمدينتين المغربيتين المحتلتين سبة ومليلية وإعلانه منهما ما أراد إعلانه للعالم.

لم يحرك كالبارحة أحد ساكنا،ولن يفعل احد ذلك أمام تحامل الإعلام الاسباني وتزويره لحقائق أحداث العيون وركوبه عليها سياسيا وانتخابيا، وكأننا لسنا في عداد المؤمنين الذين تحدث عنهم سيد الخلق قائلا (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) أليس المغرب عضوا في كتلة ذاك الجسد الإسلامي، يشتكي ويبكي ويقاوم الظلم والجور والاستبداد حتى بحت الأصوات. ليس الألم في ما يكابده من استعمار لأجزاء عزيزة منه "سبة ومليلية و جزر الكنارى، بل الألم كل الألم في ظلم ذوي القربى والإخوة في الله.. الذين لا يرون أن الصحراء المغربية عضو في جسد هذه الأمة يرتجف من قهر وتعسف لا يراد له انجلاء.. فلا يتداعى لمعاناته الجسد العربي والإسلامي، لا بالسهر ولا بالحمى ولا حتى بالاهتمام والإنصات لشكواه، وكان من المفترض أن يحظى بمساحة شاسعة من المشاركة العربية بصورة أو بأخرى. إلا أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث.

فهذه الحدود البرية لا تزال مغلقة بين البلدين الشقيقين المغرب و الجزائر ومند 15 سنة ولا شيء ينبئ بقرب فتحها، لا غدا ولا بعد غد، ومع ذلك لا نجد من بين قادة العرب الكبار وشعوبها من يخرج عن صمته ليقول كلمة حق ويحاول رأب الصدع بين الجارين الشقيقين. وكأن العرب والمسلمين نسوا أو تناسوا أن هناك أجزء من هذا العالم الذي يطلق علية "إسلامي" تعاني هي الأخرى من مشاكل مفتعلة  تدمي القلب ولا تحتاج منهم إلا مبادرة التدخل لإصلاح ذات البين بين مكوناتها.

وكما قال الكاتب والصحافي الجزائري خضير بوقايلة، "بأن السعي لإيقاف نزيف الحرب بين الأشقاء في فلسطين إنجاز عظيم ومطلوب، والسعي لإنقاذ سورية من أخطبوط الملالي واجب قومي لمن يزال يؤمن بذلك، ثم إنقاذ لبنان من القبضة السورية شيء جميل. لكن هناك أيضا خطوات أخرى كثيرة وضرورية على علية القوم أن يبادروا بها قبل أن يعلنوا ويفرحوا ويرقصوا على أنغام المصالحة العربية. 

وحين ينكب المغاربة ملكا وشعبا على شؤون بلادهم في سباق مع الزمان لإصلاح وبناء وتشييد بلد بلا فقر ولا بطالة ولا جهل ولا مرض... حين يحدث هذا يسمح بعض صحفيي الإسبان لأنفسهم –وفي تواطؤ مكشوف مع الجزائر ومرتزقتها-ويعملوا على التشويش على مسيرة التنمية التي تعرفها البلاد.  

 

مؤلم جدا، أن نجد أنفسنا قد هدرنا جهودنا في المسيرات والتظاهرات والوقفات الاحتجاجية والمؤتمرات والتصريحات والمد والمدد من أجل مساعدة إخوة عرب، لا ينتبهون لنا وكأننا أغراب عنهم. بل منهم من دفع به الاستهتار والجهل -لا التجاهل- إلى أن يتواطأ ضد وحدتنا وسلامتنا بسلوكه الجاهلي المتنافى مع قيم الأخوة والجوار والإنسانية، الذي حاربه الإسلام ونهى عنه، والذي لا يسع الوطني المحب لبلاده إلا أن يصرخ في وجوه المتواطئين بقولة عمر بن كلثوم:

 ألا لا يجهلن أحد علينا          فنجهل فوق جهل الجاهلين".

 

وختاما تعالوا إلى كلمة سواء بيننا نبتعد بها عن القُطْرية الضيقة التي تدفع للتمترس خلف الأوهام الصغيرة، وتجعل الأشقاء يخوضون في ما لا يجب الخوض فيه، إن همومنا وقضايانا وطموحاتنا أكبر من ذلك، فلنعمل على الدفع بها وتجاوز الصغائر عاش المغرب أبيا أصيلا في صحرائه الحرة..

 

حميد طولست

 

................................

أعلنت الرابطة المغربية للصحافة الإلكترونية أسبوع حداد على صدر صفحات مواقعها احتجاجا على الطريقة التي غطت بها وسائل الإعلام الإسبانية أحداث العيون.

واعتبرت الرابطة، في بلاغ أن "ما قامت به بعض وسائل الإعلام الإسبانية على خلفية تفكيك مخيم اكديم إيزيك بالعيون، من مغالطات ومزايدات يضرب في الصميم أخلاقيات مهنة الصحافة".

وعبرت عن أسفها من "تمادي بعض تلك "الوسائل الإعلامية" في مزيد من الفبركة.

وأوضحت الرابطة أنه أمام تأكيد منظمة "هيومن رايتس ووتش" عدد الوفيات التي أعلنت عنها السلطات المغربية (أي 11 من قوات الأمن المغربية واثنان من المدنيين)، "نكون أمام جهة محايدة تؤكد افتراءات وزيف ما روجت له بعض وسائل الإعلام الإسباني في تغطيتها لتلك الأحداث".

واقترحت الرابطة "تنظيم "قافلة الحقيقة" إلى مدينة العيون يشارك فيها إعلاميون وفاعلون جمعويون وحقوقيون من مختلف المدن المغربية"، داعية "كل الخبراء والمحللين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين والإعلاميين في الداخل والخارج إلى النبش في خلفيات هذه "الحملة الإعلامية الإسبانية" وإظهارها بشكل حقائق ومعطيات وليس استنتاجات فقط".

كما طالب المصدر ذاته "العقلاء في المنابر الإعلامية للدولتين الجارتين، المغرب والجزائر، بالابتعاد عن ردود الفعل وعدم الخضوع للتوظيف السياسي للأحداث".

 

  حميد طولست

[email protected] 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1590 الاحد 28 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم