أقلام حرة

التغيير يصنعه الشارع بحبه واعتزازه بوطنه / حميد طولست

ولا يألو جهدا في الدفاع عنه والدود عن حماه بدافع هذا الحب وذاك التعلق..

لقد اعتقد الكثير من الكارهين الحاقدين- تجنيا- أن الشارع المغربي يعيش حالة من الركود والسبات واللامبالات، بل والجبن والتواطؤ إزاء قضاياه الوطن.... لكن ها هو نفس الشارع المغربي يغلي حماسة ًوحميةً، لتجسيد حالة النبض الحي لمشاعر الحب والتعلق الوطنية، والتفاعل الكامل مع قضاياه، عندما استهدفت كرامته ومست عزته،  واندفاع ملايين المغاربة، الذين سمحت ظروفهم وحتى أولئك الذين لم تسمح لهم الظروف، بالخروج من بيوتهم ومن أعمالهم، وقد ذابت كل فوارقه، وانصهرت كل ميولاته ومشاربه وتوجهاته وانتماءاته في بوتقة الوحدة الوطنية الصلبة ليشاركوا، ومن دون سابق تخطيط، في مسيرة عارمة، للتعبير عن وإيمانهم المطلق بحقوقهم المشروعة وبعدالة قضيتهم الوطنية، واحتجاجهم الغاضب، ورفضهم القاطع لحملات التآمر والتحامل والتشكيك والتشويه والتفسير المغالط للحقائق، ولسان حالهم جميعا، رجالا ونساء وأطفالا ومسنين، يصدح بصوت مجلجل، تشجيه طفرة الفرح وانفعال النصر وهم على قلب رجل واحد يقولون للاسبان وبدون تلعثم: باسطا، أي كفى، كفى من الارتزاق، كفى من التطرف والعنصرية، كفى فنحن كتلة متراصة مترابطة متضامنة مجتمعة حول هدف واحد، هو الإيمان بعقيدة حب الوطنية، والتشبث بالأرض التي لا توجد أي قوة بإمكانها إخراجنا أو اقتلاعنا منها....

أي حقارة اكبر من أن يستكثر مرتزقة مأجورون في قنوات اسبانية وجزائرية وقطرية حاقدة، أن يعيش الشعب المغرب المسالم القوي، آمنا على أرضه، ينعم بالصفاء على ربوعها الحرة الأبية.

وأي نذالة أضخم من أن يصاب بالسعار كل الذين استلذوا السباحة في المياه العكرة، وحين يعمل المغرب على حل مشاكله الداخلية وينخرط في  تنمية أقاليمه،  فيغضبون وينبحون في وسائل إعلامهم الفاشية التي لا تمت للصحافة الصادقة الملتزمة بأية صلة، والتي لا تحترم لها قيما ولا مهنية، وتنزل بقدرها ومقامها إلى أسفل سافلين، بما اعتادته وتفننت فيه من ارتزاق و تزوير للحقائق، وتلفيق للأخبار، وفبركة للأحداث والصور والتي كان آخرها، صور الطفلين الفلسطينيين اللذين أصيبا في غارة اسرائلية قبل سنوات، والتي تم الترويج لها على أنها صور لطفلين صحراويين تعرضا لاعتداء وحشي في الصحراء المغربية، جندت للبكاء عليهما والتفجع على مأساتهما، في مسرحية حقيرة، ممثلتين رديئتينٍ من الصحراويات المقيمات غالبا بإسبانيا، كل ذلك حتى تلهب مشاعر المشاهدين عبر العالم، أو على الأصح حتى تستغفل كل المتلقين.. في هذا اليوم المشهود، وهذا الخضم غير المعهود، "إلا في ساعة المعقول" دفعني الفضول الصحفي للاقتراب من بعض من شاركوا في هذه المسيرة العارمة، وسألت بعضهم عن سبب مشاركتهم في هذا الاحتجاج،  فكان ملخص الأجوبة هو أن المشاركة إنما كان للتنديد بمواقف الحزب الشعبي المعادي للمغرب، وللاحتجاج على تدخله السافر في صدور القرار البرلمان الأوروبي، المنحاز الذي يحاول المس بالوحدة الترابية للمملكة.

حيث قال محمد البوشيخي وهو طالب جامعي: للأسف كثيرا ما نسمع أن الشباب لامبالي بالقضايا الوطنية الحساسة، لكن مسيرة اليوم فندت هذا الادعاء، وبرهنت على فساد هذه المقولة وذلك حين حرص الشباب على الحضور بكثافة للدار البيضاء من كل أرجاء المغرب رغم رداءة أحوال الجو وبعد المسافات ووعورة السبل والطرقات، وذلك للتعبير عن رأيه ورفضه للمساس بمصالح وطنه ومقدساته،  وهذا دليل واضح على أن الشباب المغربي واع بدوره وبضرورة مشاركته في كل التجمعات الشعبية والفعاليات الوطنية.

فاطمة الزهراء المتوكل معلمة قالت: كما هو ملاحظ أن حضور المرأة متميز جدا في هذه المسيرة، وذلك لأن دورها في العمل الوطني لا يقل عن دور الرجل، وهو مواز ومكمل له، ولاشك أن للمرأة كأم وأخت وزوجة وابنة، تثيرا كبيرا ومباشرا في الأجيال التي ترضعهم الوطنية والانتماء للأرض منذ نشأتهم الأولى، وقد تحررت من قيود الأمس وأصبحت تشارك في الاعتصام والمناسبات والنشاطات الوطنية والندوات الثقافية في السلم والرخاء، فما بالك اليوم وقد تكالبت على وطننا مجموعة من المرتزقة، فلا بد أن تساهم في التعبير عن رأيها وذاتها وشعورها الوطني..

 الحاج حماد الشتوكي، شيخ وقور يقول: غالبية الذين حجوا اليوم للمشاركة في هذه المسيرة المباركة من الشباب، الذين لم يشاركوا في المسيرة الخضراء العظيمة التي عرفها تاريخ المغرب والتي شارك فيها آباؤهم. لا تسألوني من فضلكم لماذا أشارك اليوم في هذه المسيرة، لأن المواطن الصادق في حبه لوطنه عندما يبتعد عنه إلى مكان آخر يحن إليه، فما بالك إذا هددت ارض الآباء والأجداد كمشة من الأوباش بالتدنيس، واستفزاز مواطنيه الشرفاء الذين يعيشون على ثراه الطاهرة، فالأرض هي الوطن والكيان والوجود، ولا وجود لأي شعب كان بدون، لذلك كان من واجب المواطنة على أن أشارك وأشارك إلى أن أسلم الروح، لأني أحب هذا البلد وأتمسك به وعشقي له كبير وحبه في نفسي مغروس، ولن أتنازل عنه..فنشأتي كانت هنا وهنا يكون مماتي.

 الحاج السي محمد الروداني، فقيه وإمام مسجد: مخطئ كل الخطأ ذاك الذي يظن أن الشجاعة والرجولة تتمثل في الهرولة والركض إلى السلاح للانتقام ممن اختلف وإياه حول أي من القضايا، فالشجاعة والرجولة والشهامة والبطولة هي أن نواجه المشاكل ونعالجها ونحلها دون أن نصل إلى كلمة عنف واحدة قد تتسبب في ترويع أو تخويف أو قتل أي إنسان، كما هو حال ودأب المغرب الأمس واليوم وفي كل وقت، وما هذه المسيرة السلمية المليونية الناجحة بكل المقاييس بالرغم من الجو الشتوي والبرد، إلا دليل على رزانة المغاربة وتعقلهم بالدبلوماسية في حل المشاكل. فرغم أن المواطن المغربي مصر على حقه والتعبير عن رأيه وأكثر إصرارا على الاعتزاز بوطنه، إلا أنه لا يقدم على ذلك إلا بالطرق السلمية الهادئة كما فعل آباؤه وأجداده البارحة عندما لبوا نداء الملك المرحوم الحسن الثاني الحكيم عندما دعاهم لتنظيم المسيرة الخضراء التي استرجعوا بها صحراءهم دون إراقة قطرة دم واحدة.

 

طولست حميد [email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1597 الاحد 05 /12 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم